الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حكاية طبيب وقرية كلها كورونا

علمت من إحدى صديقاتي بالصعيد أن هناك قرية بها أكبر عدد من حالات الإصابة بفيروس «كوفيد 19» وأن جميع الحالات شفيت ولم تحدث أي حالة وفاة، الأمر الذي شغل ذهني فبدأت بسؤالها عدة أسئلة، لمعرفة ما إذا كانت الصديقة بالغت في سردها لما يحدث في قريتها أم أنها تقول الحقيقة، شغل ذهني أيضاً خلال حديثنا، هذا الطبيب الشاب التي ذكرته أثناء حديثها وأنه يتكفل بعلاج الحالات بهذه القرية بالمجان وتفرغ تماما لرعاية أي مريض أصيب بالفيروس بل ببعض المساعدات المادية في تكاليف العلاج، من هنا بدأت البحث في الموضوع عن طريق التواصل المباشر مع الطبيب لمعرفة كيف يعالج هذا العدد الكبير الحالات دون الضغط على وزارة الصحة، ويتم علاجهم بالكامل داخل منازلهم بقرية الطليحات التابعة مركز جهينة بمحافظة سوهاج.



 

• الطبيب الشاب «أحمد إبراهيم» علمت أنك تفرغت لعلاج مرضى فيروس «كوفيد 19» في منازلهم بعيدا عن مستشفيات وزارة الصحة وأن الأمر تطوعا منك بشكل شخصي فلماذا؟

 

- أنا طبيب أعمل بعيدا عن الصعيد وكنت في زيارة لأهلي بقرية الطليحات التابعة مركز جهينة بمحافظة سوهاج  أثناء أجازة العيد، فأصيب فرد من عائلتي بأعراض فيروس «كوفيد 19» وعلى الفور قمنا بعمل التحاليل والأشعة له وبعد أن تأكدت من إصابته بدأت بعزله داخل المنزل ومن ثم علاجه، وشفي والحمد لله، ثم بدأت تظهر حالات اشتباه من الجيران ثم قريتي والقرى المجاورة لها وكنت أفعل نفس الشيء العزل والعلاج داخل منازلهم، بدأ الأمر يزداد حتى أن الحالات أصبحت تثق بي وتطرق باب العائلة ليل نهار وهكذا حتى أصبح بيتنا بالصعيد مفتوحا لجميع الحالات.

 

• أين يتم عمل الفحوصات الطبية من تحاليل وأشعة للتأكد من الإصابة؟

 

- جميع التحاليل قمنا بها في معامل خاصة، الأعداد الكثيرة وزارة الصحة عليها ضغط كبير منذ الأزمة ولا تستطيع استيعاب تلك الأعداد بالكامل، أريد أن أوضح شيء هام أغلب الحالات لأمراض مزمنة مثل الإلتهاب الرئوي من الدرجة الثانية والثالثة والتي تحتاج لرعاية مكثفة فاستعنت بمساعدة بعض المستشفيات هنا لتوفير أنابيب الأكسجين ولم يتأخروا.

 

• لماذا لم تذهب هذه الحالات إلى المستشفى نظرا لأنك قلت أنها لم تمانع من المساعدة؟

 

- لأن الأزمة التي تعان منها وزارة الصحة الآن بسبب فيروس كوفيد 19 تسببت في عدم وجود أسرة كافية لاستيعاب حالات جديدة.

 

• ما هي أعمار المصابين وكيف تتم فترة العلاج داخل المنزل؟ 

 

- أغلبهم من كبار السن فوق الخمسة وستين عاماً، أما عن كيفية العلاج فتتم داخل منزل الحالة، كرست وقتي منذ الحالة الأولى وحتى الآن أكثر من 45 يوم حتى هذه اللحظة لرعاية مصابي فيروس «كورونا».

 

• علمت أنك تذهب للحالات في منازلهم فما سعر الكشف المنزلي؟

 

- بالمجان لم أتقاضى أي أجر، لدي قضية إنسانية ومجتمعية يحتمها عليَ ضميري كطبيب تجاة أي مريض بهذا الفيروس وخاصة من أهل قريتي والقرى المجاورة، تنتهي قضيتي تلك مع انتهاء فيروس «كوفيد 19».

 

• تتابع كم حالة تقريبا تأكدت إصابتهم ؟

 

- حوالي 30 حالة، على مدار الفترة التي تواجدت بها منذ عيد الفطر وحتى هذه اللحظة، فيومي يبدأ منذ العاشرة صباحا ويتنهي بالساعات الأولى من الصباح، أمر على الحالات التي أتابع علاجها بشكل يومي، والحمد لله جميع الحالات التي عالجتها شفيت تماما ولم تحدث حالة وفاة واحدة.

 

• كيف لم يحدث أي حالات وفاة وجميعهم كبار السن ولم يكن هناك رعاية طبية كافية كالتمريض ووحدات الرعاية المركزة للحالات الشديدة؟

 

- بفضل الله أولا ثم أن هناك رعاية بشرية مكثفة، ومتابعة خلال ال 24 ساعة، وهذا هو السر الحقيقي وراء شفاء الحالات، أهم من الوحدات الصحية والمستشفيات، هو العنصر البشري، وهو السبب الرئيس وراء عبور المرضى للتعافي بنسبة 80 %  تحسب للرعاية التمريضية من ربات البيوت والفتايات، وبعد ملاحظة وجدت أن الفارق بين نتائج الشفاء وحدوث الوفاة أو تدهور الحالات هو أنه لا يوجد العنصر البشري الكاف لاستيعاب الحالات حتى العادية منها داخل المستشفيات، من التمريض، وأعتقد أن هذا هو السبب.

 

• كيف لربات البيوت أن يقمن برعاية ومخالطة مريض دون تدريب؟

 

- مثلما قلت لك طاقم التمريض يكاد يكون أهم من الأطباء في متابعة ورعاية الحالة، والأمر لا يحتاج لتدريب بقدر ما يحتاج لتواجد ورعاية ومتابعة دائمة للحالة، نساء الصعيد أثبتن جدارتهن في مواجهة الأزمة، الأمر الذي أدهشني، وبتعليمات مني علمتهن كيف يتابعن الحالات من متابعة التنفس وإعطاء الأدوية في ميعادها وما إذا كان هناك تطور أو تدهور ما في التنفس أثناء المتابعة الإتصال بي على الفور وكان يطبقن التعليمات على أكمل وجه.

 

• ألم يحدث إصابات نتيجة المخالطة؟

 

- أحيانا تحدث إصابات بين الشباب ولكن تكون ضعيفة على عكس كبار السن تكون الإصابات شديد نظرا للأمراض المزمنة التي يعانيها الكثير منهم، والأمر الإيجابي إن سلالة الفيروس الآن أصبحت ضعيفة. وكي تمر الأزمة أقترح توجيه حملة إعلامية لتوجيه المراكز والقرى والمجتمع المدني وأن تتكاتف كل قرية مع بعض الأطباء تحت رعاية وإشراف وزارة الصحة للقضاء الذاتي على الأزمة في شكل توفير العنصر البشري من الأهالي والتبرعات داخل كل قرية لتوفير الدواء وأنابيب الأكسجين للأسر الفقيرة.

 

• ما رؤيتك كطبيب متابع لتطورات الحالة في ظل هذه الأزمة وهل سيستمر الفيروس مدة أطول ويجب التعايش معه ؟

 

- جميع ما يتداول عالميا من أقاويل متضارب ليس لها اتجاه واحد، لكن رؤيتي المتواضعة إن الفيروسات التنفسية تنهي نفسها بنفسها ليس مثلما حدث بإنفلونزا الخنزير ويكتسب مناعة ضده والناس تتعايش معه، لأنه سلالة مختلفة يصبح مثل الأنفلونزا الإسبانية أو سيكمل معنا حتى الشتاء القادم  أو بالأكثر الذي يليه، وينتهي لوحده لأنه إلى الآن لم تكتمل الصورة الجينية للفيروس. 

 

لم ينتهي الأمر بيننا وبين الطبيب الشاب «أحمد إبراهيم» المعالج لأكثر من 30 حالة داخل الصعيد، فكان علينا أن نتواصل مع بعض الحالات التي تم شفاؤها بالفعل لمعرفة تفاصيل أكثر عن الوضع في تلك القرية وكيف تم متابعة حالاتهم.

 

بداية بالسيد «عميرة» صاحب ال70 عاما، قال: الأعراض التي ظهرت علي إرتفاع شديد في درجة الحرارة، فذهبت لأحد الأطباء لتشخيص حالتي، فأعطاني بعض الأدوية لعلاج إرتفاع درجة الحرارة، فنزلت الحرارة ثم ارتفعت في اليوم الثاني بالإضافة إلى احتقان بالحلق، ثم ذهبت إلى د. أحمد إبراهيم فطلب عمل أشعة وتحاليل ومنها علمت أنني مصاب بالكورونا.

 

• فما كانت ردة فعلك عندما علمت بإصابتك بفيروس «كوفيد 19»؟

 

- كنت هموت لأني بأسمع إن العواجيز هما اللي بيموتوا إذا جالهم كورونا.

 

• وبسؤال زوجة ولده التي كانت تتابع حالته تحت إشراف الطبيب وعن فترة عزله داخل المنزل وعلاجه ؟

 

- قالت: مكنش عزل  ولا قفلنا عليه باب كنا كلنا بندخل نجلس معه في غرفته عادي مكنش بيخرج من البيت، لكن دكتور أحمد علمني كيف أتابعه وأعد له التنفس على الجهاز وكيف أعطيه الدواء.

 

• ألم يصاب أحد أفراد الأسرة من المخالطين له بالعدوى؟

 

- لا لم يصاب أحد منا الحمد لله، وأحفاده عادي بيتعاملوا معاه وبيأخذوا فلوس منه.

 

• ما مدة العلاج التي خاضها وأين كان يقوم بعمل التحاليل والفحوصات الطبية اللازمة أثناء فترة العلاج؟

 

- 15 يوم، وخلال هذه المدة قام بعمل تحاليل وأشعة بمعمل خاص في البلد كان يرسل العينة للقاهرة، والحمد لله النتيجة الأخيرة كانت سلبية وتم الشفاء. أما عن الحالة الثانية السيدة «شوقية» 55 سنة، بدأت الأعراض معها بكحة شديدة وتكسير في الجسم بشكل كامل ولم تكن تستطيع الوقوف.

 

• كيف تأكدت أن هذه الأعراض هي فيروس “كورونا”؟

 

- قالت: أولادي شكوا أنها كورونا فأخذوني إلى د. أحمد إبراهيم للكشف علي فطلب بعض التحاليل والأشعة ليتأكد من الأعراض، فعرف من الأشعة إنها كورونا.

 

• أين قمت بعمل التحاليل والأشعة؟

 

- عملتها في مركز للتحاليل في طهطا.

 

• كيف كانت حالتك النفسية بعد علمك بإصابتك بفيروس «كورونا»؟

 

- شفت الموت بعيني، كأن روح كانت هتطلع.

 

• لماذا ذهبت لدكتور «أحمد» مع العلم أنه غير مقيم في القرية لديكم؟

 

- والله اللي عمله الدكتور أحمد مفيش دكاترة في مصر تعمله، بيجي يشوفني مرتين في اليوم مرة الصبح ومرة الساعة 2 أو 3 بالليل علشان يتابعني ويطمن عليا لأن حالتي كانت صعبة قوي، ومش أنا بس واقف مع الدنيا كلها لوجه الله وبيدفع من جيبه يساعد الناس ولو تحدثت للسنة الجاية مش هأخلص على «زينته» معايا.

 

أما عن السيدة “بثينة” 60 سنة، قالت: في البداية جالي سخونة جامدة وكحة بسيطة خالص، لكن مكنتش بأعرف طعم الأكل ولا ريحته، روحت لدكتور واثنين قالوا دي حبة التهابات وكتبوا لي علاج وخلاص روحت لدكتور غيرهم أعطاني علاج زود التعب عندي كان كاتم على نفسي كانت حالتي صعبة، جالي دكتور أحمد حطني على جهاز تنفس وبدأ يعالجني.

 

• وبسؤال حفيدتها والتي كانت تتولى متابعتها لماذا ذهبت لدكتور أحمد؟

 

- هو صديق العائلة وبصراحة هو أول ما عرف جاء إلينا في البيت وقال لنا لماذا لم تخبرونني بحالتها، لكن احنا بنعالجها مع دكتور آخر أيضا، في مركز جنبا، أما دكتور أحمد أعطاها علاج وجاء كل يوم يتابعها وكانت في أول خمسة أيام على جهاز تنفس داخل خجرتها «أنبوبة أكسجين».

 

• كيف كانت حالة جدتك النفسية بعدما علمت أنها مصابة بالفيروس؟

 

- لا أستطيع أن أحدد لك حالتها النفسية لأنها في نفس اليوم توفت أختها فكانت طبيعي حالتها النفسية سيئة جدا.

 

• من خلال مخالطتك للحالة ألم تصابي بعدوى أو أي أعراض ولو بسيطة وهل كنت تأخذين أي دوية للوقاية؟

 

لا لم أصاب بأي شيء، الدكتور كان يعطيني مضاد حيوي.