السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

تونس إلى «المربع صفر»

 إذا ما أردنا تجميع قطع «البازل» السياسى لتشكيل صورة متكاملة الملامح لواقع الصراعات الحزبية والبرلمانية والرئاسية فى دولة الاستثناء الديمقراطى فى المنطقة العربية «تونس» فإن الأمر يتجاوز التجاذبات السياسية وتضارب المصالح وشبهات الفساد التى اتهم بها رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، وسط الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التى تعيشها البلاد بسبب تأثيرات أزمة وباء كورونا والمشاكل المتراكمة منذ سنوات، بسبب ارتفاع نسب البطالة والتضخم والمديونية الخارجية وتراجع نسبة النمو.



بداية الأزمة

 فى 14 يونيو الماضى طفت على السطح قضية «تضارب المصالح» بعد إثارتها فى لقاء صحفى مع رئيس الحكومة فى قناة تليفزيونيّه خاصّة وكانت الفتيل الذى أشعل حملة الاتهامات والانتقادات والتهجمات على «الفخفاخ» من قبل مناوئيه وأهم شركائه فى الحكم (حركة النهضة)  الإخوانية.

الحملة «الإخوانية» استبقت تقرير اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق فى اتهامات الفساد، وقبل إقرارها قضائياً، وانتهت باستقالة الفخفاخ.

وقبل الاستقالة بدأ الصدام بين رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، والنهضة، وشيك، خصوصًا بعد تصريح سعيد خلال اجتماعه برئيس الحكومة والأمين العام للاتحاد العام التونسى للشغل نور الدين الطبوبى والتى ردّ فيها على الأخبار التى تداولها أعضاء من حركة النهضة حول التقائه برئيس الحركة راشد الغنوشى والاتفاق على البدء فى مشاورات تشكيل حكومة جديدة، حيث قال نصًًا «لن يقبل بأى مشاورات تهم تشكيل حكومة جديدة ما دامت الحكومة الحالية قائمة»، فى رسالة للجماعة بأنه متمسك بـ «الفخفاخ».

وفى مواجهة الرئيس، تحركت الحركة سريعًا، وعقدت اجتماع مجلس شورى للتداول فى مسألة سحب الثقة من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، وكانت نتيجة التصويت بأغلبيّة 70 صوتًا لصالح سحب الثقة مقابل 20 صوتًا لصالح الاستقرار الحكومى وتم إثر ذلك تكليف رئيس الحركة راشد الغنوشى بالتشاور مع الأحزاب لتشكيل حكومة جديدة.

تكليف جديد

فى المقابل، انطلقت الكتل النيابية (الكتلة الوطنية، الكتلة الديمقراطية، كتلة الإصلاح، كتلة تحيا تونس) بجمع الإمضاءات لعريضة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشى،نظرًا لارتباطاته الخارجية بالرئيس التركى رجب طيب أردوغان ودولة قطر واتهامات بعلاقته بـالإرهاب وفق اتهامات عبير موسى رئيسة الحزب الدستورى الحر (الموالى للنظام القديم).

وفى الأثناء تمكّن حركة النهضة من جمع 105 أصوات من جملة 109 أصوات المطلوبة عند التصويت على سحب الثقة داخل البرلمان حسب ما ينص عليه الفصل 97 من الدستور التونسى،الأمر الذى دفع رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ لتقديم استقالته لرئيس الجمهورية، وهو ما يعيد الكرة لملعب رئيس الجمهورية لتكليف رئيس حكومة جديد بعد التشاور مع الأحزاب الفائزة فى الانتخابات الأخيرة، فى عملية استباقية للتصويت حول سحب الثقة من رئيس الحكومة وما يعنيه من عودة المبادرة لحركة النهضة لتعيين رئيس حكومة من اختيارها باعتبارها الحزب الفائز بالأغلبية فى الانتخابات حسب ما جاء فى الدستور التونسى.  تضارب المصالح

 الصدام بين النهضة والرئيس التونسى يعود لعهد ما قبل «الفخفاخ» عندما فشل مرشح حركة النهضة لرئاسة الحكومة الحبيب الجملى فى نيل ثقة البرلمان، بالرغم من فوز الحركة فى الانتخابات التشريعية أكتوبر 2019 بأغلبية نسبية 20 % وحصولها على 52 مقعدًا من جملة 217 مقعدًا فى مجلس نواب الشعب، وحتى عندما عادت المبادرة لرئيس الجمهورية لتكليف رئيس حكومة بعد التشاور مع الأحزاب لم يلقَ المرشحون الذين زكتهم الحركة لمنصب رئيس الحكومة القبول، ووقع الاختيار على إلياس الفخفاخ الذى رشحه حزب رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد (تحيا تونس) الحاصل على 4 % فقط من نتائج التصويت فى الانتخابات التشريعية.

تعيين الفخفاخ الذى لم يحصل خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية 2019 سوى على 0.34 %  مثّل بداية الدحرجة لكرة الثلج، ومن اليوم الأول له ناصبته النهضة العداء ولم تستسغ أن يسحب من تحتها البساط ولا يكون لها اليد العليا فى الحكومة، وتجلى صدى الخلافات الوزارية تحت قبة البرلمان التونسى عبر تعطيل أو إطالة النقاشات والمصادقة على مشاريع قوانين تقدمت بها رئاسة الحكومة فى البرلمان.

 وليس سرًا أن العلاقة بين النهضة وقيس سعيد لم تكن كذلك فى البداية حيث ساندت الحركة قيس فى الدور الأول من الانتخابات الرئاسية 2019، بالرغم من وجود أحد مؤسسى الحركة عبدالفتاح مورو كمرشح للحركة ساعتها إلا أنه لم يتحصّل سوى على 14.8 %من الأصوات مقابل 18.4 % لقيس سعيد، وفى الدور الثانى ذهبت معظم أصوات الحركة الإسلامية لقيس سعيد ليفوز بنسبة 72.7 %، وكانت الحركة تنتظر «رد الجميل» من الأستاذ الجامعى الصارم الذى لا يعرف الموائمات السياسية.

وكانت الحركة تحلم بالتنسيق مع الرئيس بخصوص رؤيتها لبعض الملف أبرزها رئاسة الحكومة والملف الليبى والعلاقات الخارجية مع حلفائها التقليديين (قطر، تركيا..)، إلا أنها اصطدمت بشخصية صارمة قليلة الخبرة بالسياسة وكواليسها ومناورتها، وبدا الصدام حتميًا.

ناهيك أن برجماتية الجماعة وسياسية تبادل المصالح وبناء صدقات مرحلية تخدم برامج وأهدافًا معينة للحركة فى الحكم والإقليم لم يتقاطع نهائيًا مع رئيس خرج من رحم الجامعة بصرامة رجل العلم المختص فى القانون الدستورى والزاهد فى المغانم الاقتصادية والامتيازات التى يمكن أن يوفرها له موقعه فى السلطة.

أما الموقف من ليبيا وبالرغم من التقاطع الظاهرى دبلوماسيًا لدعم حكومة السراج، لكن التهنئة التى توجه بها رئيس البرلمان راشد الغنوشى لفائز السراج بمناسبة استيلائه على قاعدة «الوطيّة» الجوية من قبضة قوات الجيش الليبى،أزعجت الرئيس قيس سعيد فى ظل الدبلوماسية التونسية منذ فترة حكم الراحل الباجى القايد السبسى القائم على الحياد الإيجابى مع مختلف أطراف الصراع فى ليبيا.

سيناريوهات متوقعة

 الأول: العودة لحكومة الرئيس وقد بدأت فعليًا باستقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، مما يعنى أن المبادرة تعود فعليًا لرئيس الجمهورية الذى سيجرى مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة فى أجل أقصاه شهر، وهو السيناريو الأقرب للتحقيق والأكثر واقعية لاستعادة الاستقرار السياسى فى البلاد، ويبقى ذلك مشروطًا بمدى توافق الأحزاب الرئيسية الفائزة فى انتخابات أكتوبر 2019 على الشخصية التى سيكلفها رئيس الدولة لتشكيل الحكومة الجديدة.

 

والسيناريو الثانى هو عدم التصويت فى مجلس نواب الشعب بمنح الثقة  للحكومة الجديدة  المقترحة فى حال وقع اختيار رئيس الدولة لمرشح لا يقبله أحد الأحزاب البرلمانية وخصوصًا الحزب صاحب الأغلبية حركة النهضة، وهو ما يعنى دستوريًا حل البرلمان وإعادة الانتخابات التى لن تكون نتيجتها مضمونة فى هذه المرة لأى طرف سياسى،علاوة على صعود حزب عبير موسى الذى تصدر نسب استطلاع الآراء فى الانتخابات التشريعية المقبلة، ويبقى هنالك منفذ وحيد فى هذا السيناريو الصعب وهو أن يستغل رئيس الدولة صلاحياته الدستورية ولا يذهب مباشرة لحل البرلمان، وإنما يستعيد المشاورات مع الأحزاب حول مرشح جديد لرئاسة الحكومة..والثالث هو الاضطرابات السياسية والأمنية الشبيهة بما حدث عام 2013.