السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ولاد الأصول.. وبناته.. وبيوته

إنها القواعد التى تحكم التصرفات، وتتحكم فى العلاقات بين الناس، فتضبط إيقاع الفعل بضوابط الأخلاق والقيم.. هى المعانى التى تحمل الود الممتد إلى عمق حضارة البنى آدمين، وتصد هيمنة فوضى الفهم والرؤى والقرارات. بها تتحدد الأدوار، وأولويات الفعل والقول المجرد من الانحيازات الظالمة، والتربصات القائمة على انفلات الانفعالات.



  «وكان للأصول أمارات.. وكان للطيبين عناوين.. ورحمة ونور على الأموات.. اللى كانوا بالأصول عايشين».

الأصل الطيب، بيبان على صاحبه، وأصلك دايمًا بيكون فصلك، يعنى ملامح تفاصيلك، اللى بتحدد بيها علاقتك بالناس والدنيا، بالخير والحق، والصدق والصبر ومنظومة الأخلاق. يعنى براح الفهم، ونقاء الرؤية، وسلامة التصور والتصرف. 

وقد يعنى هذا التعبير الشعبى الدال على الحكم على المحيطين، أن أصولهم هى التى تتحكم فى قدرتهم على الفصل بين الحق والباطل والخير والشر، وأيضًا القبح والجمال. ولعله يقصدهما معًا. لأن الخيال الشعبى يستمد قدرته على التعبير من أفق متسع يختار المعانى بعمق، ويتصيد المفاهيم برؤية عين العقل، وعقل الضمير.

«لو ربنا رزقك ببنت أصول هتصونك وتصون عرضك، وتخاف على مالك وتربى عيالك ع الخير والصدق. وتكون الستر إللى بتستر بيه عوراتك، وتكون الصبر إللى بتصبر بيه ع الأيام المرة، وتكون الفرح إللى بتضحك بيه ع الدنيا، وتكون العين إللى دايما شايفاك ومتابعاك، ضهرك، سندك، الغنوة إللى بتملى البيت هنا وسرور، ومن غير ما تلف ولا تدور، الأصل بيحكم وبيتحكم فى التفاصيل. ده بنات  الأصل يا ولدى شبعانه محبة وعنيها ملانة، وبتعرف تدى حتى لما تعوز».

غير أن قلة الأصل فعل عديم الأصول الذى لم يتأسس على قواعد، ولم يرتبط بضوابط تمكنه من ضبط الأقوال والأفعال، بما يرضى ويناسب المتفق عليه بين الناس. إذ أن انحياز الجماعة – أية جماعة – إلى القيم الإيجابية، يعود إلى حاجتها الملحة إلى الاتصال الإيجابى الذى يعين على تجاوز الأزمات ويصد أذى التربصات والخلافات. 

من هنا يأتى تصنيف الناس وتسكينهم فى وضع ومكانة اجتماعية تتناسب مع طبيعة تأثيرهم فى حياة الآخرين إيجابًا وسلبًا. فيصبح الخسيس خسيسًا بفعله المشين، ويبقى الأصيل أصيلًا بفعله الطيب والرصين.

إنها الاصطلاحات المعبرة، والعابرة إلى مفاهيم التناول والتداول، لتهذب النفوس الضعيفة، وتقوى عزيمة أولي الألباب، الذين يحسنون الفعل ويقدرون الناس والمواقف.

حين حددت الثقافة الشعبية للأصول معايير، وللأصلاء مواقف، ولبيوت الأصل إشارات، لم تضع فى الاعتبار سلطتهم أو سلطانهم، هيئتهم أوهندامهم. ليصبح الفعل هو القياس والقول هو المؤشر، الذى تبنى عليه رؤية الجماعة وموقفها من الأشخاص.

«الأصل الطيب دايمًا بيراعى، ويشوف بعيون الخير ويسمع بودان الفهم، ويعرف بحدود مرسومة بدقة، ومبنية على موروث منقول من خبرة عمر طويل، لا بيتلخبط ولا بيلخبط ولا بيميل.. الأصل الطيب له ألف دليل.. بيراعى الواجب، ويخاف من العيب.. ويداوى جروح الناس، وكأنه ألف طبيب وطبيب، الأصل الطيب عمره ما بيخيب».