الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هل يشهر لبنان إفلاسه؟!

يعيش لبنان أسوأ كارثة مالية ونقدية منذ 30 عامًا، فيما تحذر الحكومة الفيدرالية من أن 60 % من السكان قد ينحدرون إلى الفقر بنهاية العام الحالى. ومنذ ما يقرب من عام اشتعل غضب جماهيرى ضد طبقة سياسية اعتبرها الشعب تخدم مصالحها الخاصة ولتذهب الجماهير إلى الجحيم ما تسبب فى احتجاجات حاشدة هدأت وتيرة بين الحين والآخر حتى اشتعلت مؤخرًا مرة أخرى ما تسبب فى توقف عجلة الإنتاج وتعطيل الاقتصاد.



 

ووسط الظروف الاقتصادية العاصفة ظهر مصطلح لفئة جديدة فى لبنان تسمى «الفقراء الجدد» وهم أفراد سابقون فى الطبقة المتوسطة التى تآكلت تمامًا، حتى إن بنك الغذاء اللبنانى وزع خلال العام الجارى 6 أضعاف عدد صناديق الطعام التى وزعها طوال العام المنقضى حيث ضمت فئة الفقراء الجدد الموظفين من «ذوى الياقات البيضاء»، بدايةً من المحاسبين إلى رئيس لقسم التسويق والدعاية سابقًا «معاش». ومؤخرًا صدقت الحكومة اللبنانية بالإجماع، على ما اعتبرته «خطة إنقاذ اقتصادى»، فى خطوة تعول عليها لانتشال الاقتصاد المحلى من مستويات تراجع حادة، أفضت إلى عجز البلاد عن دفع ديون خارجية، وطلبت الحكومة اللبنانية مساعدة صندوق النقد الدولى، لكن لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق حول برنامج المساعدة.  ويتعثر لبنان فى سداد ديونه الخارجية منذ مارس الماضى ما يهدد الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض أكثر من غيرها بسبب الانكماش الاقتصادى، وغياب شبكات الحماية الاجتماعية.

 

كورونا يعمق الأزمة 

 

فى يونيو الماضى نشرت منظمة العمل الدولية استطلاع رأى خلص إلى أن 37 % من المشاركين عاطلون عن العمل وأكثر من 80 % منهم تم تسريحهم نهائيا أو مؤقتا بداعى حالة الإغلاق الناجمة عن تفشى فيروس كورونا. والواقع أن الأمر سبق كورونا بسنوات فأزمة لبنان هى «فاتورة الاستيراد» التى تشمل ما يصل لنحو 80 % من غذائه، وعليه ظل لسنوات ينفق أكثر بكثير مما حدود إمكانياته، ما تسبب فى هبوط فائق السرعة لليرة اللبنانية  التى فقدت أكثر من نصف قيمتها منذ أكتوبر الماضى، فارتفع التضخم، وشهدت أسعار الأغذية الأساسية ارتفاعًا بنسبة 55 %، ما أثار موجة جديدة من الاضطرابات. وسعيا للحل السريع تم استخدام العملات الأجنبية التى جذبتها البنوك اللبنانية من خلال وضع أسعار فائدة مرتفعة، لتمويل الحكومة ودفع ثمن الواردات ودعم الجنيه اللبنانى - المرتبط بالدولار- ما زاد القوة الشرائية المحلية زيادة مصطنعة «غير حقيقية» حيث لم تفكر الحكومة اللبنانية فى الاستثمار فى الإنتاج المحلي. 

 

انهيار الليرة 

 

بحسب إحصائيات ميناء بيروت، تراجع حجم واردات أكبر 5 شركات ووكلاء شحن فى لبنان بنحو 50 % على أساس سنوى فى الربع الأول من عام 2020، ومع اختفاء العملة الأجنبية وفرض البنوك قيودًا فعلية على أصحاب الحسابات، عانى المستوردون لدفع أجور الموردين وبدأوا فى الإفلاس. وعلى مدى سنوات، شغل العمال المهاجرون، الوظائف ذات الأجور المتدنية فى لبنان طمعًا فى الحصول على أجر بالدولار الأمريكى، بالرغم من الظروف السيئة فى لبنان فى كثير من الأحيان، وفى غضون ذلك، شجعت الحكومة اللبنانية مواطنيها فى الخارج -الذين لديهم مؤهلات عليا وفرّوا من الحرب الأهلية - على إيداع أموالهم بالدولار الأمريكى فى البنوك المحلية مقابل أسعار فائدة عالية. بدورهم، توجه هؤلاء إلى تحويل ودائع إلى البنك المركزي؛ ما وفر للبلد العملة الصعبة التى يحتاجها لتمويل الواردات. والآن  يحاول العديد من العمال الأجانب فى لبنان الرحيل، بعد أن تحول أصحاب العمل فى القطاعات منخفضة الأجر إلى دفع أجور الموظفين بالليرة اللبنانية التى تنخفض قيمتها. وفى أواخر العام الماضى، بدأت الفلبين فى عرض رحلات لإعادة مواطنيها.

 

توحش الجريمة 

 

بموزارة تردى الأوضاع الاقتصادية يعانى لبنان من أوضاع اجتماعية تسببت فى ارتفاع جرائم القتل والسرقة والسطو المسلح، إذ ازدادت بشكل ملحوظ جرائم القتل وسرقة شقق سكنيّة وسيّارات واستخدام السلاح فى خلافات فردية، ناهيك عن ارتفاع عدد المتسوّلين، واقتحام منازل بقوّة السلاح والنشل وسرقة سيارات نهارًا جهارًا. وبحسب البيانات فقد ارتفعت حوادث السرقة، من نشل ومنازل، 20 ٪ عن العام الماضى، إذ بلغت 704 حالات سرقة (يناير – أبريل) 2020 كما ارتفع عدد السيارات المسروقة خلال الأشهر الأربعة بنسبة 46 ٪، ليصل عدد السيارات المسروقة إلى 230، مقارنة بالفترة نفسها من العام الفائت، أما جرائم القتل ارتفعت بنسبة 103 ٪، ليصل عددها إلى 118 حالة، وبالتالى هناك 30 حالة قتل إضافيّة عن 2019.

 

وليس سرًا أن هناك نحو 1.1 مليون لبنانى، أيّ 25 ٪ من اللبنانيين، يعيشون تحت خط الفقر، أى أن دخلهم لا يكفى لتوفير كميّات الغذاء الصحّى والضرورى، وقبل انتفاضة 17 أكتوبر الماضى، كان عدد العاطلين عن العمل 350 ألفًا، أيّ 25 ٪ من حجم القوى العاملة، ومنذ ذلك الوقت وحتى أبريل 2020 خسر 80 ألف موظف أعمالهم، وبات عدد العاطلين 430 ألفًا، أى 32 ٪، وهناك 220 ألف موظّف لا يزالون فى وظائفهم، لكن يتقاضون بين  25 أو 50 أو 75 ٪ من رواتبهم. وبلغ عدد المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة والكبيرة التى أُغلقت 8 آلاف.

 

المساعدات لا تكفى

 

فى مايو الماضى أقرت السلطات اللبنانية  قانونًا لفتح اعتماد بقيمة 1200 مليار ليرة  (نحو 796 مليون دولار) لدعم شبكة الأمان الاجتماعى، كما وزعت مساعدات ماليّة على 180 ألف عائلة لبنانيّة، لكن تحرك يبدو متأخرًا للغاية – وفق مراقبين-  لا سيّما أنّ العملة المحليّة سجّلت تراجعات حادّة إلى 4 آلاف ليرة مقابل الدولار الأمريكى الواحد بالسوق الموازية (غير الرسمية)، مقابل 1507 ليرات لدى البنك المركزى. ويرفع المحتجون فى لبنان مطالب اقتصادية وسياسية، وأجبروا حكومة سعد الحريرى على الاستقالة، فى 29 أكتوبر الماضى، وحلت محلها حكومة حسان دياب، فى 11 فبراير الماضى، وأقرت حكومة دياب، فى 30 أبريل الماضى، ما وصفته بـ«خطة إنقاذ اقتصادية»، تستمر خمس سنوات، وبدأت فى 11 مايو  الماضى، مفاوضات مع صندوق النقد الدولى، للحصول على تمويل لمعالجة أزمة اقتصادية دفعت لبنان إلى تعليق سداد ديونه الخارجية.