الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الأب بين القتل والحب

عرفنا عيد الأب فى بلدنا منذ سنوات قليلة، وهو معروف فى أوروبا وأمريكا منذ قرن على الأقل. ويرجع الفضل إلى رواد صفحات «السوشيال ميديا» الذين دأبوا على نشر صور وكلمات مؤثرة عن آبائهم فى كل عيد أب فى 20 يونيو من كل عام.  ومازال عيد الأب غير راسخ فى ثقافتنا وعاداتنا مثل عيد الأم. ولم تستطع - حتى الآن - آليات التسويق الجبارة أن تروج له وتقنع به الأبناء، ليكون موسماً للشراء مثل عيد الأم أو عيد الحب. ولو استطاعوا، لصار  لدينا طقوس خاصة لتهنئة الآباء وصناعة أغانٍ وإحضار هدايا خاصة بهم.



 

فى هذا السياق، قرأت هذا العام بعض المقالات لكاتبات نسويات تقلن: «أن عيد الأب يذكرهن بالثقافة والنظام الأبوى الذى يقوم على تفضيل مصالح الرجل، والتمييز والعنف ضد النساء. وأن كثيرا من مظاهر القهر والعنف المنزلى يمارس أساساً من الأب تجاه بناته». وقد غاب عن هؤلاء الكاتبات أن الكثير من الأمهات أيضا تحملن نفس الثقافة الأبوية، وأن كثيراً من القرارات الجائرة والعنف يمارس من الأمهات تجاه بناتهن. والأمر ليس غريباً لأن الثقافة الذكورية راسخة ومتغلغلة فى كل المؤسسات الاجتماعية. 

 

وتتسم العلاقة بين الأبناء والآباء فى ثقافتنا العربية بالكثير من التناقضات وأحياناً التطرف. فمن جانب هناك:  الإعجاب والحب والخضوع الكامل للأب.  ومن جانب آخر هناك: التمرد والعنف والرغبة فى القضاء على الأب  أو ما يطلق عليه علماء النفس أسطورة «قتل الأب» بالمعنى الرمزى من ثورة وخروج على التراث الأبوى.

 

ومثلما انشغل المسرح والأدب العالمى بأسطورة قتل الأب كما فى«أوديب ملكاً» لسوفوكليس، و«الأخوة كارامازوف»  لدستويفسكى، انشغل الأدب العربى بها أيضاً.  ولعل ثلاثية لنجيب محفوظ من أشهر الأعمال التى جسدتها، من خلال صراع السيد أحمد عبد الجواد «مثال الأب القوى القاهر المسيطر» مع أبنائه الذكور، ومحاولة أبنائه الثلاثة قتله المعنوى وتجاوز تقاليده. «فهمي» الذى عارضه وانغمس فى معركة الاستقلال الوطنى أثناء ثورة 1919، وانتهى شهيداً. و«كمال»الذى رفض تراث وبيئة أبيه الخرافية القدرية، وظل يبحث فى شتى المعارف الإنسانية الفلسفية والعلمية، عله يصل إلى الحقيقة واليقين. أما  الكبير «ياسين» أكثرهم إعجاباً وتشبهاً به، فقد كان الابن الذى سدد إليه الضربة القاسمة، وتزوج حبيبته السابقة. ما جعل السيد أحمد عبدالجواد يوقن أن نهايته قد اقتربت، وحدث بها نفسه فى الرواية قائلاً: «إذ لم يكن بد من أن يكون لك قاتل فليكن ابنك هو قاتلك».

 

ويذهب أغلب علماء النفس والاجتماع العرب مع أفكار المؤرخ الراحل د. هشام شرابى إلى أن تجاوز الثقافة والهيمنة الأبوية هو أحد الشروط الأساسية لتجاوز إشكاليات الفكر الخرافى والقدرية والتعصب المستشرى فى بنية الثقافة العربية. ومن ثم بناء الإنسان العربى الحر القادر على صنع النهضة والتنمية المستدامة.

 

فى حياتنا آباء كثيرون يتمثلون قيم الثقافة الأبوية المهيمنة، وآباء آخرون يقدمون المثال على التضحية والحب والتمرد على التراث السلبى للثقافة الأبوية.. هؤلاء هم صناع التغيير الاجتماعى والعدالة مع النساء من جيل إلى جيل.. إليهم نقول كل سنة وأنتم بألف خير.