الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الأهرام يبحث عن رئيس تحرير!

الأهرام يبحث عن رئيس تحرير!

طبيعى جدًا أن يكون منصب رئيس تحرير حلم أى صحفى سواء كان جديرًا به أو غير جدير، يستحقه أو لا يستحقه! لكن من غير الطبيعى أن يرفض شخص رئاسة تحرير صحيفة، والصحيفة هى «الأهرام» ذات التاريخ العريق والمجيد، أما ذلك الشخص فهو «حسن باشا يوسف»- و هو ليس الممثل المشهور بطبيعة الحال!. وأظنك لا تعرف - وربما تعرف - أن «حسن باشا يوسف» كان واحدًا من أشهر الأسماء السياسية فى العصر الملكى - قبل ثورة يوليو 1952 - وتولى عشرات المناصب المهمة أهمها على الإطلاق رئاسة الديوان الملكى بالنيابة عدة مرات فى زمن الملك فاروق، كما شغل منصب مدير مكتب الصحافة بوزارة الخارجية سنة 1938، ثم مديراً لمراقبة النشر على ما تنشره الصحف والمجلات عن السراى الملكية فى الداخل والخارج.. و..و..!



 

 

فى سنة 1982 يصدر «حسن باشا يوسف» مذكراته تحت عنوان «القصر ودوره فى السياسة المصرية 1922 1952»، وقد حذف لقب باشا من الاسم - صدر الكتاب عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام وهو المركز الذى أنشأه الأستاذ «محمد حسنين هيكل» والذى نجح هيكل بدوره فى أن يضم إليه «حسن باشا يوسف» ويساهم بمقالاته السياسية والتاريخية، وذلك من خلال عمله بمركز الوثائق والبحوث التاريخية بالأهرام.. فى مذكرات «حسن باشا يوسف» كل ما يدهشك ويمتعك من أسرار وحكايات دارت خلف كواليس السياسة والصحافة، وكان ذلك فى زمن الحرب العالمية الثانية «1939 1945»، حيث كان يشغل منصب مدير إدارة المطبوعات إلى أن يستدعيه «حسين سرى باشا» رئيس الوزراء ووزير الداخلية يوم 25 يناير سنة 1941 ليقول له: أنت مسئول منذ هذه اللحظة عن كل ما ينشر فى الصحف وقد أصدرت أمرًا عسكريًا بتعيينك مديرًا لمراقبة النشر!.. وعن نظام العمل وقتها يقول: «تنحصر أعمال مراقبة النشر فى مراقبة ما يكتب فى الصحف والمجلات، فضلاً عن مراقبة أشرطة السينما والمسرح والأسطوانات، وكان يصدر وقتها تسع جرائد يومية باللغة العربية فى القاهرة والإسكندرية وخمس جرائد يومية بالإنجليزية والفرنسية واليونانية وإحدى عشرون مجلة باللغات الأجنبية! وكان لكل صحيفة أو مجلة رقيب موفد إليها من المراقبة ويجتمعون يوميًا بمكتبى فى الساعة السابعة مساء، حيث توزع عليهم التعليمات مكتوبة ونتناقش ما يعنّ للرقباء استيضاحه، وفى صباح اليوم التالى كنت أستقبل الرقباء ليقدم كل منهم تقريرًا مكتوبًا عما استوجب الحذف أو التعديل مما عرضته عليه الصحف مما يعد مخالفا للتعليمات، ومهمة الرقيب تنفيذ التعليمات اليومية التى تصدر له وهو غير مسئول عن كل ما ينشر خارج نطاق هذه التعليمات، وكانت صعوبة العمل تأتى من أن الوزراء والكبراء تصوروا أن الرقابة يجب أن تحميهم مما ينشر ضدهم! ويغضبون من مدير المراقبة إذا ما نشر أمر يمسهم!.. كان الأمر يستلزم يقظة مستمرة وعملاً طوال اليوم وإلى ساعة مبكرة فى الصباح، ورغم ذلك كانت هناك أخبار غير مسموح بها تتسرب إلى الصحف ويغفل عنها الرقيب، وصدق من قال: «يشترط فى الرقيب الناجح أن تكون له عينان كعيون الصقر، وذاكرة كذاكرة الفيل، وقلب كقلب الأسد، وصوت كصوت الحمام، وحكمة كحكمة سليمان، وصبر كصبر أيوب، وثبات كثبات أبوالهول ورغم كل هذا فإنه كثيرًا ما يقع فى الأخطاء». وتتواصل ذكريات «حسن باشا يوسف» إلى أن يصل لواقعة رئاسة تحرير الأهرام فيقول: «حديثى عن الصحافة طويل ومتصل إلى وقت كتابة هذه السطور، وإنما أود أن أسجل هنا أننى رغم مشقة العمل فى مراقبة النشر فإننى أحتفظ لتلك الفترة بأجمل الذكريات، وقد نشأت بينى وبين العديد من الزملاء الصحفيين ورؤساء التحرير صلات مودة وتقدير متبادلين، كنت أقدر المعاناة التى كان يلاقيها الصحفيون عندما تحذف الرقابة خبرًا أو مقالاً بذلوا فيه غاية الجهد، وهم من ناحيتهم كانوا يقدرون مسئولية الرقيب بسبب قيام الحرب، وأعتقد أنى كنت حريصًا على المساواة فى المعاملة بين الصحف المعارضة والصحف الموالية!.. قامت بينى وبين «أنطون بك الجميل» - رئيس تحرير الأهرام - علاقة عمل وثيقة بدأت بمعاصرتنا لإنشاء أول نقابة للصحفيين وكنت بحكم منصبى فى إدارة المطبوعات عضوًا معه فى لجنة الجداول، ثم توطدت الصلة بيننا من خلال الرقابة.. بعد أن استلمت العمل فى الديوان الملكى - فى أكتوبر سنة 1944 - زارنى «أنطون بك الجميل» وقال إنهم فى الأهرام يستعدون لإدخال تنظيمات جديدة على الصحيفة تعميقًا لخدماتها وانتشارها وخاصة فى بلاد المشرق العربى وفى أمريكا اللاتينية بعد أن استوطنها كثيرون من المغتربين المتحدثين باللغة العربية، وأنه يعرض علىّ أن أعاونه فى العمل نائبًا لرئيس التحرير! شكرت لأنطون بك حسن ظنه، ولم أجد فى وسعى أن أقبل ما يعرضه أو أن أعتذر عن عدم قبوله، وإنما أشرت عليه أن يستطلع رأى رئيس الديوان أولا! وبعد قليل جاء «على الشمس باشا» بوصفه عضوا فى مجلس إدارة الأهرام وفاتح «حسنين باشا» رئيس الديوان الملكى - فى أمر نقلى إلى الأهرام، وقد أخبرنى «حسنين» باشا بأنه عرض الأمر على جلالة الملك فلم يوافق وبذلك حفظ الموضوع واستمر عملى فى وظيفة القصر!.. وعقب وفاة «أنطون باشا» فى يناير 1948 اتصلت بى السيدة حرم «جبرائيل تقلا باشا» (صاحب الأهرام) وطلبت مقابلتى، فالتقيت بها فى نادى الجزيرة وقالت إنها تريد أن تذكرنى بحديث «أنطون باشا» معى منذ ست سنوات مضت، وهل من سبيل إلى تحقيق ما كان يرغب فيه؟! وأنهم فى مجلس إدارة الأهرام حريصون على استدامة الصلة الوثيقة مع القصر، وفى تعيينى رئيسًا لتحرير الأهرام ما يؤكد استدامة هذه الصلة!.. قلت لمدام «تقلا باشا» إننى مع شكرى وتقديرى لهذه الرسالة، فإن الأوضاع بالنسبة لى قد تغيرت وخاصة بعد أن عهد إلىّ جلالة الملك فاروق القيام بأعمال رئيس الديوان إثر وفاة «حسنين باشا» فى فبراير سنة 1946.. أشارت مدام تقلا باشا إلى احتمال ترشيح الدكتور «إبراهيم بيومى مدكور» رئيسا لتحرير الأهرام فقلت لها: إنكم لن تجدوا أفضل منه!.. وبعد ذلك اتصل «على الشمسى باشا» مرة أخرى بالديوان وعرض بصفة رسمية ترشيح الدكتور «مدكور» لرئاسة تحرير الأهرام، وأعد الديوان مذكرة بالتزكية لهذا الترشيح، والدكتور «مدكور» أستاذ فاضل وكاتب كبير كان عضوًا بمجلس الشيوخ، وكان عضوا بمجمع اللغة العربية وهو الآن رئيس المجمع (وقت كتابة المذكرات قبل عام 1982). لم يوافق جلالة الملك على مذكرة الديوان، بدعوى أن الدكتور «مدكور» له ميول وفدية، وأشار الملك بتعيين مستشاره الصحفى الأستاذ «كريم ثابت» رئيسًا لتحرير الأهرام!

 

أبلغت الرغبة الملكية إلى «على الشمسى باشا»، ولكن مجلس إدارة الأهرام اعتذر عن عدم قبول هذا الترشيح، عرضنا الأمر مرة أخرى تأكيدًا وتعزيزًا لاختيار الدكتور «مدكور»، وكان رد الملك أنه إذن يرشح الأستاذ «إدجار جلاد» صاحب جريدة «الجورنال ديجبت» وهو يستطيع الجمع بين الصحيفتين!

 

ولما أبلغت هذه الرغبة إلى المسئولين فى «الأهرام» وجدوا أن الأمور تزداد تعقيدًا فلزموا الصمت، ولم يعينوا رئيسًا جديدًا واكتفوا بندب الأستاذ «عزيز ميرزا» للقيام بأعمال رئيس التحرير بصفة مؤقتة.

 

انتهت الحكاية ولم تنته دلالتها أو مغزاها، وما أكثر الحكايات العجيبة فى كواليس ودهاليز الصحافة! وتلك حكاية أخرى!

 

وللحكاية بقية!