الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ختان البنات كمان وكمان

فى «زحمة» الكلام عن جريمة ختان البنات الأسبوع الماضى، بمناسبة اليوم الوطنى للقضاء على ختان البنات الموافق 14 يونيو، استوقفتنى ثلاث  مقالات مهمة هى: «عار الختان مرة أخرى» للدكتور «أسامة الغزالى حرب»، فى جريدة الأهرام (7-6-2020 )، و«إناث مصر بين قمة الإدارة وقاع عار الختان» للوزيرة «مشيرة خطاب»، فى جريدة المصرى اليوم (11-6-2020)، و«موسم الكلام عن ختان البنات»  للأستاذة «عبير صلاح الدين» فى مجلة صباح الخير (16-6-2020). اشتركت المقالات الثلاثة فى الرأى بأن وتيرة العمل للقضاء على جريمة ختان البنات بطيئة، وليست بنفس الزخم والقوة التى كانت عليها من قبل. فلقد أرجعت الوزيرة «مشيرة خطاب» السبب فى ذلك إلى «أن جهود المكافحة لم تعد تيارًا شعبيًا» مثلما كانت عندما انطلقت عام 2003. حيث شكلت هذه الجهود نموذجًا مصريًا قام على تحفيز وتكاتف مختلف أجهزة الدولة والمجتمع المدنى والقواعد الشعبية، ورجال الدين والإعلام والدراما من أجل التوعية ونشر المعرفة الصحيحة، ما أدى إلى سن القوانين لتجريم ختان البنات ومساندة الأسرة المصرية للتوقف عن ختان بناتها..  أما الأستاذة «عبير صلاح الدين» فقد ركزت على عدم وجود خطة علمية قائمة على بيانات ومعلومات حقيقية عن كل محافظة مصرية، وأهداف واضحة يمكن من خلالها متابعة وتقييم الموقف من قبل الحكومة ومجلس النواب والإعلام. وتمنى د.«غزالى حرب» أن يتم الإعلان فى الإعلام عن كل طبيب ارتكب جريمة ختان البنات وعاقبته نقابة الأطباء بالشطب من جداولها، لتكون العقوبة رادعة لغيره من الأطباء الذين يرتكبون هذه الجريمة.. وأجدنى اتفق مع أغلب ما جاءت به المقالات وإن كان لى بعض الملاحظات والإضافات التى أرصدها فى ما يلى:



 

إذا أردنا تلخيص الحصيلة الأساسية لكافة الجهود التى بذلتها الحكومة والمجتمع المدنى فى العشرين سنة الماضية، نقول: أن القوى الاجتماعية الرافضة لاستمرار ختان البنات فى مصر هى الآن فى موقع الهجوم، بينما القوة التقليدية والدينية المتشددة المؤيدة له باتت فى موضع الدفاع. ما أعتبره انتصارا نسبيًا. لقد بدأ الصراع بين القوتين عقب المؤتمر الدولى للسكان والتنمية عام 1994، مسجلا انتصارا للقوى التقليدية وتمثل هذا فى قرار وزير الصحة آنذاك بفتح المستشفيات العامة والسماح للأطباء بختان البنات عام 1995.. إلا أنه مع الوقت، بدأت القوى الرافضة تكتسب شرعية اجتماعية وعلمية ودينية وقانونية صلبة مصدرها: تحريم ختان البنات من جانب دار الإفتاء عام 2007، وموافقة  الأزهر الشريف على تجريمه فى القانون كجنحة 2008، فجناية 2016. واعتباره مخالفا لقواعد وأخلاقيات المهنة الطبية من المرجعيات والمؤسسات الطبية: الدولية والوطنية. وفوق كل ذلك الشرعية الاجتماعية وتتمثل فى امتناع كثير من الأسر المصرية عن ختان بناتها، ما خفض نسب ختان البنات فى الأجيال الجديدة ووصلها إلى حوالى 60 % مقارنة بجيل الأمهات والجدات التى وصلت نسب الختان فيها إلى 90 % «بحسب المسح الصحى السكانى لوزارة الصحة 2014».. هذه النتيجة لا تعنى أن القوى الاجتماعية الرافضة لختان البنات تتقدم بشكل مستمر ومتصاعد. ذلك لأنه من الثابت بحثيًا أن التغيير فى ختان البنات لا يصيب، بالتساوى، كافة الأجيال والمناطق الجغرافية والطبقات الاجتماعية ومستويات التعليم والمعيشة. حيث أثبتت أغلب الأبحاث الميدانية أن ختان البنات ينتشر فى الريف أكثر من المدن. كما أنه كلما ارتفع مستوى المعيشة والتعليم تقل ممارسته. وأن جيل الشباب والأطفال أكثر قدرة على الاقتناع والتخلى عنه من جيل الآباء والأجداد. وبالتالى فإن التغيير يحدث بسرعة أكثر فى قطاعات الطبقة  الوسطى المتعلمة التى تعيش فى المدن والمناطق الحضرية.. ورغم أن القوى الاجتماعية التقليدية والدينية المتشددة أصبحت فى موقع الدفاع إلا أنها لم تزل تقاوم وتعتمد فى ذلك على التشبث بالثقافة المجتمعية الذكورية والتفسيرات الدينية الضعيف/المتشددة. كما تتغذى على ضعف التعليم والثقافة وانخفاض مستويات المعيشة خاصة فى الريف. والمفارقة، أنها تستخدم التقنيات الحديثة فى «السوشيال الميديا» لتوصيل رسائلها «الرجعية».

 

فى الأسبوع الماضى، وصلنى فيديو لشاب متشدد دينيا يشرح بأسلوب شيق جدا وتقنيات فنية حديثة لماذا ختان البنات جائز من الناحية الشرعية. ويبث هذا الشاب الفيديو من خلال قناته على «اليوتيوب» التى يشاهدها آلاف المتابعين. أى أن هذا الشاب يعتبر مؤثر أو influencer. وبعد يومين بالتحديد حاولت مشاهدة الفيديو مرة أخرى، إلا أننى لم أجده!! وذلك لأنه تم تقديم شكوى من قبل شباب آخرين يتهم الفيديو باحتوائه مواد مسيئة تحض على العنف ضد الأطفال، مما أدى إلى رفع الفيديو من قبل إدارة «اليوتيوب». والمعنى أن كلا من القوتين تستخدمان شرعيتهما فى تثبيت المكانة والتقدم. وتعتمد برامج مناهضة ختان الإناث – حتى تاريخه – على استراتيجيتين هما: التوعية الموسمية وتفعيل القانون ضد ختان البنات. وهاتان الاستراتيجيتان لهما سقف لا يمكن تجاوزه فى التغيير. لأنه عندما تنتهى الندوات واللقاءات الموسمية التى تقدم المعرفة الحديثة، يبقى لأهل القرية المصادر التقليدية والرجعية. ويصطدم تطبيق القوانين بثقافة التستر والإخفاء وضعف مستويات المعيشة والروابط التقليدية الأولية فى الريف.. إن تسارع التغيير فى القضاء على ختان البنات، يقتضى اليوم دمج الثقافة الدينية والعلمية والحقوقية ضد ختان البنات فى نظام التعليم الأساسى، ودعم ثقافة حقوق المرأة فى منظومة الثقافة المصرية، والاهتمام بالطبقة الوسطى المتعلمة التى تعيش فى مدن وحضر الصعيد والدلتا لتكون قاطرة التغيير لأهل الريف. هذه العوامل مجتمعة تشكل القواعد الأساسية فى تفعيل القانون وعملية التغيير الاجتماعى والتخلص من هذه الجريمة فى المستقبل القريب.