الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أيقونة الروايات العالمية.. والكتاب المدرسى

عن عمر يناهز88 عاما رحل الفنان محمد قطب المصور والرسام الصحفى ومصمم أغلفة الكتب ورسوم الأطفال .. بعد رحلة حافلة بالإبداع مفعمة بالتجارب الفنية.. بين أغلفة الروايات العالمية والكتب المدرسية.



 

هو واحد من من الجيل الثانى فى فن الكتاب والرسم الصحفى بعد الفنانين الحسين فوزى وحسين بيكار وعبد السلام الشريف.. وقد ظل طوال رحلته مع الإبداع مخلصا للوحة التصوير، التى جاءت بمثابة وسادىة يرتاح عليها من هموم الصحافة الضاغطة والإنجاز السريع المتلاحق لفن الكتاب. 

 

أسيوط والواقعية السحرية

 

فى مدينة أسيوط بقلب صعيد مصر من جنوب الوادى ولد فناننا قطب 1932 وانجذب إلى عالم الرسم ودنيا الخطوط والألوان من بداية الطفولة.. يتأمل كل الصور التى سكنت الريف وتعد بمثابة واقعية سحرية يشكلها الخيال فى الليالى الظلماء والأمسيات القمرية..من النداهة والأرنب الأبيض والعنزة البرية.. يتداولها الرواة بينما يقوم هو برسمها على الورق. وفى المرحلة الابتدائية كان محظوظا: فكان أستاذه فى مادة التربية الفنية فى الثلاثينيات النجم كامل الشناوى الفنان الكبير فى مجال الدراما..يقول قطب «تعلمت منه أصول الرسم وكان يمثل لنا بعض المواقف لنرسمها.. مقلدا حركات الفنان الشعبى عازف المزمار والحرفيين من الصنايعية والسماكين والباعة الجوالين ويطلب منا أن نغلق أعيننا لنتخيل الحيوانات والطيور.. ونجسدها فى كراسة الرسم.. ولا أنسى أننى تخيلت مجموعة من القرود ورسمتها فأثنى على وتنبأ لى بمستقبل كبير وكانت مكافأتى فرخ ورق مقاس كبير رسمت عليه بتعبير خرج على ألوان الطبيعة.. رسمت البحر أحمر والسماء باللون الأسود.. وظل يشجعنى ومن خلاله تأكد لى حبى لعالم الرسم ومعنى الفن.. هذا العالم المدهش الذى ارتبطت به من البداية».

 

وفى مدرسة أسيوط الثانوية ومن فرط دأبه أقامت له المدرسة معرضا لأعماله ضم مائة لوحة وتعددت زياراته مع زملائه من الموهوبين إلى الرائد حبيب جورجى صاحب الدراسات والتجارب الكبيرة فى فنون الطفل والألوان المائية.

 

أقوى دفعات الفنون

 

ينتمى قطب إلى الدفعة التى التحقت بالفنون الجميلة عام 1952وهى واحدة من أقوى دفعات الكلية، أثمرت من بين ما أثمرت: مصطفى حسين ويوسف فرنسيس وإيهاب شاكر وناجى شاكر وناجى كامل وعادل حسنى وفتحى أحمد وجمال قطب وعبدالوهاب مرسى وصبحى الشارونى وحسن حاكم وسكينة محمد على.

 

وفى الفنون الجميلة تتلمذ قطب مع زملائه على يد كبار أساتذة الفن الكبار: بيكار وعبد السلام الشريف وعز الدين حمودة وعبد العزيز درويش.. وقبل تخرجه التحق بدار الهلال رسامًا عام 1953 فى مجلة الاثنين والدنيا التى كانت تصدر فى ذلك الوقت وكان واحدا من أول جماعة فى الرسوم المتحركة وهى جماعة الفن المصرى التى تكونت عام 1954 من خمسة فنانين: هو وعلى مهيب وعبد الحليم البرجينى ومصطفى حسين وحسن حاكم.

 

والفنان قطب مع التحاقه رساما بصحيفة الجمهورية بعد تخرجه.. اتسعت تجاربه فى رسوم الأطفال.. ففى الكتاب المدرسى تمثل رسومه العلامة الثانية بعد كتاب الأرنب شرشر فى القراءة، الذى رسمه الفنان بيكار أوائل الخمسينيات. فقد رسم قطب كتاب «نحن نقرأ» وأمل وعمر وكتاب القراءة العربية «عادل وسعاد» للمرحلة الابتدائية كما قدم الرسوم التعليمية لكتب محو الأمية والملصقات التعلمية الخاصة بالمركز الدولى لتنمية المجتمع «اليونسكو» بسرس الليان.. وهذا ما أهله لأن يكون مستشارا للبنك الدولى للرسوم التعليمية فى واشنطون لمدة عام فى الستينيات مع الكاتبة سناء البيسى والفنان إسماعيل دياب.

 

وفى صحافة الطفل رسم مئات السيناريوهات من الحكايات المصورة وكانت البداية بمجلة سمير عام 1968.. وفى صحافة الطفل كانت بدايته مع مجلة «سمير» فى عام 1968حين رسم لوحة تعليمية بصفحتى الوسط ثم انتقل إلى رسم مسلسل «البواسل»..الذى ظل ينشر من قبل فى حكايات مصورة بريشة الفنان الأرمينى «هيرانت» الذى اختار لنفسه اسم هارون يوقع به فى مجلة سميلر. وظل قطب يرسم بمجلة قطر الندى التى تصدرها هيئة قصور الثقافة لفترة طويلة..

 

ومن بين إبداعاته فى فن الكتاب للطفل العربى رسوم الأغلفة والرسوم الداخلية لأعمال رائد أدب الأطفال كامل كيلانى فى طبعة جديدة....جاءت بمثابة إضافة دنيا الرسوم لما قدمه الفنانون الأجانب المقيمون بمصر من قبل لكتب الكيلانى منهم موريللى الإيطالى وديك أو ديكران الأرمينة مع رسوم بيكار لكتابى «على بابا» و«أبو صير وأبو قير» وعبد الله البرى وعبد الله البحرى.

 

الروايات العالمية والأدب العربى

 

فى لوحات تنتمى للواقعية التعبيرية صور الفنان قطب أكثر من 500 غلاف فى سلسلة «روايات عالمية» والتى كانت تصدرها هيئة الكتاب لكبار كتاب العالم فى الشرق والغرب.. من أعمال تولستوى وديسكوفسكى ووليم سارويان وبيرل بك وباسترناك والكسندر دوماس وفيكتور هوجو والسير ريدر هيجارد واجاثا كريستى وغيرهم.. مع عشرات الأغلفة لكبار الشعراء والأدباء المصريين والعرب من بينهم: صلاح عبد الصبور ومحمد الفيتورى وعبد الرحمن الشرقاوى وإحسان عبد القدوس وكامل الشناوى.

 

.. وعالمه التشكيلى

 

ظل محمد قطب طوال رحلته مع الإبداع مخلصا للوحة التصوير والتى جاءت بمثابة وسادة كان يرتاح عليها من هموم الصحافة الضاغطة والإنجاز السريع المتلاحق لفن الكتاب.

 

وتتميز أعماله بسحر خاص فهو يجسد روح الحياة الشعبية فى الجنوب المصرى خاصة ريف أسيوط حيث نشأ.. وقد تنوعت أعماله بين التصوير الزيتى والمعزوفات البصرية التى تتألق بالأبيض والأسود، والتى تنساب فيها الخطوط والمساحات الصغيرة فى حركة وحيوية بمثابة مطرزات شعبية فى التصوير الزيتى نطل على دنيا من الخيال الفنتازى حيث صور قطب بنات الجنوب ساحرات يرقصن فى ضوء الشمس بلمسة عصرية وبروح الفن الفرعونى.. فى ألوان تتوهج بالأحمر النارى والفوشيا مع لمسات من الأزرق البحرى والأخضر العشبى.. ومن بين أعماله فى فن البورتريه صور فتاة عصرية من أسيوط مسكونة بالتأمل ونظرة من التفاؤل والإشراق تمسك بوردة مع تلك التجليات والآفاق اللونية فى الخلفية بألوان طيفية من الأزرق والبنفسجى والأحمر الوردى.

 

ومحمد قطب يستلهم كل الصور الشعبية التى نطالعها فى الأفراح والأعياد والمناسبات فى مواسم الجنى والحصاد من رقصة الحصان والتحطيب مع ضاربات الدفوف والرقص الإيقاعى.. وما أجمل أن نرى عازف الربابة وكأنه يحكى مسيرة الزمن فى نسيج من النغم.. بفرشاته الصداحة بسحر اللون الطازج.. وقد استلهم منطق الصف أو النظم كما فى الجداريات الفرعونية.. وامتدت لوحاته أيضا من النحت البارز «الرليف» بوسائط من المصيص والبوليستر. مع مشاركات الفنان فى العديد من المعارض الجماعية ومعارضه الخاصة بمصر وإيطاليا حصل على أربع جوائز لأحسن غلاف فى المعرض الدولى للكتاب ببيروت بدءا من عام 1964 منها غلاف كتاب رباعيات الخيام ترجمة أحمد رامى وغلاف فى سلسلة الروايات العالمية وكتاب فلسفة الثورة والتعبير الحضارى وتنمية المجتمع للدكتور محيى الدين صابر سلام على محمد قطب فنان الصحافة والكاتاب ورسام الأطفال وتحية إلى روحه بعمق التشكيل والتعبير