الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

موسم «الكلام»عن ختان البنات

غالبا ليست صدفة، أن يذهب والد البنات الثلاثة إلى الطبيب قبل أيام، طالبا منه أن يختن بناته، مستثمرا معرفتهن بخطر فيروس كورونا، ليخدعهن بأن حقنة البنج هى تطعيم ضد الفيروس، فأغلب الأسر التى مازالت تصر على هذه الممارسة، تنتظر موسم ختان البنات مع حلول الصيف، وبعد انتهاء رمضان والأعياد.. لم تكن صدفة أن يتزامن ختان الأخوات الثلاثة، مع وفاة ميار صاحبة الـ17 سنة فى مستشفى خاص بالسويس فى 30 مايو2016، ومع وفاة ابنة الدقهلية سهير الباتع فى يونيو 2013، ومع وفاة الطفلة بدور ابنة المنيا ذات الثلاثة عشر عاما فى 14 يونيو 2007، والتى أصبح يوم وفاتها يوما وطنيا للقضاء على ختان البنات فى مصر.



 

 

قضية الأخوات الثلاثة التى أحال فيها النائب العام المستشار حمادة الصاوى، الأب والطبيب للمحاكمة، جاءت لتذكر المحاربين فى معركة القضاء على ختان البنات، أن انشغال الأسر بإجراءات التباعد الاجتماعى والكمامات وحظر التجوال، وانشغال العديد من الأطباء بمعركة فيروس كورونا، لم يغلقا الباب فى وجه موسم ختان البنات السنوى «الصيف وعطلة المدارس»، الذى لم ننتبه لقدومه!!

 

ختان البنات -أو بتر كل أو جزء من الأعضاء التناسلية للبنات، بحسب تعريف منظمة الأمم المتحدة- منتشر فى بلاد وسط أفريقيا، وانتقل لأوروبا وأمريكا مع المهاجرين، له موسم فى مصر رصدته الدراسات التى أجريت عن الممارسة القديمة التى جرمت بالقانون، مثلما رصدت الدراسات أيضا مشكلة «موسمية» الكلام عن ختان البنات، باعتبار أن الموسمية إحدى مشكلات جهود القضاء على هذه الجريمة.

 

المتابع لجهود المجلس القومى للطفولة والأمومة، الذى تبنى برنامجا قوميا منذ 2003، يدرك أنه ساهم بشكل كبير فى خفض نسبة ممارسة ختان البنات بين الفتيات فى السن من 15- 17 من 74 % كما جاءت فى المسح الصحى السكانى 2008، إلى 61 % كما جاءت فى مسح 2014، كما يعرف أن 82 % من هذه الممارسة تتم على يد الفريق الطبى.

 

لكن مع توقف إجراء المسح الصحى السكانى القومى،  الذى يصدر عن وزارة الصحة منذ 2014، لم يعد لدينا مؤشر قومى نعرف منه نسبة الانخفاض، وإن كانت مؤشرات بعض الأبحاث التى تجرى على عينات أقل، تؤكد أن الانخفاض مستمر، لكن ربما ليس بالوتيرة المتوقعة للقضاء على هذه الجريمة، التى أصبحت جناية فى 2016.

 

نعم هناك زخم فى الكلام عن ختان البنات، فى مواسم الاحتفال باليوم الوطنى وباليوم العالمى للقضاء على ختان الإناث، وفى أيام التوعية بمناهضة العنف ضد المرأة، وغيرها، لكننا نفتقد إلى خطة علمية ذات توقيتات محددة.

 

خطة تكمل تسارع قرى الصعيد لإعلان تخليها عن هذه الممارسة قبل ثورة 2011، ثم استئناف الجهود بقوة خلال عام الإخوان، والتصدى لمحاولاتهم التراجع عن تجريمه ومحاولات إلصاقه بالدين، ليس فقط من خلال مواقف رسمية من الجهات المسئولة، بل من إعلاميين وأسر كافحت لتعلن تخليها عن الممارسة المرتبطة بالعفة.

 

فى 2015 عندما أعلنت أول استراتيجية قومية رسمية للقضاء على ختان الإناث، وفى نفس العام أعلنت  نتائج آخر مسح صحى سكاني-مصر 2014، التى كشفت لأول مرة عن خريطة دقيقة لنسب الممارسة فى كل محافظة بل وكل قرية، توضح أن فتاة واحدة فقط من بين كل 10 فتيات تتعرض للختان فى دمياط، بينما ترتفع النسبة إلى 9 فتيات فى قنا، وكان المتوقع أن يسير برنامج القضاء على ختان البنات وفق هذه البيانات وتلك الاستراتيجية.

 

هذه البينات والمعلومات وخبرة العمل الميدانى فى القرى، كانت كافية لوضع خطة سنوية للعمل فى كل محافظة على حدة، وفق مؤشرات للإنجاز يمكن قياسها بشكل علمى، وبالتالى يمكن للإعلام ونواب الشعب ومديريات الصحة والتضامن الاجتماعى والمهتمين والباحثين، متابعتها وفقا لطبيعة كل محافظة ونسب الممارسة فيها. وهو ما لم يحدث، بحسب متابعتى.

 

لا توجد خطة معلنة تتبناها وزارة الأوقاف، لتستخدم وسيلة الإعلام المباشرة فى القرى «المساجد» لتذكير الأسر فى خطبة الجمعة وفى دروس المغرب والعشاء، بأن «ختان الإناث جريمة وأن عفة البنت فى أخلاقها وتربيتها وأن من يريد الإبلاغ عن محاولة ختان بنت يبلغ خط نجدة الطفل المجانى 16000»، مثلما  تستخدم المساجد للإعلان عن مجىء قافلة طبية. لا توجد خطة معلنة يفترض أن يتبناها المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للإعلام، لإذاعة التنويهات التليفزيونية والإذاعية التى تؤكد على نفس الرسالة، قبيل موسم ختان البنات وخلاله، لتحمل الرسالة للأسر رغبة الدولة فى حماية البنات وإنفاذ القانون، وتشجعهم  على التخلى عن الفكرة أوالإقدام عليها.

 

لم نسمع عن خطة معلنة لمفتشى العلاج الحر، لحماية الفتيات قبل وقوع الجريمة ومكافأتهم على تتبعهم للأطباء الممارسين لها.

 

لقد أثبت الواقع أن العمل على تشديد العقوبة وحده لا يكفى، كما أن «الابتسامة» التى تستقبل بها الأسرة فى القرى، كلمات التوعية من رائدة صحية أو اجتماعية أو من قادمين من القاهرة يطرقون بابها، لا تعنى أبدا أنها تخلت عن ربط الختان بعفة الابنة!