الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
طنطاوى نجم الشرق الأوسط الجديد

طنطاوى نجم الشرق الأوسط الجديد

سقط سور برلين. معلنًا تغير التاريخ والجغرافيا. انتهت الحرب الباردة وانتهت الإمبراطورية السوفيتية. كان ذلك بداية التسعينيات. جاء جورج بوش الأب فى الولايات المتحدة. وعاد إسحق شامير ليتولى رئاسة الوزراء فى إسرائيل للفترة الثانية وهو اليهودى المتطرف. وفى مصر كان قد استقر الشكل النهائى لنظام مبارك. ووضحت رؤية المصالح والتربيطات الداخلية والخارجية. كلها كانت فى مصلحة النظام وليست فى مصلحة الأمة. ارتبط النظام ارتباطًا وثيقًا بلعبة الدين. ظهرت التحالفات العلنية عن طريق الأزهر والخفية بتحالفات مع جماعة الإخوان. كانت تحالفاته السرية مع الجماعات الإسلامية تنفذ له العمليات القذرة وكانت هى سر سقوطه فيما بعد.



 

أرهق فساد نظام مبارك الأمة بأكملها. باع الرجل مصر كلها بما فيها قوتها الناعمة. وكان لا بد من غطاء دينى كمظلة يعمل أسفلها رجال النظام المرتبطون ارتباطات مختلفة بالمملكة السعودية. أصبح مبارك الذى أعلن عن نفسه فى بداية حكمه باسم (محمد حسنى مبارك) وليس كما عرفه الناس بحسنى مبارك منذ أن كان قائدًا للقوات الجوية فى حرب أكتوبر ثم نائبًا للسادات. وهو بالضبط ما فعله السادات بظهور اسمه الأول محمد عندما أعلن عن دولة العلم والإيمان. اهتم مبارك بالطقوس الدينية وحضور كافة المناسبات الدينية بنفسه ليعلن دعمه للأزهر وللإسلام الوسطى. تولت المملكة السعودية إدارة روح مصر. كانت أولى المهام التخلص من بقايا الشيوعية فى العالم العربى. حصدوا وجمعوا بقايا الشيوعيين لتحييدهم نهائيًا وإخراجهم من الصورة تمامًا. ظهر السعوديون فى الأزهر وفى الإعلام والفن والرياضة. تسربت المملكة لروح الأمة بدفع كامل وقوى من نظام مبارك. توقف دور مصر كقوة ثقافية وسياسية قائدة فى العالم العربى والتى اتسمت بها فى أوائل القرن العشرين حيث كانت تنتج معظم أدب المنطقة وأفلامها وكذلك الأفكار الحداثية. أصبحت السعودية هى التى تضع الأجندة الثقافية والفنية والإعلامية للمنطقة كلها. وقد مثل ذلك كارثة للفكر العربى وللثقافة العربية بشكل عام ولمصر بشكل خاص. أدى الصراع ما بين الدولة والجماعات الإسلامية المتطرفة إلى مزيد من أسلمة الخطاب السياسى. وهو ما أدى إلى المزيد من أسلمة المجال العام. كما أتاح تحالف النظام مع المؤسسة الدينية درجة أكبر من الاستقلال الذاتى لعلماء الدين المحافظين ودعم وضعهم بصفتهم من يملكون القول الفصل فى أمور الدين التقليدى. احتلت أعداد كبيرة من المتعاطفين مع الإسلاميين المتشددين مناصب نافذة بمختلف مؤسسات الأزهر وبالقضاء والمؤسسات الحكومية المختلفة. ففي حين أن النظام وجه ضربة شرسة شبه قاضية للجماعات الإسلامية الإرهابية إلا أن الصراع أدى إلى صحوة إسلامية تصاعدت سريعًا فى المجتمع وذلك لأن المؤسسة الدينية الرسمية كانت تعمل على إقامة أمة ذات توجهات إسلامية واضحة وصريحة. وحدث ما لم يتوقعه نظام مبارك. حيث لم تعمل تلك القيادات الدينية فى صالحه. بل فى صالح من يدفع. أو بشكل أوضح لمصلحة السعوديين. ففى أبريل عام 1992 أصدرت مجموعة من العلماء تقريرًا وجهوا فيه النقد للجماعات المتطرفة المسلحة وأيضًا لأعمال القمع التى تمارسها الأجهزة الأمنية. كما دعوا حكومة مبارك إلى أن تفرج عن النشطاء المعتقلين وتدخل فى تفاوضات مع المعارضة الإسلامية وبالمثل ذهب الشيخ جاد الحق إلى أن صعود التطرف الإسلامى يرجع إلى تلاعب الدولة بشئون الدين وتحكمها فيه. أى أنه كان يضمر رغبته فى منح الأزهر مزيدًا من الحرية فى المسائل الفقهية أيضًا. أصبح جاد الحق أقل استعدادًا لإصدار شجب شامل من منطلقات دينية للهجوم على الأقباط. وركز بدلًا من هذا على القضايا المتعلقة بالأخلاق العامة. وباتخاذهم تلك الخطوات كان العلماء يقدمون أنفسهم بصفتهم بديلًا للمتطرفين وللدولة أيضًا. أى أراد الأزهر أن يكون هو الدولة. هو الحاكم. أتاح هذا للعلماء أن يطوروا أجندتهم الخاصة بهم التى تعبر عن دعوة إسلامية لاصلاح المجتمع والعودة إلى الدين. وهى أجندة سعودية واضحة. وهكذا نرى أن السلطات الدينية كانت قد ابتعدت كثيرًا كثيرًا عن موقفها تجاه الدولة. فظهر الاضطهاد الفكرى والتعديات على الحرية الفنية التى اتسمت بها التسعينيات من تجليات تلك النتائج حيث أدى دعم الدولة للفهم الضيق المتشدد للدين إلى وجود مناخ أصبح فيه ذوو الأفكار المخالفة دينية كانت أم سياسية أهدافًا للهجوم. وكان من يقوم بهذا الهجوم عادة من المرتبطين بمؤسسات الدولة بشكل أو بآخر. فقد كان اضطهاد الأقباط وإضفاء الصبغة الإقصائية على السياسة المصرية من نتائج سياسات الحكومة القائمة على أسس دينية. حيث إنه وبدلًا من توفير أساس مشترك للمواطنة أدت الصفقة التى عقدها نظام مبارك مع الإسلام السلفى إلى تمزق المجتمع المصرى سياسيًا. فالتسويات التى عقدتها الدولة مع ممثلى الإسلام المحافظ جعلت من الالتزامات التاريخية بهوية وطنية التسامح الدينى الضحية الأولى فى الصراع على الحفاظ على السلطة. لعب الأزهر دورًا محوريًا بتوجه سعودى واضح. حتى توفى الشيخ جاد الحق وظهر الدكتور محمد سيد طنطاوى. نجم نجوم المرحلة. كان طنطاوى فى عام 1980 قد انتقل إلى السعودية للعمل فى المدينة المنورة كرئيس لقسم التفسير فى كلية الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية. وعاد إلى مصر فى بداية عام 1986 ثم عين مفتيًا للديار المصرية فى 28 أكتوبر من نفس العام. وفى 27 مارس 1996 عين شيخًا للأزهر خلفًا لجاد الحق. كان ظهور طنطاوى على مقعد المشيخة يعنى توجهًا جديدًا لمبارك بمباركة أمريكية سعودية. كان طنطاوى يحمل أجندة الشرق الأوسط الجديد. كانت مواقفه السياسية أهم كثيرًا من مواقفه الدينية. فى شهر فبراير 2003 وقبل احتلال القوات الأمريكية للعراق أقال طنطاوى الشيخ على أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى بالأزهر من منصبه لأنه صرح بفتوى يؤكد فيها وجوب قتال القوات الأمريكية إذا دخلت العراق وأن دماء الجنود الأمريكيين والبريطانيين تعد فى هذه الحالة حلالًا. كما أن قتلى المسلمين يعدون شهداء. وبصرف النظر عن موقف رئيس لجنة الفتوى إلا أن طنطاوى كان بتلك الإقالة يرسل برسائل عديدة إلى الغرب بموافقة ودعم كامل من نظام مبارك. وفى 30 ديسمبر عام 2003 استقبل طنطاوى وزير الداخلية الفرنسى نيكولا ساركوزى (رئيس فرنسا فيما بعد) فى الأزهر وصرح طنطاوى أنه من حق المسئولين الفرنسيين إصدار قانون يحظر ارتداء الحجاب فى مدارسهم ومؤسساتهم الحكومية باعتباره شأنًا داخليًا فرنسيًا. كان تصريح طنطاوى سياسيًا أكثر منه دينيًا. فهو نفس الرجل الذى أصدر فى 20 فبراير 1989 عندما كان مفتيًا للديار المصرية فتوى يحرم فيها فوائد البنوك والقروض باعتبارها ربا يحرمه الإسلام. وهو الذى عرف الربا أنه زيادة على رأس المال مصحوبة باستغلال وظلم وابتزاز. حيث رأى أن من يأكل الربا متعمدًا فهو مرتد وجزاؤه أن تفسخ عنه زوجته. ولا يدفن فى مقابر المسلمين. لقد كان لطنطاوى دور كبير ومحوري ومكمل لمسيرة الشيخ عبدالحليم محمود. ظهر دوره واضحًا فى 5 يوليو 2009 عند مصافحته للرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز فى مؤتمر حوار الأديان الذى نظمته الأمم المتحدة والسعودية بنيويورك. ثم جلوسه مرة أخرى مع شيمون بيريز على منصة واحدة فى مؤتمر حوار الأديان الذى عقد فى الأول والثانى من يوليو 2009 فى كازاخستان. لقد أخذ طنطاوى بمباركة وتأييد نظام مبارك الأزهر للطريق الذى رسمته الولايات المتحدة الأمريكية بأموال سعودية. لقد بدأ طنطاوى الطريق مسرعًا. طريق الشرق الأوسط الجديد تحت مظلة الأزهر وكان حوار الأديان هو السر.