الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

راهنوا على وعى الناس

الدرسُ الأول المستفاد من أزمة وباء “الكورونا” هو أهمية وعى الناس ودورهم. وتعظيم المسئولية الفردية تجاه المجتمع فى التخفيف من الآثار السلبية، وأحيانًا المدمرة، للأزمات،  سواء كانت صحية أو بيئية أو اقتصادية. وهو عكس الاستنتاج الذى وصل إليه البعض فى الآونة الأخيرة من أن رهان الحكومة على وعى الناس، قد أدى إلى نتائج سلبية فى أزمة “الكورونا”.



 

وأنه من الآن فصاعدًا لابُد أن تعتمد الحكومة على تطبيق القانون فقط على المخالفين بشكل صارم. ولكنهم يتناسون أن  تطبيق القانون بصرامة يحتاج أيضًا إلى الوعى والانضباط من الجانبين؛ المواطنين والحكومة.

 

الوعى، ورفع الوعى، ومعركة الوعى وتغيير وعى الجمهور من أكثر المصطلحات التى تترد فى الفترة الأخيرة على لسان المسئولين فى الحكومة والإعلاميين والنشطاء فى المجتمع المدنى، فى إطار حديثهم عن الحلول الممكنة لقضايانا وأزماتنا الاجتماعية؛خصوصًا "الكورونا". هناك من يدّعى أن تغيير وعى مجتمع قديم مثل المجتمع المصرى أمرٌ مستحيل. وعلى النقيض هناك من يرى أن المشكلة ليست وعى الناس، وأن المراد إلقاء العبء بالكامل على وعى المواطنين دون التعرض إلى باقى العوامل الأخرى المؤثرة فى تلك المشاكل والأزمات.

 

ويتضمن تعبير "رفع وعى الناس"، تفسيرات ومعانى كثيرة.  فهل المقصود بوعى الناس هو التفسير الحَرفى أو القاموسى لكلمة وعى، بمعنى "الفهمُ وسلامةُ الإدراك"، أو "الإلمام بالحقائق والمعرفة فقط"، أمْ أن المقصود هو "تحول  المعرفة والفهم إلى سلوك اجتماعى إيجابى"، يصب فى الصالح والخير العام. وتقديرى أن المعنى الأخير "السلوك الواعى" هو المقصود لدى غالبية المسئولين والعاملين فى مجال التنمية المجتمعية؛ لأنه ماذا  يستفيد المجتمع لو أن الفرد لديه المعرفة والفهم الكامل، ولكنه فى النهاية يتصرف  بشكل خاطئ لا يعكس أى فهم أو معرفة. وأزمة "الكورونا" خير مثال على ذلك، فكم المعلومات والمعرفة التى تم بثها عن طريق الإعلانات التليفزيونية والإذاعية و"السوشيال ميديا" غزيرة جدّا، ومع ذلك فإن سلوك الأشخاص من حيث تعليمات التباعد الاجتماعى وارتداء الكمامة والبقاء فى المنزل، ليست على المستوى المطلوب.

 

 دور الإعلام فى تنمية الوعى

 

ويعتمد الأسلوبُ الإعلامى على منهج محدد هو إعداد المعلومات والمعرفة فى الموضوعات الاجتماعية المراد تغيير وعى وسلوك الجمهور فيها، فى صورة رسائل إعلامية. ومن ثم دمجها فى أشكال فنية جذابة مثل الإعلانات والدراما والكارتون والبرامج الحوارية.. ويتوقع هذا الأسلوب الإعلامى أن يتبنّى الجمهور السلوك الجديد، نتيجة لفهمه واقتناعه  بمضمون هذه الرسائل. أى أن السلوك الوعى يكون رد فعل مباشر للفهم والاقتناع!!.

 

ويشار إلى أن أغلب الدراسات الحديثة حول تأثير الإعلام على وعى وسلوك الناس قد باتت  أكثر تواضعًا فى النظرة إلى دَور وسائل الإعلام فى تغيير الوعى والسلوك، بعدما أيقنت  ضرورة وجود عوامل أخرى مساندة لتحقيق التغيير المنشود. وأصبحت تعطى أهمية خاصة لدور الثقافة والتعليم والتنمية، والدعم الاجتماعى المتوافر للسلوك الواعى الجديد من ناحية كل من: الأصدقاء، والعائلة، والمجتمع المحيط... إلخ.

 

الاستثمار  فى الوعى

 

الاستثمار فى وعى المواطنين  والرهان عليه ليس بالأمر الهين وليس هو الاستثمار فى إنتاج الإعلانات والدراما وبثها على وسائل الإعلام والاتصال المختلفة - كما كشفت الدراسات الإعلامية- ، إنما هو استثمار طويل المدى فى مجالين أساسين: أولًا استثمارات التعليم والثقافة؛ بمعنى أن تصبح المدرسة الحكومية فى أصغر قرية مصرية قادرة على تكوين العقل النقدى والتفكير العلمى  للطالب. وهذا الأمر ليس حلمًا،  فهناك عدد قليل من المدارس المتميزة المنتشرة على خريطة مصر كلها،  والتى تقبل الطلاب المتفوقين والموهوبين فقط، وتقوم بالتدريس بالطرُق غير التقليدية لإكساب الطلاب مهارات التفكير العلمى والنقدى الخلاق. فهل يمكننا الحلم بتعميم هذه التجربة والإكثار منها!! كذلك الاستثمار فى التمكين الثقافى للمواطنين، من خلال إتاحة ألوان الفنون والثقافات الراقية التى تبنى الذوق والحس الإنسانى الراقى للمواطن العادى ضد ثقافة السوقية والشعبوية التى بدأت تزحف  على عقول بعض المتعلمين أيضًا. إن الاستثمارات فى التعليم والثقافة على المدى الطويل هى الضمانة الأساسية لتنمية الوعى الفردى والمجتمعى؛خصوصًا فى ظل الأزمات والأوبئة.

 

ثانيًا: البيئة الاجتماعية والقانونية المشجعة على دعم الوعى الجديد للمواطنين، من حيث تفعيل القوانين ومنظومة الخدمات الاجتماعية والإجراءات التى تسهل على المواطنين تبنّى السلوك الواعى ضد منظومة الثقافة والممارسات التقليدية.>