الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عنصرية البوليس البريطانى أمام القضاء

منذ عدة شهور قامت واحدة من قيادات البوليس فى بريطانيا برفع دعوى قضائية ضد جهاز البوليس متهمةً رؤساءها بالعنصرية وسوء المعاملة وتعطيل ترقياتها، لمجرد أنها سوداء.. وامرأة. ومع أنه لم يصدر حُكم بعد فى قضيتها، إلا أن تهمة العنصرية عادت تلاحق جهاز البوليس «سكوتلاند يارد» من جديد. 



 

حيث تقدمت ضابطة أخرى تنتمى إلى الأقلية العرقية وتُعتبر واحدة من الآسيويات القليلات اللاتى تقلدن أعلى الرتب، بدعوى ضد قيادة الجهاز فى لندن.

 

 متهمة قائدته «كريسيدا دايك» بتشجيع الأساليب العنصرية داخل الجهاز، مطالبة بتعويض قدره نصف مليون جنيه استرلينى، لما لاقته من معاناة وألم نفسى،  وتعطل عن العمل بعد اضطرارها إلى تقديم استقالتها فى يناير الماضى. وإضافة إلى السلوك العنصرى الذى لاحقها من الزملاء والقادة، اتهمت «نصرت مهتاب» ضابطة البوليس الباكستانية الأصل، الجهازَ الذى عملت فيه لمدة 32 سنة، بتعطيل ترقياتها لأسباب عنصرية من جهة ولأنها امرأة من جهة أخرى.

 

فى وقت سابق كان يتم تصوير «نصرت مهتاب» ضابطة البوليس السمراء فى الملصقات والإعلانات التليفزيونية للجهاز، باعتبارها «سفيرة سكوتلاند يارد» والوجه المشرق للجهازالذى يعكس صورة بريطانيا الحالية وتتمثل فيه التشكيلة الجديدة للمجتمع البريطانى المكونة من خليط من ذوى البشرات البيضاء والسوداء والسمراء من العرقيات والأقليات التى أصبحت خيوطًا أساسية فى نسيجه.    وبلغ الاهتمام بها شخصيّا وبما تقوم به وتمثله حدّا جعل إحدى محطات التليفزيون البريطانية الشهيرة تقدمها فى برنامج يحمل اسمها «مهتاب» لمتابعة جهودها فى تنمية المجتمع المحلى فى شرق لندن.

 

وقد صعدت فى الرتب والمناصب داخل جهاز البوليس فى لندن لتصل إلى رتبة «سوبر انتندانت»، أى كبيرة مفتشى البوليس، وأصبحت الآسيوية الوحيدة التى تحمل هذه الرتبة، وقد عملت فى كل الاختصاصات، من عمليات البوليس السرى والتخفى إلى مهمات مواجهة ومقاومة الأعمال الإرهابية، بالإضافة إلى نشاطات تنمية المجتمع وتنمية العلاقات بين السكان والبوليس.

 

 حياة سرّية داخل «سكوتلاند يارد»

 

مع كل هذا التاريخ والتميز، كانت هناك حياة أخرى سرّية داخل جهاز «سكوتلاند يارد».. عاشتها «نصرت» وعانتها طويلًا، لكنها فى النهاية وبعد 32 سنة خدمة ضاقت بكل هذه المعاناة المكتومة والمخفية عن الأعين، وقررت الاستقالة حتى تتمكن من رفع دعواها، وكشف فضائح العالم السرّى للبوليس البريطانى.. عالم العنصرية المنظمة والعداء للمرأة.. والسخرية من كل من هم ليسوا من العرق الأبيض!

 

  وفى المذكرة التى تقدمت بها فى دعواها كشفت الكثير، فقالت إن جهاز البوليس يقوم فى العلن بتقديم صورة مثالية عمّا يجرى داخله من مساواة واحترام للعاملين فيه، بينما فى الحقيقة هناك حملة عنصرية منظمة داخله تساندها وترعاها، رئيسة الجهاز. وكشفت كيف أن القيادات النسائية البيضاء داخل الجهاز يتجمعن معًا، كعصابة من الفتيات الشريرات- حسب وصفها- للتخطيط لترتيب المقالب والمتاعب والمضايقات لكل من هم من الملونين والأقليات من ضباط البوليس.

 

وتروى الضابطة المسلمة ذات الأصول الباكستانية، أنها فوجئت لدى تسلمها العمل بعد التخرج أن قسْم البوليس الذى ألحقت به فى أحد الأحياء اللندنية الفقيرة «تاورهامليتس» فى سنة 1988 أن التقليد المتبع مع كل ضابطة جديدة تلتحق بالخدمة فى القسْم هو أن يتم ختم صدرها ومؤخرتها بختم القسْم!

 

وتضيف: «وبالنسبة لى لم يعرف الضباط الرجال البيض كيف يتعاملون معى،  فقرروا أن يرتبوا لى خطة خاصة ومقلبًا.. فتركوا فى دولابى الخاص لعبة جنسية، ثم تجمّعوا وراحوا يتلصصون علىّ، ليروا كيف سيكون رد فعلى عندما أعثر على هذه اللعبة.. وقد أثارهم الإحساس بالتفوق والدهاء ومشاعر الكراهية ضد النساء، فأطلقوا سخرياتهم فى ضحكات مكتومة مريضة».

 

 نازية وعنصرية «ع المكشوف»

 

 وهذه هى الروح السائدة فى أوساط البوليسو»ع «المكشوف».. 

 

ومن المتاعب التى قابلتها، أنها وجدت على جدران مكتبها فى قسْم آخر انتقلت للعمل فيه، شعارات رسمت خصيصًا لمضايقتها وإشعارها بالنقص والهوان لمجرد أنها امرأة، ومن الأقليات الآسيوية المسلمة.. مثل «الصليب المعقوف» الذى يرمز للنازية التى ترفع من مكانة الجنس الأبيض، وتحتقر الآخرين.

 

 وتقول «نصرت» إنها عندما اشتكت من هذا التصرف لكبار الضباط ولرئيسة جهاز البوليس فى لندن طالبوها بالسكوت وعدم إثارة الأمر علنًا.. وأشاروا إلى أن مَن وضع شعار النازية فى مكتبها قد يكون عمال البناء وليس زملاؤها الضباط البيض، وقد أجرى تحقيق فى الشكوى لكن لم يتم التوصل إلى الجانى، وأعتقد أن هذا دليل على وجود حملة عنصرية منظمة داخل الجهاز من أشخاص يمثلون اليمين الأبيض المتطرف، وفى الغالب من ضباط البوليس.

 

 ولأنها مسلمة فقد رفضت «الجونلة» القصيرة التى طلب منها ارتداءها ضمن الملابس الرسمية كضابطة بوليس لأسباب دينية، فأجبرت على ارتداء بنطلون رجالى، من تلك التى يرتديها زملاؤها الضباط الذكور.

 

 والغريب أن الزملاء البيض رفضوا أن يخرجوا معها فى الدوريات ما جعلها تقوم بدورياتها فى الشوارع وحدها، بينما القاعدة أن هذه المهمة يتشارك فيها اثنان من الضباط، ليس هذا فقط بل إن بقية ضباط القسْم كانوا يتحاشون التعامل معها والتحدث إليها، أو حتى الجلوس بجوارها، ويتصرفون كما لو أنها غير موجودة!.. تمامًا كما كان يحدث لها فى طفولتها؛ حيث كان الأطفال البيض يتجنبونها.

 

 تعطيل الترقيات ومعاداة المرأة

 

وفيما بعد عندما تمت ترقيتها لرتبة «مفتشة بوليس» سمعت مَن يهمس لزملائه من خلفها: كيف حدث هذا؟!.. كيف سمحتم لهذا بأن يحدث؟! وتضيف: معظمهم رفضونى وكرهونى، وكان واضحًا أن كثيرين من الضباط البيض الذين أصبحوا تحت رئاستى عندما رُقيت كانوا يجدون صعوبة فى تلقى الأوامر منّى لأننى امرأة ملونة وأيضًا مسلمة!

 

ولأنهم عنصريون ومعادون للمرأة، كانوا يشعرون بالإهانة الشديدة لاضطرارهم إلى طاعة أوامرى،  فالأوامر هى الأوامر، ولا يمكنهم رفضها حتى لا يتعرضوا للعقاب، لكنهم جعلوا مهمتى صعبة للغاية، من وراء ظهرى.

 

 ووفق ما وُرد فى دعواها أمام محكمة العمل المركزية فى لندن، فإن ترقياتها التالية تعطلت نتيجة لسياسة العداء للمرأة داخل جهاز البوليس فى لندن - رُغم أن الجهاز تقوده امرأة - وأيضًا بسبب العنصرية التى هى نظام دائم فيه.

 

 وتقول إن القيادات البارزة من ضباط البوليس المنتمين إلى الأقليات العرقية فرض عليهم - وهى منهم - أن يسيروا على مسافة تبعد عشرة أمتار خلف مفوضة البوليس «كريسيدا دايك» بينما يسير زملاؤهم الضباط البيض فى صحبتها، خلال حفل أقيم العام الماضى للتذكير بدور المرأة فى البوليس.. وتضيف: لقد كان المقصود هو جعلنا نشعر بالدونية، والإهانة.

 

وفى دعواها تتهم «نصرت مهتاب» رئيسة بوليس «سكوتلاند يارد» بالفشل فى معالجة مشكلة العنصرية ضد الملونين والنساء داخل الجهاز، بل تشجيع الضباط البيض رجالًا ونساءً، على مواصلة سلوكياتهم العنصرية، كما أنها تحميهم وتتستر عليهم.