الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
يا خسارة.. الصياعة.. والصياع

يا خسارة.. الصياعة.. والصياع

لعنة الله على فيروس كورونا ومن صنعه ومن نشره فى أرجاء المعمورة.. كنت ومعى أصدقاء أفاضل من أبناء المهنة أخونا سيد عبدالعاطى وعمنا فى العمر وليس فى المقام إبراهيم خليل نتواعد مرتين أسبوعيًا.. فنقوم بجولة فى أنحاء القاهرة التاريخية.. نجوب شوارعها الخديوية وندعو للرجل الجميل الفاضل إبراهيم محلب الذى مسح عنها غبار الزمن فإذا بنا فى قلب الأحياء الباريسية نتسكع على الأقدام حتى يقودنا حظنا إلى حيث يجلس الفرفور الجميل فؤاد معوض عاشق القاهرة وأزقتها وحواريها ومقاهيها..



 فإذا كانت الغزالة رايقة نجلس إلى الفرفور ونمضى أجمل لحظات العمر فى استعادة ذكريات الزمن الجميل ونضحك من الأعماق، أما إذا كانت الغزالة مش ولابد فنجد الفرفور بمجرد رؤيتنا ينهض وكأن عقربة لدغته فى قدمه ورايح فين يا عم فؤاد.. فيقول دون أن ينظر فى أعين أيانا.. يا ابنى أنا رايح للمحاسب عليا ضرايب.. مع إن الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلاً.. وليس هناك محاسب ولا دياولو.. وبعدين ما حاجة الفرفور إلى محاسب وهو صحفى مثلنا مثله على باب الله.. وفى بعض الأحيان كنا نلتقى مع صديق العمر حمدى حمادة الذى تحول إلى خبير فى أكل السمك يعلم الأمكنة التى تفننت فى صناعة الأسماك وما جاورها من مأكولات بحرية.. وأجد معه الشاعر الجميل بخيت بيومى.. الذى يجذبه الحنين دومًا إلى أيام بهجت قمر ولياليه الممتعة، ونتذكر بالخير هذا العملاق الذى لم يأخذ حقه فى الحياة، فقد كانت داخل بهجت قمر لا أقول موهبة، ولكن عدة مواهب ما كان لها لتلتقى إلا داخل هذا الإناء البشرى الفريد من نوعه.. وكنا نترك العنان «لأقدامنا» لكى تسير بنا حيث تشاء فإذا بنا نتوقف أمام مسرح نجيب الريحانى أيام كان يشغله الصديق الجميل أحمد الإبيارى والذى أنفق الشىء الكثير ليعيد الأمور إلى سابق عهدها وفى كل مرة كنا نزور أحمد الإبيارى نقوم بنفس الجولة داخل المسرح وتكتسى وجوهنا بالدهشة وكأننا نراه للمرة الأولى.

أعاد الإبيارى المكان إلى بهائه القديم عندما قام مهندس الديكور الإيطالى بتجميل المكان فى سابق العهد والمكان وأرشدنا إلى باب عجيب الشأن فى الصالة عند آخر صف الكراسى باب خشبى أثرى لا يقدر بثمن عليه باب حماية من الحديد.. وحكى لنا أحمد الإبيارى كيف كان الريحانى يخرج من هذا الباب إلى المسرح مباشرة.. وهنا تساءلنا كيف؟.. فأجاب أن الباب يؤدى إلى شقة نجيب الريحانى.. إلى هذه الدرجة بلغ عشق هذا العملاق للمسرح.. فأصبح البيت والغيط يفصلهما باب خشبى أحسن الصانع صنعه فإذا به تحفة لا مثيل لها.. عرض البعض على الإبيارى أرقامًا ضخمة للحصول على هذا الباب، ورفض الرجل باعتبار أن المكان مِلك للثقافة والتراث الفنى لهذا البلد العظيم.. والحق أقول أننا اكتشفنا آثارًا فى هذا البلد العظيم لا يمكن لأى بلد فى العالم أن ينافسنا عليها.. الآثار القبطية والإسلامية خصوصًا أماكن العبادة التى تركها أهل البيت رضى الله عنهم أجمعين السيدة عاتكة عمة سيدنا وشفيعنا ورسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- والسيدة سكينة وسيدنا على زين العابدين فى منطقة واحدة مع شديد الأسف لا تلقى ما يليق بها من قيمة فى عالمنا الإسلامى لا حراسة ولا اهتمامًا يذكر وكأن سعادة وزير الآثار متخصص فقط فى القسم الفرعونى وكأننا لسنا أقباطًا ولسنا مسلمين حسب اهتمام وزارة الآثار بدليل أننا ذات يوم ونحن أمام جامع الظاهر بيبرس.. شاهدنا مهمات البناء مكومة منذ سنوات طويلة كلما زرنا المكان وجدنا المياه الجوفية تمردت على الجوف وانطلقت إلى السطح لتهدد هذا الأثر الإسلامى العظيم بالدمار الشامل.. وأما عن الأسبلة.. فحدث ولا حرج.. تحولت كلها إلى بوتيكات، وهو أمر لا يمكن قبوله ولا السكوت عليه.. وقد أفنى الكاتب والفنان والأديب جمال الغيطانى عمره لكى يسجل هذه الآثار فى برامج شديدة الجاذبية مع الأسف حفظها الغيطانى فى شريط وأهملتها الدولة فى حقيقة الأمر.

وبالطبع لم تقتصر جولاتنا فقط فى ربوع القاهرة المحروسة ولكن الأمر تعدى إلى خارج حدودها فقد كنا ننطلق إلى البحيرة مرة أو المنوفية أخرى أو رأس البر ثالثة وفى ريف مصر كنا نذهب إلى الحاج كمال السعدنى،حيث منزله العامر على أجمل بقعة من نيل مصر فى قرية مسجد الخضر مكان ساحر ليس له نظير فى كل المعمورة، وكما كان جدى الشيخ خليل يعيش فى كفر القرتين مركز الباجور كان أيضا كمال السعدنى يمضى أيامه فالعيش مخبوز فى الفرن والفاكهة من فوق الشجر خصوصا الموز، والسمك نيلى صابح والبط والأوز يسرح ويمرح بيننا حتى يجىء موعد الغداء فيسرح سمير ابنه الأكبر ليختار لنا ما يكفى لإطعام قبيلة وما جاورها.. وفى رأس البر وكان معى ابن العمة يحيى الحسينى الذى تربطه بالمتنفذين أواصر وعلاقات صداقة وعمل أمضينا ثلاثة أيام فى مصيف رأس البر وقد كانت المرة الأخيرة التى تكحلت بها عيناى بهذا المكان منذ أكثر من 45 عاما المكان تغير إلى الأسوأ.. اختفت العشش واختفى معها المقهى البلدى والأسواق الشعبية وحلت القصور التى أصبحت أسعارها فى غير متناول أى إنسان الشقة بلغ سعرها 7 ملايين جنيه بالتمام والكمال وهى فى صعود سنوى وارتفاع لا يعرف الهدوء أو النزول.. ولكن على ما يبدو أن الكورونا قد جاءت لتكبح هذا الجنون الأزلى فى الأسعار وتمنعنا من هذه المتع التى لم نشعر على الإطلاق بقيمتها إلا عندما حل الكرورنا ضيفا ثقيلا على الكرة الأرضية بأكملها.. كنا فى نعمة من نعم المولى عز وجل.. نمشى فى الأسواق ونصوع ليلا فى شوارع القاهرة الساحرة ونلتقى بالأحبة والخلان والأهل والأصحاب وفجأة حكم هذا الفيروس اللعين على كل سكان الأرض بالسجن بشرط قضاء العقوبة فى منازلهم.. لعنة الله على الكورونا ومن صنعها ومن نشرها ونسأل المولى عز وجل أن يكون فرجه قريبًا ونعود إلى سيرتنا الأولى نرى المحروسة ونسعد بها بعبلها وبإهمالها وبآثارها وبناسها الذين كان لهم موقف وحدهم إزاء الكورونا فقد فتحوا أذرعتهم بالمراحب الحارة للفيروس خصوصا فى الأسواق والأحياء الشعبية.

وقد اضطرتنى هذه الظروف الصعبة إلى التجول ولكن فى عالم آخر إنه عالم الفضائيات ومجبر أخاك لا بطل شاهدت برامج تمنيت أن يصيب منتجها ومخرجها وكل من شارك فيها هذا الفيروس اللعين.. وتابعت نشرات أخبار وندمت على الأحوال التى بلغها تليفزيون بلدنا وتمنيت من الأعماق أن يسدد المولى خُطى زميلنا الفاضل أسامة هيكل لكى يعدل الأمور داخل ماسبيرو ولكن لهذا حكاية أخرى..يارب احمِ لنا مصر..