الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مشاهد ينهى عرضا مسرحيا سخيفا

هناك رابط خفى بين عالم المسرح وعالم السياسة فكل من العالمين بهما درجات من المسئولية عن الفعل والتخطيط له ففى المسرح يوجد المخرجون والمؤلفون والممثلون ومديرو الإضاءة والملقن وقبلهم جميعا المشاهد الذى يشترى تذكرة لمتابعة العرض ويعطى الحياة للمسرحية ولكل العاملين فيها.



 

يوقع هذا المشاهد بتذكرته عقد مع كل هؤلاء مطالبا إياهم بتقديم نص مسرحى يقدم محتوى على الأقل يكن إضافة لعقله ووجدانه ولا يصل  إلى درجة الضرر له ويسبب له التعاسة مقابل ما دفعه من مال ثمن التذكرة والوقت الذى سينفقه فى متابعة فصول المسرحية.

 

تبدأ المسرحية ويتابع المشاهد صاحب العقد فصول المسرحية فيجد أنها عبارة عن اسكتشات غير مترابطة أو محتوى مهترئ لا يضيف له أى شىء والممثلين على خشبة المسرح يستظرفون ويتطاولون على كل قيمة حتى على المشاهد نفسه وأصبحوا يسببون له ضررا واضحا ما يعنى أن كل فريق العمل المسئول عن المسرحية قد أخل بالعقد الموقع بينهم وبين مشاهدهم.

 

يجد المشاهد نفسه هنا أمام ثلاثة حلول إما أن يكظم غيظه مغادرا المسرح بعد مشاهدة المسرحية السخيفة ويعود إلى بيته مغموما حزينا على ما أنفقه من مال وضيعه من وقت، يرفض المشاهد الاستسلام لهذه السخافة فيتجه للحل الثانى فأثناء عرض المسرحية يوبخ الممثلين على تطاولهم ورداءة أدائهم والضرر الذى يسببوه له، فى الأغلب لن يتقبل الممثلين وأتباعهم من الكومبارس نقد المشاهد معتبرين أنفسهم أسياد خشبة المسرح وعلى المشاهد صاحب التذكرة والعقد أن يتقبل ما يقدمونه له وهو صاغر.

 

 يشتعل الصراع بين الممثلين والكومبارس من جهة والمشاهد من جهة أخرى ويتوقف عرض المسرحية مؤقتا إلى حين فرض إرادة إحدى الجهتين على الأخرى ولكن مهما كانت نتيجة الصراع وتبعاته على الاثنين فسيبقى الأصل موجودا وهو النص المسرحى السخيف سبب الأزمة.

 

يبقى الحل الثالث والأخير أمام المشاهد وهو أن يترك مكانه متجاهلا خشبة المسرح والمسرحية السخيفة وممثلينها الأسخف مقتحما الكواليس ليواجه المخرج والمؤلف لأنهما السبب الرئيسى وراء هذه السخافة والضرر الذى يعود عليه.

 

بالتأكيد لن تكن المواجهة سهلة بين المشاهد والمخرج والمؤلف فإذا كان الممثلون فى الحل الثانى وهم مجرد أدوات اعتبروا أنفسهم أسياد خشبة المسرح فما بال موقف المخرج المهيمن على العرض والمحرك للمثلين والمؤلف كاتب النص المسرحى الذى يقوم بتمثيله الممثلين ويقدم للمشاهد الذى تمرد على النص والإخراج.

 

يبدو من الوهلة الأولى أن نتائج الحل الثالث محسومة مقدما لأن المخرج والمؤلف هما الأعلى درجة داخل العرض المسرحى،سينهرون المشاهد مطالبينه بالخروج من الكواليس لأن مكانه بين مقاعد المتفرجين ولا يحق له مشاركة المخرج والمؤلف فى رؤية أوصياغة النص المسرحى المقدم له. 

 

يعتمد تطور الصراع هنا وفق المصطلحات المسرحية على رد فعل المشاهد تجاه تعنت وصلف المخرج والمؤلف فأما يستسلم لهما ويعود إلى مقعده يكمل العرض الذى أصبح يضغط عليه ويسبب له الضرر باهترائه أو من الممكن أن يلجأ المشاهد المحاصر بسخافة الممثلين وكارثية ما يفعل المخرج والمؤلف إلى العنف ويصطدم بالمخرج والمؤلف محاولا إجبار كل منهم على تعديل هذا النص لصالحه حتى يجلس ويكمل العرض، أمام عنف المشاهد سيتحد المخرج والمؤلف وينضم لهم الممثــــــلون والكومبارس وعمال المسرح ويجبرونه بالقوة على إكمال العرض أو يطردونه خارج المسرح ولن يكتفوا بهذا بل سيظهرونه فى صورة الشخص المشاغب الخارج عن قواعد الأدب الذى يريد بأفعاله تخريب عرضهم المسرحى العظيم. 

 

قبل أن يستسلم المشاهد لإرادة المخرج والمؤلف أو يلجأ إلى العنف معهما تذكر شيئا مهما وهو العقد أو التذكرة التى يحملها فى جيبه والتى اشتراها بناء على ما روجت له آلة الدعاية التى ورائها المخرج والمؤلف والممثلين بأن هناك عرضا مسرحيا رائعا سيقدمونه ويستفيد منه المشاهد.

 

عندما دخل المشاهد إلى العرض بعد شرائه التذكرة وتابع جزء منه وجد عكس ذلك تماما، وبدلا من الاستسلام والعنف طالب المشاهد المخرج والمؤلف فى هدوء برد ثمن التذكرة التى دفعها من ماله وتعويضه عن الوقت الذى أنفقه فى مشاهدة هذا الجزء السخيف من المسرحية.

 

تحولت هنا عقدة الصراع  وفق المصطلحات المسرحية أصبح المخرج والمؤلف فى حالة الدفاع ورد الفعل والمشاهد فى حالة الهجوم منتظرا فى ثبات رد الاثنين على طلبه، إذا رد المخرج والمؤلف ثمن التذكرة للمشاهد وعوضوه عن وقته المهدر فهنا يقرا أمام الجميع بفشلهما وفشل عرضهم المسرحى وإن رأى المشاهد فى مسرحيتهم كان سليما وأنها مسرحية سخيفة بلا معنى ولم يستفد شيئا منها وأصبحت سمعتهما فى عالم المسرح محل شك.

 

عند رفض المخرج والمؤلف طلب المشاهد تحولا هنا بهذا الرفض إلى زوج من البلطجية رغم ما يدعونه من أنهم أصحاب رؤية وفكر لأنهما يريدا فرض ما يقدمونه بالقوة على مشاهد رافض تماما لعرضهم المسرحى السخيف ويطالب بحقه فى استرداد ثمن تذكرته وإنهاء العقد الذى لم يحقق له أى فائدة وهنا أيضا أصبحت سمعتهما فى عالم المسرح محل شك. 

 

أمام هذا المشاهد العنيد المصر على موقفه فى رد ثمن تذكرته وتعويضه عن وقته المهدر قرر المخرج لأنه وفق سلطاته يدير جميع شئون العرض المسرحى من مؤلف وممثلين وكومبارس وعمال مسرح الدخول فى مفاوضات مع هذا العنيد لأنه سيتحمل النصيب الأكبر من ملاحقة سمعة الفشل والبلطجة للعرض المسرحى. 

 

تصور المخرج فى بداية المفاوضات أنه يمكن بقليل من الحديث الدبلوماسى اللطيف والوعود المائعة تحويل موقف المشاهد ثم إرجاعه للجلوس على مقعده وإكمال العرض وينتهى الأمر عند ذلك.

 

لم يقتنع المشاهد بهذه الحيل التفاوضية وأصر على موقفه لم يكتف المشاهد بعدم الاقتناع والإصرار وظل صامتا أمام المخرج بل بدأ فى تفنيد عيوب النص المسرحى المهترئ ومدى رداءة الممثلين وسوء أدائهم والضرر الذى سببوه له وتطاولهم عليه أيضا. 

 

اكتشف المخرج أنه أمام مشاهد ليس عنيدا فقط بل يمتلك خبرة فى عالم المسرح وأن هذه النوعية العنيدة من المشاهدين لو أعلنت رأيها بهذا الشكل المنطقى والقوى فى العرض المسرحى فهذا يعنى أن تحضيره  لأى مسرحيات فى المستقبل ومحاولة جذب مشاهدين لها مصيره الفشل. 

 

وجد المخرج أنه يجب أن يدخل مع المشاهد فى مفاوضات حقيقية بعيدا عن الدبلوماسية اللطيفة والتسويف من أجل الوصول إلى حل مرضٍ للطرفين، عرض المخرج أن يعطى المشاهد مكانا أفضل فى قاعة المسرح مع بعض مميزات إضافية مثل.. إهداء تذاكر لأصدقائه.

 

رفض المشاهد هذا العرض الذى ظنه المخرج أقصى ما يمكن أن يتمناه مشاهد فى عرض مسرحى هو من يتولى إدارته، بنفس الهدوء والإصرار على الموقف شكر المشاهد المخرج على هديته المرفوضة وأوضح له أن الأزمة ليست فى مكان وجوده داخل القاعة لأنه مهما تغير المكان سيشاهد نفس النص المهترئ وسيعانى من رداءة الممثلين.

 

أدرك المخرج هنا أن المشاهد العنيد صاحب الخبرة يريد نقل المفاوضات إلى درجة خطيرة فهو يريد التدخل فى النص ونوعية الممثلـــــــــــين أى المشاركة فى صناعة العرض المسرحى، اعتبر المخرج أن المفاوضات عندما تصل إلى هذه الدرجة تصبح منتهية.

 

وضع المشاهد تذكرة العرض أمام المخرج وعاد إلى طلبه الأول رد الثمن والتعويض، لاحقت المخرج فى خياله بوادر الفشل المستقبلى وانهيار العرض المسرحى الحالى وبعد صمت استدعى المخرج المؤلف ليجلس الاثنان مع المشاهد ليستمعا وينفذا التعديلات التى يريدها على النص وعندما سأل المشاهد عن وضع الممثلين ضحك المخرج معتبرا أن عملية استبدال الممثلين أو تغييرهم أمر بسيط بالنسبة له كمخرج للعرض.

 

كما قلنا هناك رابط خفى بين عالم المسرح وعالم السياسة،نفرض أن هناك دولة ما محاصرة بوضع سياسى يضغط عليها ويهدد أمنها من جميع الجهات ولا تريد القوى الكبرى المخططة لهذا الوضع والقائمين على تنفيذه تغييره بل يصرون عليه كما المخرج والمؤلف والممثلين فى المسرح.

 

 على هذه الدولة أن تكون مثل هذا المشاهد العنيد تنحّى الممثلين والكومبارس جانبا وتتجه للمخرج مباشرة لتخرجه من خلف الكواليس وتضع على طاولة المفاوضات التذكرة التى أدخلتها هذا العرض السياسى من أجل تعديل النص وإنهاء سخافة الممثلين،حتى مجرد التلويح بأنها ستطالب برد الثمن والتعويض على الوقت المهدر فأن المخرج أو المخططين سيعيدون حساباتهم من أجل إنهاء سخافة العرض المسرحى  أو السياسى.