الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الكاظمى بين المطرقة الأمريكية والسندان الإيرانى

يعمل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمى، فى صمت لتفكيك الميليشيات الموالية لإيران وداعميها فى البرلمان، أو على أقل تقدير لدفعها إلى التخفى من المشهد بالتزامن مع سعى إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى تطوير شراكتها مع العراق شرط تحجيم دور الجماعات المدعومة من طهران.



 

فى المقابل، تبدو إيران وكأنها لا تريد مواجهة «الشخصية المستقلة» التى جاءت من خارج الكيانات السياسية العراقية، فيما تدعم واشنطن بشكل واضح «الكاظمى» لكبح جماح النفوذ الإيرانى المتزايد فى العراق.

 

وبكلمة أخرى نأت طهران بنفسها عقب اغتيال قاسم سليمانى قائد فيلق القدس عن الدعم اللوجستى للفصائل المسلحة الموالية لها فى العراق وسمحت بتسمية «الكاظمى» رئيسا للوزراء وتمرير حكومة بمجلس النواب، فى مقابل دعم مطلبها بإخراج القوات الأمريكية كاملة من العراق واستمرار توريد السلع الاستهلاكية وإمدادات النفظ والغاز بالعملات الأجنبية لتفادى تداعيات حملة «الضغط الأقصى» التى تشنّها الولايات المتحدة على إيران لتدمير اقتصادها على مراحل بدأت فى مايو 2018، حيث استهدفت العقوبات الأمريكية قطع طريق إيران للحصول على مليارات الدولارات من الإيرادات النفطية، وتخفض صادراتها أكثر من أى وقت مضى..وأصدرت مجموعات مسلحة حليفة لإيران بيانات تهديد، كما أطلقت صواريخ استهدفت مواقع عراقية تستضيف قواتٍ أمريكية ومحيط السفارة الأمريكية فى بغداد قبل وأثناء عقد مناقشات جلسات الحوار الاستراتيجى بين واشنطن وبغداد فى 11 يونيو الماضى، وهو ما يهدد استمرار الكاظمى بالأساس.

 

وتتخوف إيران والقوى الحليفة لها من محاولات عراقية يقودها رئيس الحكومة بالتخلص التدريجى من النفوذ الإيرانى المباشر أو غير المباشر بدعم أمريكى ومباركة دول الجوار العربى، ويرجع هذا التخوف إلى تحول عدد من فصائل الحشد الشعبى وانحيازها إلى المرجع الشيعى فى النجف، على السيستانى، وغياب قاسم سليمانى عن المشهد مع عدم وجود شخصية تمتلك قدراته على إدارة الملفات الشائكة، مثل ملف النفوذ الإيرانى والوجود العسكرى الأمريكى فى العراق.

 

الكاظمى والفصائل     

 

أبرز ما يميز الكاظمى أنه لم يكلف من قيادات الكتل السياسية فى مجلس النواب العراقى، وأنه لا يميل فكريّا إلى التيارات الإسلامية رغم التزامه بالمرجعية الشيعية فى النجف، ناهيك عن أنه يرتبط بعلاقات جيدة مع محيط العراق العربى والإقليمى، ومع الولايات المتحدة والدول الغربية.

 

ويُتهم الكاظمى من قيادات فى المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران بحكم مسئوليته السابقة كرئيس لجهاز المخابرات العراقية بالتواطؤ مع الولايات المتحدة، وتسهيل مهمة اغتيال قائد فيلق القدس الإيرانى قاسم سليمانى ورفيقه نائب رئيس هيئة الحشد أبومهدى المهندس فى 3 يناير الماضى..وليس سرًا أن قراره بمداهمة ورشة لتصنيع الصواريخ تابعة لحزب الله العراقى فى أطراف بغداد من قبل جهاز مكافحة الإرهاب، الخطوة الأكثر جرأة وخطورة على مستقبله السياسى، حيث أسفرت المداهمة الجريئة عن مصادرة منصتى إطلاق صواريخ وكميات من الأسلحة والذخيرة واعتقال 13 شخصا، بينهم 3 فى مواقع قيادية، من اللواء 45 التابع لكتائب حزب الله العراقى ليل 26 يونيو الماضى ، إثر اتهام بتنفيذ ضربات صاروخية على القوات الأمريكية، وقد نفذ عملية الاعتقال جهاز مكافحة الإرهاب، وهو قوة شكلتها الولايات المتحدة نهاية عام 2003، وتنتهج عقيدة قتالية أمريكية، وهى مؤسسة عسكرية «مستقلة» إلى حد كبير عن تأثير القيادات السياسية وقيادات الحشد الشعبى والمجموعات الشيعية المسلحة، ويرتبط الجهاز مباشرة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة الذى هو نفسه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمى..وتعتقد قيادات حليفة لإيران أن قرار الكاظمى بإعادة تسمية عبدالوهاب الساعدى رئيسًا لجهاز مكافحة الإرهاب بعد إقصائه فى سبتمبر الماضى يشكل تحديا لها، وتنفيذا للسياسات الأمريكية فى العراق.

 

هيبة الدولة

 

«الفصائل الولائية» أو الكتل السياسية الحليفة لإيران وأجنحتها العسكرية سواء ضمن تشكيلات هيئة الحشد الشعبى أو خارجها من المجموعات الشيعية المسلحة لم تعترض - باستثناءات محدودة - على مضى الكاظمى بتشكيل حكومته ولم تحاول إسقاطه قبل تشكيلها مشترطةً عليه تنفيذ قرار مجلس النواب بالطلب من الحكومة المركزية مخاطبة الولايات المتحدة لسحب جميع قواتها من العراق وفق جدولٍ زمنى محدد.. ومن بين أهم الفصائل «الولائية» المتمسكة بمعارضة مصطفى الكاظمى ومحاولة إسقاطه، كتائب حزب الله العراقى بشكل واضح، وبشكل أقل وضوحًا وعلانية حركتا «النجباء» و«عصائب أهل الحق» وجماعات أخرى أقل تأثيرا.. وبلا شك يدرك مصطفى الكاظمى أن قدرات فصائل الحشد الشعبى تتفوق على قدرات القوات الأمنية وأن أفراد هذه القوات لا يمكن أن يدخلوا فى اشتباكات مفتوحة مع مقاتلى الحشد الشعبى نظراً للتداخل الاجتماعى بين مقاتلى هذين الفريقين واعتقاد أفراد القوات الأمنية بشرعية وجود قوات الحشد الشعبى المستمدة أولاً من فتوى المرجع الشيعى على السيستانى المُعتَبر لدى جموع الشيعة، ومن قرار مجلس النواب الذى أعطى الشرعية الدستورية لهذه الهيئة التى تنضوى تحت قيادتها جميع الفصائل المسلحة، بما فيها المجموعات المسلحة الحليفة لإيران..ومن ثم فإن خيار المواجهة المباشرة ليس مطروحاً على طاولة الكاظمى حيث سيلعب بورقة «الحوار» مع قيادات الحشد لضبط استخدام أسلحة الفصائل والاتفاق على عزل الفصائل غير الملتزمة بقانون هيئة الحشد الشعبى الذى يُخضع مقاتليه لقانون العقوبات العسكرية المعمول به فى وزارة الدفاع.