السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

السينما تتحدث عن ختان البنات

الصيف هو موسم تراجيديا ختان البنات فى مصر. روايات صيفية مؤلمة تبدأ بالخديعة والأسطورة وتنتهى بأن تقدم البنات الصغيرات جزءا عزيزا من أجسادهن، أو حياتهن ذاتها ثمنًا لرجعية وذكورية المجتمع. كان آخرها قصة الأب الذى أحضر طبيبًا ليُختن بناته الثلاث، وخدعهن بأنه جاء ليعطيهن تطعيمًا ضد «كورونا».



 

شارك الطبيب فى الخدعة وحقنهن بمخدر وقام بختانهن. وفى ذكرى اليوم الوطنى للقضاء على ختان البنات 14 يونيو، ومع كل حادثة ختان بنات يصاب الكثيرون بالإحباط لأنهم يشعرون بأنه لا تغيير يحدث. بينما العكس هو الصحيح. وظنى أن وعى المجتمع وسلوكه تجاه ختان البنات يتغير ولكن ببطء..وليس هناك أفضل من الإبداع السينمائى لإدراك جانب من هذه التحولات فى نطاقى التغيير والوعى... ماذا قالت السينما المصرية عن ختان البنات  من أوائل الأفلام التى عرضت لموضوع ختان البنات كان فيلم «حكاية بنت اسمها مرمر» (1972) للمخرج الكبير «هنرى بركات» عن قصة قصيرة للأديب الكبير الساخر «محمد عفيفى» (1922-1981)، بطولة «محمود ياسين وسهير المرشدى». الفيلم يحكى عن الفتاة الريفية «مرمر» ومعركتها من أجل التعليم والعمل والحداثة ضد تقاليد وأساطير الثقافة الريفية.   ختان «مرمر» لم يذكر فى القصة الأصلية إلا فى سطور قليلة وكان يمكن تجاهله فى الفيلم، إلا أن بركات بثقافته السينمائية الرفيعة، قد أفرد مشهدًا كاملًا لختان مرمر وما أحاطه من طقوس وتقاليد ريفية.. اعتبر بركات أن الختان جزء من المحرمات الجنسية التى فرضت على «مرمر» منذ الطفولة مثل: التفرقة بين الجنسين، وأساطير مرحلة البلوغ والحمل والولادة، والخوف  من الجسد والجنس. وكانت هذه المحرمات سببًا فى حرمانها من التعليم. أما النهاية فجاءت بانتصار «مرمر» التى أكملت تعليمها وأصبحت امرأة عاملة..آنذاك، لم يُحدث الفيلم، ومشهد الختان، ضجة كبيرة. وقد يكون السبب هو التناول الناعم والهادئ المعروف عن هنرى بركات من جهة. ومن جهة أخرى، لأن موضوع الختان لم يكن مثارًا على الساحة الإعلامية والسياسية فى سبعينيات القرن الماضى.. وبعد مرور حوالى 30 عامًا من «حكاية بنت اسمها مرمر» جاء فيلم «أسرار البنات» للمخرج «مجدى أحمد على« (2001) قصة «عزة شلبى» ليحكى عن علاقة جنسية غير مكتملة بين مراهقين هما: «مايا شيحا» و«شريف رمزى»؛ أدت إلى حمل الفتاة وهى مازلت بكرًا وهو أمر نادر الحدوث لكنه محتمل.  فى هذا الإطار يستعرض المخرج نفس المحرمات الجنسية التي  تكلم عنها هنرى بركات، ولكن هذه المرة ليس فى إطار حقوق المرأة بين حداثة المدينة وتقاليد الريف، ولكن فى إطار هيمنة الفكر الدينى المتشدد فى تسعينيات القرن الماضى على الحياة الاجتماعية للطبقة الوسطى المصرية  وكل ما يخص حياة المرأة، وفى إطار جدل لم ينقطع حول ختان البنات بين المتشددين دينيا وأنصار حقوق المرأة..فى بداية الفيلم، تصل المراهقة إلى المستشفى فى حالة ولادة، حيث يقوم بتوليدها طبيب ملتحٍ. ويقرر الطبيب ختانها عقب الولادة، فيمسك بيده المشرط  بقوة ليبتر أعضاءها التناسلية، منتفخًا بالانتصار على هذا الجسد الأنثوى مصدر الشهوات والغرائز..وعندما يواجهه زميله طبيب التخدير بأن هناك قرارا من وزير الصحة يمنع ختان البنات، يقول له بعنف شديد: إنه شرع الله وأن الختان سوف يجعلها تتحكم فى غرائزها». ويسأله: «ربنا ولا وزير الصحة».. وأتذكر جيدًا عندما شاهدت هذا الفيلم لأول مرة، أصبت بحالة من الذعر والخوف.  وأحسست أننى لا أستطيع الثقة فى أى طبيب بشكل مطلق، لأن جسد الإنسان قد يتعرض للانتهاك والأذى ليس فقط نتيجة للإهمال أو الخطأ الطبى بل للمعتقدات والاتجاهات الشخصية للطبيب.. فيلم «أسرار البنات»، هو أول فيلم يوثق ظاهرة تطبيب ختان البنات فى مصر أى «إجراء ختان البنات بيد الأطباء وليس «الدايات والحلاقين». ويرصد علاقة ختان الإناث بالأطباء المتشددين دينيًا الذين يعتقدون «خطأ» أنه واجب دينى لا ينبغى التفريط فيه.. بينما هم بذلك يخالفون أخلاقيات وقواعد المهنة الطبية المتفق عليها دوليا ووطنيًا. .تعرض فيلم «أسرار البنات» لانتقادات قاسية جدًا عند عرضه الأول. والسبب جرأة وصراحة التناول وكأنه يحرض البنات على الحرية الجنسية. أما ما يتعلق بختان الإناث؛ فإن جزءًا كبيرًا من المشاهدين كان يوافق على ما فعله الطبيب المتشدد من ختان الفتاة نظرا لهيمنة الرأى الدينى المتشدد وموافقته على الختان.. نفس هذه الانتقادات وأشد واجهت فيلم «دنيا» الذى عرض لاحقا فى عام 2005  للمخرجة اللبنانية الراحلة جوسلين صعب بطولة «محمد منير» و«حنان ترك». الفيلم عمق الصلة بين ختان البنات وإعاقات الحب والمتعة والحرية لدى المرأة.. وفى نهاية الفيلم وضعت المخرجة لوحة ذكرت فيها أن  97 % من السيدات المصريات «مختنات». وفى جلسة عاصفة لمناقشة الفيلم فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى حضرها نجوم الفيلم ومخرجته، هاجم النقاد والصحفيون الفيلم بشراسة، واتهموه بأنه يسيء لسمعة مصر والمرأة المصرية وأن الكلام عن ختان البنات مبالغ فيه جدا. رغم أن مصدر هذا الرقم كان وزارة الصحة المصرية. الأمر الذى جعل حنان ترك تكاد تبكى وهى تقول لهم: «أنتم ختنتوا فرحتى بالفيلم».. لقد ظلموها بشكل كبير، رغم أنها جسدت معاناة المرأة المصرية من ختان البنات بشكل بارع، وعبرت فى كل كلمة وكل حركة جسد وكل رقصة عن بحثها عن الحب الخالص والحرية، وليس الرغبات المبتذلة.. واليوم، فإن استقبال هذه الأفلام وغيرها  من قبل أغلب الشباب «إناثا وذكورا» لن يصاحب بالنقد، بل بالفهم والتقدير، لأسباب كثيرة أهمها أنهم أكثر انفتاحًا وتعرضًا وفهمًا من خلال أدوات الاتصال الحديثة. ولأن السينما قد ساهمت بالتأكيد فى فعل الوعى والتغيير التراكمى البطىء.