الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ورحل فارس التجريدية.. محمد رزق

ورحل فارس التجريدية.. محمد رزق

تمر الأيام وتسرق أعمارنا دون أن نحقق الكثير من أحلامنا ومشاريعنا المؤجلة.. وقد تلهينا عن أصدقاء  مقربين من قلوبنا لضيق الأوقات وبُعد المسافات.. فتمر الشهور وربما السنون وكل منا فى طريق، حتى نلتقى أو نتواصل بمكالمة تليفونية، فنشعر وكأننا لم نفترق!!.وقد نتغافل عنهم ونقصر فى حقوقهم، لنفاجأ بأن الموت كان أسبق إليهم ونحن غافلون!!..كانت صدمتى كبيرة حين اكتشفت مصادفة أن هذه الأيام تمر الذكرى الثانية لوفاة أحد أصدقائى!!..فلم أكن أدرك أننا لم نتواصل خلال عامين كاملين!!..  بالتأكيد اكتشفت مدى تقصيرى، ولكن المذهل أن هذا الصديق ليس شخصًا مجهولًا، وإنما فنان كبير وله ثقله، ويعد من أهم القامات فى الفن التشكيلى!!.. فتعجبت كيف يمر خبر وفاته مرور الكرام، ويقتصر على الكلمات التى نعته بها نقابة التشكيليين ونشرت فى بعض الصحف!..فلم تهتم قنواتنا وبرامجنا برحيل قامة فنية وثقافية كبيرة، فى الوقت الذى يمنحون نجوم الفن الهابط ساعات يفسدون بها الذوق العام!..بالتأكيد ليس وحده الفنان/محمد رزق الذى عانى التجاهل فى حياته ووفاته، بل كثير من المبدعين فى مجالات عديدة، مع أن الاهتمام بهم وتسليط الضوء عليهم ليس حقهم فقط، بل حقنا أيضا فى المعرفة.. وقد كنت من سعداء الحظ الذين صادقوا هذا الفنان المبدع - والذى تمتد صداقتى به منذ أواخر التسعينيات - لأتنسم من عبير فنه وخبرته الطويلة.. فهو من مواليد عام 1939، وتخرج فى كلية الفنون التطبيقية عام 1968.. لكنه كان شابًا بروحه النقية، وتواضعه الجم وصداقته مع كافة الأعمار.. وقد عرفته منذ كان مديرًا لمركز الجزيرة للفنون، حيث دعانى مرات عديدة لتقديم حفلات(موسيقى كلاسيك) فى متحف الخزف الإسلامى بالمركز، وصرت من متابعى الأنشطة الثرية التى يقدمونها.. وكنت أستمتع بحوارتى معه عن علاقة التزاوج بين الموسيقى والفن التشكيلى..والأجمل حين كنت أشاهد معه اللوحات التجريدية، وأقرأها بعينيه، وأتذوقها من خلال أحد أهم مبدعيها، فهو كما وصفه قطاع الفنون التشكيلية: «أحد فرسان المذهب التجريدى فى فن التصوير المصرى المعاصر».. وبالإضافة لمعارضه فى مصر ودول العالم، وإبداعاته الثرية التى يتواجد بعضها فى وزارتى الثقافة والخارجية، ورئاسة الجمهورية، والأوبرا، والمركز الدولى للمؤتمرات، والكثير من المتاحف فى مصر والخارج.. كان قوميسيرا للعديد من المعارض والمهرجانات، وشارك  فى اللجان المنظمة للعديد من البيناليات والمعارض القومية والدولية منذ 1975.. وأشرف على تنسيق ووضع أول تصور للعرض المتحفى لمتحف الفن المصرى الحديث بالقاهرة، والعديد من المتاحف الأخرى.. وله العديد من الأبحاث والدراسات فى الفن التشكيلى، والذى كان يقول عنه: «الفن عندى ليس مجرد صنعة أو هواية أو موهبة.. وإنما نشاط وجودى.. أمارسه بتطهر.. وكأنى أؤدى طقسًا شعائريًا».. كان لقائى الأخير به - قبل عام من وفاته - فى مركز الجزيرة أيضًا، ولكن بعد أن ترك إدارته بسنوات.. فقد قرر قطاع  الفنون التشكيلية برئاسة أ.د.خالد سرور، ومدير مركز الجزيرة للفنون الفنان/أمير الليثى تكريمه والاحتفاء بمسيرته، من خلال تنظيم معرض للوحاته فى كامل قاعات المركز.. كان افتتاح المعرض بمثابة احتفالية كبرى حضرها كثير من أصدقائه ومحبيه.. وكان من أجمل صور الوفاء الذى كثيرًا ما نفتقده فى هذا الزمن، التفاف تلاميذه  الذين أصبحوا مسئولين فى قطاع الفنون التشكيلية، وكانوا يتسابقون كى ينال كل منهم شرف اصطحابه وهو على الكرسى المتحرك، حيث كانت حالته الصحية قد تدهورت قبلها بفترة.. فكان تجسيدا لمقولة: «كما تدين تدان»..وكما كنت أراه متواضعًا رقيقًا مع الجميع، محتضنًا لكل العاملين معه، شاهدتهم يردون بالوفاء والمحبة الخالصة، والتقدير لمسيرة عطائه الفنية والإدارية.. وافتتح معرضه محاطًا بكل الحب والعرفان ممن يعرفون قدره.. ولكنى أتمنى أن يعرف قدره كل مصرى، هو وكل المبدعين الذين لم يلقوا ما يستحقونه.. فأتمنى أن يهتم الإعلام بالرموز، حتى نعرف ما نملكه من كنوز، ونحتفى بالحاضر كما نفتخر بالماضى..فهؤلاء هم ثروتنا الحقيقية التى  تقدم وجه مصر الحضارى أمام العالم.