الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المصل المضاد فى الطريق.. وفى التأنى السلامة

كذب الأطباء والعلماء المنجمون.. حتى لو صدقت نواياهم!. فالنوايا الحسنة لا تكفى فى مواجهة وباء الكورونا.وقد أثبتت الأيام حتى فى أمريكا بأن التهليل المثار من حين لآخر حول احتمال اكتشاف المصل المضاد لفيروس كوفيد ١٩ والإعلان بأنه بات قريبا للغاية تبخر مع الأيام وكأنه لم يكن. فى المقابل نجد العلماء الواقعيون ينبهون ويناقشون بالمنطق العلمى مدى جدية وصعوبة الخطوات اللازمة لإنتاج المصل وأيضا مدى ضرورة عدم استباق نتائج التجارب العلمية وعدم الإسراع فى إصدار أحكام متفائلة بخصوص الفاكسين العجيب الحاسم والباتر وسريع المفعول!!



 

 

علماء العالم فى سباق شرس من أجل إيجاد المصل المضاد لفيروس الكورونا. صحيفة نيويورك تايمز وهى ترصد بشكل متواصل الجهود المبذولة عالميا لتحقيق هذا الهدف ذكرت فى موقعها الإليكترونى يوم ١٠ يونيو ٢٠٢٠ أن هناك أكثر من ١٣٥ تجربة اكتشاف مصل تجرى فى معامل دول عديدة. وأكدت أيضا أن الأمصال عادة تحتاج إلى سنوات عدة (خمس سنوات على الأقل) من الأبحاث والتجارب قبل أن تصل إلى العيادات والمستشفيات. إلا أن العلماء فى سباق (حسب وصف نيويورك تايمز) من أجل إنتاج مصل فعال وآمن مع العام القادم. ولا شك أن استخدام أوصاف مثل فعال وآمن مع المصل المنشود جزء أساسى من لغة ومنطق وحكمة العلماء خاصة أن المطلوب هو التوصل إلى مصل / لقاح يكون فعالا.. ولا تكون له أضرار جانبية. 

 

وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلا عن مصادر مطلعة أن ثلاث تجارب معملية لمصل مضاد لكوفيد ١٩ فى الولايات المتحدة دخلت مراحلها الأخيرة فى اكتشاف وإنتاج المصل خلال الشهور الثلاثة المقبلة ( يوليو أغسطس سبتمبر) بعد استعماله تجريبيا مع آلاف من البشر على امتداد البلاد. وكانت الإدارة الأمريكية قد أعلنت منذ فترة دعمها المالى بأكثر من ٢ مليار دولار لهذه الشركات التى قطعت شوطا كبيرا من أجل إنتاج المصل المطلوب. د أنتونى فاوتشى مدير المعهد القومى الأمريكى للحساسية والأمراض الوبائية وأحد كبار مستشارى البيت الأبيض فى مواجهة كورونا أشاد بالجهود المبذولة فى إنتاج المصل المطلوب إلا أن تفاؤله جاء كالعادة مشوب بالحذر.. خاصة أن د فاوتشى يعد الأكثر حذرا وتحذيرا فى وصف كوفيد ١٩ وشراسته.. ومفاجآته المستمرة. أى يمكن القول إن التوقيت لسة بدرى.. حتى يمكن ضمان سلامة المصل وإنتاجه بكميات يتم توفيرها لأهل أمريكا وشعوب العالم بسعر معقول!! أخبار التوصل إلى مصل توالت بينما تجاوز عدد الحالات المصابة بالكورونا فى أمريكا الـ٢ مليون.. كما أن عدد حالات الوفاة تخطى الـ١١٢ ألفا.. وحسب دراسة تقديرات أجراها معهد الصحة العالمية بجامعة هارفارد.. فإن عدد حالات الوفاة قد يصل إلى ٢٠٠ ألف شخص فى شهر سبتمبر المقبل. على أساس أن يوميا توجد ما بين ٨٠٠ وألف وفاة فى أمريكا. 

 

ويجب التنبيه هنا لمن يتابع انتشار الوباء وخريطته على امتداد الولايات المتحدة بأن الوباء فى الفترة الأخيرة تفشى سريعا وزادت حالات الإصابة بالفيروس فى ولايات الجنوب والغرب.. وفى أماكن يمكن القول بأنها طنشت أو أهملت التحذيرات والنداءات بالتباعد الاجتماعى.. واستعمال الكمامات. كما أن المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية الأخيرة ضد العنصرية وهذا الكم الهائل من التجمعات البشرية من المتوقع أن تزيد من حالات الإصابة بكورونا فى الأيام الجارية!!

 

مصير المصافحة باليد!

 

وسط أجواء الوباء الشرس.. والغضب العارم ضد العنصرية من الطبيعى أن يبحث المرء عن مساحة راحة أو مخرج من الكتمة.. وواحة يلجأ إليها ولو لبعض الوقت من أجل أن يتنفس ويرى دنياه بعيدا عن الأرقام الصادمة والتحذيرات الخانقة. فالحياة ما بعد كوفيد ١٩ يجب أن نراها فى الأفق. مهما كان هذا الأفق بعيدا..فى الأسابيع والشهور المقبلة. وهل هناك حل آخر ؟ـ ولا أريد أن أقول أفضل من محاولة معايشة ما يحل أو يطب علينا. واللى يحصل يحصل.. ولنا رب اسمه الكريم.

 

أكثر من ٥٠٠ من علماء الأوبئة تم استطلاع آرائهم وتوقعاتهم بالنسبة للعودة إلى الحياة الطبيعية أو تلك التى اعتدناها قبل مارس ٢٠٢٠  بمظاهرها المختلفة مثل حضور حفلات الموسيقى والسفر بالطيران وممارسة الاحتضان والمصافحة بالأيدى. هناك أشياء عديدة اعتدنا أن نمارسها وأن نعيشها وصارت أمورا عادية وأحيانا مملة فى حياتنا اليومية ولم يكن يخطر فى البال أبدا أننا فى يوم ما سنحرم منها.. وبما أن مئات من  العلماء تمت الاستعانة بهم من أجل استقراء الغد فإن توقعاتهم اختلفت وتباينت حول إمكانية العودة إلى ما كان قبل أن يجتاحنا الجائحة ويحدث ما حدث. إلا أن الأغلبية منهم كما يبدو اتفقوا على أمر ما يبدو أنه لفظ أنفاسه الأخيرة (فى رأيهم) وصار فى خبر كان وهو المصافحة باليد.. هل نصدق هذا ؟ هل هذا معقول؟.. أم أن يمكن القول عنهم أيضا.. كذب العلماء حتى لو صدقوا!! نفسى طبعا يطلعوا كدابين.. واحنا نرجع للمصافحة باليد.. وهات يا أحضان!! وهات يا قبلات!!

 

الوباء المعلوماتى!

 

لو كان هناك فى لغة الكتابة علامة للاستهجان أو الاستنكار كنت وضعتها بجانب علامة التعجب المستخدمة فى عنوان هذه الفقرة.

 

ما حذرت منه منظمة الصحة العالمية فى بداية انتشار الوباء من ظاهرة عالمية بدأت تتفشى بشكل خطير ومرعب مع انتشار كوفيد ١٩ أنه Infodemic  أى الوباء المعلوماتى. ويحدث ما يحدث إما جهل أو تجاهل لكل ما حقيقى ومؤكد فيما يخص الوباء وانتشاره أو المصل المضاد له.. وإما عن قصد وعن سوء نية من أجل تضليل الناس أو تتويه الحيران الذى نفسه يعرف رأسه من رجليه.

 

فى كل الأحوال الوباء المعلوماتى عبر الحدود.. وتخطى الابتعاد الاجتماعى والكمامة وكل أنواع الإجراءات الاحترازية وصار هو المسيطر والمهيمن على وسائل التواصل الاجتماعى وحديث الناس ومخاوفهم وخرافاتهم وجهلهم المتفشى مهما كانت التنبيهات والتحذيرات من خطورة ما يحدث. 

 

والمشكلة (زى ما انتو عارفين وشايفين) أن بعض الأطباء والعلماء وأصحاب الخبرة والتجربة شاركوا فى هذه الهوجة.. بتفسيراتهم وفتاويهم الفيسبوكية أو اليوتبيوية أو تم أحيانا استضافتهم فى برامج تليفزيونية وقنوات فضائية للاستعانة بعلمهم وجهلهم.. والوباء المعلوماتى (مع الأسف) صار ظاهرة عالمية يعتز بها.. ويبتز بها كل من يرى فى هذا التوجه التضليلى مكسب له مادى أو معنوى. منظمة الصحة العالمية مؤخرا وفى إطار هرولتها للإتيان بالجديد.. الكاسر للملل الذى اعتدناه وأيضا مللنا منه.. قالت شيئا مبهما مشكوكا فى أمره فيما يخص حالات الإصابة دون ظهور أعراض واحتمال نقلهم للفيروس للآخرين.. المهم وجدنا التسرع والكلام المبتور والأخطر وجدنا التشكيك فيما قيل فى السابق من كلام علمى.. وكانت النتيجة البلبلة..ثم تراجع خبراء المنظمة الدولية وتم توضيح الأمر أو تصحيح ما قيل.. أو ما تم فهمه أو تفسيره من جانب خلق الله.. يا سادة يا كرام لا يمكن أن يكون باب النجار مخلع.. كما أن التعامل مع المعلومات فى حاجة الى تدقيق وتأكد من صدق المعلومة. وهذه مهمة من مهام وسائل الإعلام وهذا بالمناسبة ما تقوم به الصحف الأمريكية والشبكات التليفزيونية من إيجاد فريق يبين مدى صدق أو كذب ما ينشر أو ما يصرح به المسئول والرئيس ترامب نفسه.. سواء كانت تغريدة أو بيانا صحفيا.. تدقيق المعلومات وبيان صحة أو عدم صحة ما ورد بها ليس رقابة وليس تقييدا لحرية إبداء الرأى.. الرأى وحريته شىء والمعلومة المفبركة شىء آخر تماما.. المعلومة الصحيحة مسألة حياة أو موت خاصة إذا كانت تخص صحة الإنسان!