الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«سادات هيكل» و«سادات موسى» و«سادات صلاح حافظ»!

 



«تعاقب على حكم مصر فيما يبدو «رئيسان» كان كل منهما يحمل اسم «أنور السادات»، كتب تاريخ الأول «موسى صبرى» فى كتابه «الحقيقة والأسطورة»، وكتب تاريخ الثانى «محمد حسنين هيكل» فى كتاب «خريف الغضب»! وقد كان الشائع قبل ظهور هذين الكتابين أنه لم يحكم مصر غير «سادات» واحد، لكن هذا الاعتقاد كان وهمًا بلا جدال، لأن السادات الذى فى كتاب «موسى» لا يمكن أن يكون هو نفسه «السادات» الذى فى كتاب «هيكل»!

بهذه السطور الساخرة اللاذعة يبدأ مقال الكاتب الكبير الأستاذ «صلاح حافظ» مايسترو الصحافة فى مقاله الشهير «سادات موسى وسادات هيكل»، الذى نشره فى مجلة «صباح الخير» (9 يناير سنة 1986).

وبلغ من حماس الأستاذ «لويس جريس» رئيس التحرير وقتها أن كلف زميلنا الفنان العبقرى «شريف عليش» برسم غلاف العدد وقام شريف بتجسيد الفكرة فرسم ساداتين بالفعل، أحدهما حالم تقى ورع يرتدى الجلابية ويمسك بمسبحة، والسادات الآخر يمسك بهراوة»!

كانت مناسبة المقال تلك العاصفة الغاضبة التى صاحبت نشر كتاب الأستاذ «هيكل»، ثم منعه من التداول ودخول مصر، وكتاب «موسى صبرى» عن السادات، كتاب هيكل كان هجومًا ساحقًا ماحقًا على السادات وسياساته، وكتاب «موسى صبرى» كان دفاعًا مجيدًا عن السادات وسياساته، وكأن كلا منهما يطبق المثل الشعبى الشهير: حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتمنى لك الغلط، ومن هنا جاء مقال «صلاح حافظ» درسًا فى فن الكتابة والموضوعية.

كتب «صلاح حافظ» فى مقاله البديع يعقد تلك المقارنة بين «سادات موسى وسادات هيكل» قائلا:

«كان «سادات موسى» فى شبابه بطلاً وطنيًا خطيرًا، واعتقله الإنجليز لأنه كان يدبر عملاً ضخمًا لطردهم من البلاد، وفى المعتقل عرفه «موسى» ووجده «هادئ الحركة كثير التأمل وله بين الجميع توقير خاص ومهابة».

أما «سادات هيكل» فكان فى شبابه أضعف من مواجهة ظروفه، معقدًا من لونه الأسمر، ولديه ميل غريزى للرضوخ للأقوى، وكانت تحكم سلوكه حاجة ملحة إلى كسب الرضا والقبول من الآخرين، وكانت مهمته فى المعتقل تسلية زملائه بالتهريج والغناء»!

و«سادات موسى» كان عدوًا للملك وكان هو الذى دبر وقاد ونفذ عملية الهروب من المعتقل وأشرك فيها موسى!

أما «سادات هيكل» (الذى تصادف أنه اعتقل أيضًا، فإنه لم يفر من المعتقل وإنما سربته السراى الملكية من وراء الأسوار لكى يغتال النحاس باشا، وبعدها بقليل أعاده الملك إلى الخدمة فى الجيش)، بعد أن ركع على قدمى جلالته وقبّل يديه الكريمتين»!

و«سادات موسى» كان أول من شكَّل تنظيمًا ثوريًا فى الجيش وهو الذى جند خالد محيى الدين وعبداللطيف بغدادى وآخرين، وعندما دخل السجن ضمهم عبدالناصر إلى تنظيمه وعندما خرج من السجن دعاه عبدالناصر إلى قيادة التنظيم الجديد!

أما «سادات هيكل» فكان عضوًا فى الحرس الحديدى الذى يحمى الملك من خصومه وعندما ضمه عبدالناصر إلى تنظيم الضباط الأحرار فوجئوا وثاروا، لكنهم قبلوا القرار فى النهاية ثقة بعبدالناصر وإحساسًا بأنه قد يكون ضمه ليعرف منه  أخبار السراى أو ليسر إليه بمعلومات مزيفة تتسرب بواسطته إلى السراى!

وسادات موسى قام بدوره ليلة الثورة وألقى بيانها الأول، وقاد فى الإسكندرية عملية نفى الملك، وواجه قنصل بريطانيا العظمى الذى جاء يناقش الثوار ويهددهم!!

أما سادات هيكل فقد كان اسمه فى خطة عمليات الثورة مكتوبا أمامه - بقلم عبدالناصر - علامة استفهام، وعندما وصل إلى القيادة متأخرا كانت الحاجة إلى قطع التليفونات - وهى المهمة الموكولة إليه - قد انتهت، وفى الإسكندرية كان القائد العسكرى لعملية طرد الملك هو «زكريا محيى الدين» والقائد السياسى «جمال سالم» وكان جمال سالم هو الذى واجه القنصل البريطانى، وكان السادات بالصدفة موجودًا أثناء المواجهة!!

»

ولم يتوقف الأستاذ صلاح حافظ بهذه القراءة الذكية والموضوعية بل مضى يشرح ملابسات اختيار السادات نائبا للرئيس عبدالناصر فيقول:

سادات موسى اختاره عبدالناصر نائبا له ثقة فيه وإيمانه بأنه القادر على أن يقود سفينة البلاد بعده، وفى آخر رحلة قام بها إلى موسكو سأله القادة السوفييت، من يكون بعدك؟! فأجاب أنور السادات!!

وقبل وفاته بقليل دعا أنور السادات إلى بيته ثم نادى زوجته وقال:

يا أنور هذه «تحية» أمامك وأنا أكلمك الآن كنائب لرئيس الجمهورية.. الخزانة التى فى مكتبى فيها كذا وكذا.. يا تحية أنا قلت لأنور أن هذه الفلوس ليست ملكى إنها أموال الدولة والخزانة لها مفتاحان يا أنور وأحدهما مع تحية ولهذا طلبت حضورها أمامك والثاني.. إلخ». أى أن اختيار عبدالناصر لسادات موسى كخليفة له، كان نهائيا، وكان حريصا على أن يعرف أهله أنفسهم أنه الرجل الذى ينبغى أن يطيعوه من بعده!

أما سادات هيكل الذى تصادف أن عيَّنه عبدالناصر نائبا له أيضا، فقد كان تعيينه مجرد إجراء مؤقت، إذ كان عبدالناصر مضطرا إلى حضور مؤتمر فى المغرب يمكن أن يتعرض أثناءه للاغتيال ولم يكن لديه وقت لاختيار نائب مناسب فاختار السادات، وقال لهيكل فى الطائرة وهما فى الطريق إلى المغرب:

لو حدث لى شيء فإنه يصلح لسد الفترة الانتقالية، وسيكون دوره شكليا، وعلى أى حال فهى فترة أسبوع على أرجح الأحوال».

لكن الظروف شاءت أن تتوالى الأحداث بعد ذلك بسرعة، وكانت كلها أحداثا ساخنة، فنسى عبدالناصر «سادات هيكل» فى منصبه، ولم يجد وقتا لعزله ومات وهو نائب لايزال وتركه ليصبح رئيسا!!

أقصد ليصبح رئيسين!!

رئيس «موسوى» ما كاد يتولى الرئاسة حتى تفرغ للإعداد لحرب التحرير!

ورئيس «هيكلى» كان همه تجنب هذه الحرب وتمهيد الطريق للتفاهم مع العدو.

وقد بدأ سادات موسى الإعداد للحرب بإخراج الخبراء السوفييت من البلاد حتى تسترد القوات المسلحة والدولة حرية التخطيط والتنفيذ والتوقيت للمعركة».

أما سادات هيكل فقد بدأ طريق الاستسلام بطرد نفس الخبراء، إذ إن طردهم كان نصيحة «سعودية أمريكية»، ووعدوه إذا أخذ بها أن يعفوه من أى قتال!!

وسادات موسى أعد للمعركة فى وجه مقاومة ضارية حتى من كبراء القادة العسكريين، وكانت جميع القوى السياسية فى مصر مشبعة بروح الهزيمة ومروجة للدعايات الاستسلامية، وكان هو الوحيد الذى قرر أن يخوض المعركة ودبر لها وأتم ترتيباتها، وكانت عقيدته إنه ليس أمام مصر غير اختيار من اثنين؛ إما النصر وإما الموت!!

أما سادات هيكل الذى تصادف أن قاد حرب أكتوبر أيضا فلم يكن له فى هذه الحرب ناقة ولا جمل!! الخطة العسكرية كانت موضوعة من قبله، والجيش كان يضغط لكى يصدر له أمر القتال وكان صبره قد نفد ولم يعد ممكنا أن يماطله السادات أكثر، ثم جاءت أمريكا نفسها وقالت له حارب!! أضاءت له الضوء الأخضر ووعدته بألا يهزم لو دخل معركة محدودة تحرك الموقف وتلين صلابة إسرائيل ثم أنذرته بأنها لن تساعده ما لم يغامر ويأخذ بنصيحتها!! وهكذا فرضت الحرب على سادات هيكل!!

وهى بالطبع غير الحرب التى قادها سادات موسى، فهذه الأخيرة فوجئت بها أمريكا بقدر ما فوجئت إسرائيل وكانت خطة السادات فيها الوصول إلى مضايق سيناء أى تحرير سيناء كلها، وكان السبب فى تعثر الخطة خلافات بين القادة العسكريين، خذلوا بها حلم الرجل العظيم وفرضوا عليه أن يبدأ التفاهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه!!

أما الحرب التى قادها سادات هيكل أو التى كان مرغما عليها، فقد كانت مجرد إحداث زوبعة تمهد للتفاوض وهو الذى منع الجيش من مواصلة الهجوم وأسرع يطلب من أمريكا تنفيذ وعدها وبدء مفاوضات التسوية من دون قتال».

وللمقال بقية!