الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رئيس وزراء بريطانيا تعمد الاستخفاف بكورونا فأصيب به

الغباء فى زمن الوباء!

ريشة: أحمد جعيصة
ريشة: أحمد جعيصة

من أغرب الحقائق التى كشف عنها، تفشى وباء كورونا حول العالم، أن حجم الغباء الذى يسود العالم يمثل فى حد ذاته، وباءً لاعلاج له، أو أن أحدا لايعتبره وباء، وبالتالى فلا أحد مشغول بالقضاء عليه أو البحث عن علاج شاف منه، أو حتى محاولة تخفيف آثاره على الإنسانية. بينما ينشغل العالم كله بمكافحة كورونا، والوقاية منه والعمل على ابتكار علاج له أو مصل لمقاومته وتقوية المناعة ضده.



لم يكن أحد يتصور أن العالم غارق فى وباء الغباء إلى هذا الحد الذى كشفت عنه مواقف وتصرفات وسلوكيات، صدرت عن قيادات عالمية بارزة، وحكام ورؤساء دول، جنبا إلى جنب مع العامة والغوغاء من الجهلة والحمقى ومن يدعون العلم، ومن يفضلون الميل إلى الخرافات والخزعبلات.

   والأمثلة على انتشار الغباء، التى ظهرت فى الشهور الأخيرة مع اجتياح الفيروس الرهيب لأرجاء العالم، متعددة ومخيفة.. ومن أول مظاهرها أن كثيرين من الشخصيات المسئولة فى دول متقدمة، رؤساء دول ورؤساء حكومات، ووزراء ـ بما فى ذلك وزراء صحة ـ  تعمّدوا تجاهل فيروس كورونا، فى بداية ظهوره، واستخفوا به وقللوا من خطورته، وقال بعضهم بثقة غريبة، أنه مجرد موجة إنفلونزا وستزول.

تجاهل الوباء.. غباء

وتمادى بعض هؤلاء الحكام وفى مقدمتهم رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، الذى بالغ فى الاستخفاف بالفيروس القاتل، بأن تجاهل نصائح العلماء والأطباء له ولكل الناس بأن يتوقفوا عن المصافحة باليد لخطورتها فى نقل الفيروس، وذهب إلى مستشفى يعالج المصابين بالوباء، وأخذ يصافحهم ويحادثهم عن قرب دون مبالاة، بهدف واحد هو إشاعة روح الاستخفاف بالأمر، والغباء هنا يتمثل فى تصور أن الاستخفاف والاستهانة بكورونا، ستقلل من أضراره المميتة.. وقد شاركه فى ذلك وزير الصحة، وكبير خبراء الوقاية من الأوبئة، فماذا كانت النتيجة؟.. أصيب ثلاثتهم بالعدوى، واضطروا إلى الانصياع لإجراءات الوقاية وذهب كل منهم إلى بيته واعتزل الاتصال بالناس.. وبعد فترة تعافى الوزير والخبير الوقائى اللذان كانا يجاريان رئيسهما، بينما بقى هذا الرئيس فى الحجر المنزلى لمدة أطول وتدهور حاله فاضطر للانتقال إلى المستشفى حيث زاد حاله تدهورا فأدخل غرفة العناية المركزية وبقى فيها بين الحياة والموت، إلى أن تمكّن فريق الأطباء من إنقاذه.  وطبعا لا شماتة، لكن التجاهل والاستخفاف هو من مظاهر الغباء بلا شك..

   ونبقى فى بريطانيا، حيث اضطرب دولاب العمل الحكومى فى غياب رئيس الوزراء، فتبين للناس مظهر خفى للغباء الحكومى، حيث لم يكن هناك ترتيب مسبق وجاهز حول من يتولى مسئوليات رئيس الحكومة، الحاكم الفعلى للبلاد فى حالة عدم قدرته على ممارسة عمله لكونه فى حالة مرضية خطيرة فى غرفة الإنعاش..

   ووجدنا مظاهر أخرى للغباء تظهر على السطح، فوزير الخزانة يعلن أن الدعم الحكومى الذى يقدم للعاطلين، سيتم تخفيضه حتى يقوم هؤلاء العاطلون بالبحث عن عمل!..يقول هذا فى الوقت الذى أغلقت كل مجالات العمل بأمر الحكومة للوقاية من الوباء.. ويا له من غباء، فأين هى الأعمال التى ستجبر الحكومة العاطلين على البحث عنها؟! وتأتى بعد ذلك صورة أخرى للغباء الذى لم يكن ظاهرا بهذا الوضوح، فقد وقفت وزيرة الداخلية البريطانية فى مؤتمر صحفى مذاع على الهواء مباشرة وفى يدها زرمة أوراق راحت تقرأ نصها وكان مثيرا للسخرية والشفقة أن تقريرها عن إنجازات وزارتها مؤخرا تضمن القضاء على جرائم سرقة المحلات العامة.. بينما المعلوم أن كل المحال العامة مغلقة الآن ضمن إجراءات مكافحة كورونا؟!

وعندما عاد وزير الصحة من العزلة المنزلية بعد تعافيه من الفيروس، وفى غياب تقديرات صحيحة راح يتحدث فى بيانات رسمية على الهواء مباشرة أيضا، ويزايد على الجميع، معلنا أن الوزارة ستقوم بإجراء ١٠٠ ألف عملية فحص طبى للمواطنين ضمن حملة الوقاية من كورونا، خلال شهرأبريل، لكن الشهر انتهى ولم يصل عدد الفحوص إلى الرقم المزعوم، ولا شك أن سوء تقدير الأمور والمزايدة واستخدام لغة «أبو لمعة» فى الكذب والمبالغة هو نوع من أنواع الغباء التى كشفها الوباء. 

 فضيحة غباء جديدة

وتصدرت صفحات الصحف البريطانية هذا الأسبوع فضيحة غباء جديدة وقعت منذ عدة أسابيع وتم التكتيم عليها، ولم يذع أمرها إلا عندما كشفته جريدة «دايلى تلغراف» والفضيحة هى أن أحد مستشارى رئيس الحكومة وهو أستاذ جامعى متخصص فى مكافحة الأوبئة، وهو صاحب فكرة إغلاق البلد بمصانعها ومكاتبها ومدارسها وجامعاتها ومحلاتها، ومقاهيها وحاناتها وكل شىء، وإبقاء الناس فى بيوتهم، للوقاية من تفشى الوباء، وهى نصيحة علمية مفيدة جدا، وتشمل غسل الأيدى باستمرار وارتداء الكمامات والتباعد لمسافة مترين بين الأفراد، وعدم الخروج من البيوت إلا للضرورة، ومراعاة كل هذه التعليمات الضرورية للوقاية وتفادى انتشار كورونا القاتل الخفى. 

هذا المستشار المحترم، كان من الغباء بحيث لم يلتزم هو نفسه باتباع الإجراءات التى دعا إليها واستجابت لها الحكومة، فكان مثل داعية كذّاب، يدعو لأمر لا يطبقه بنفسه!..

ماذا فعل البروفيسور الخبير الطبى فى الوقاية من الأوبئة؟.. كان سعادته على علاقة بامرأة متزوجة، ومنفصلاً عن زوجته، فدعاها للحضور إلى بيته، والله أعلم ما جرى بينهما، لكن المهم أن هذا السلوك مخالف لقواعد الوقاية من تفشى الفيروس. 

حدث هذا منذ عدة أسابيع، وتكتّمت عليه الحكومة، إلى أن كشفه تحقيق صحفى فى جريدة كبرى، فماذا فعل البروفيسور؟.. اعترف بجرمه وتقدّم باستقالته من منصب مستشار رئيس الحكومة لشئون مكافحة الوباء، فهل هناك أغبى من هذا السلوك؟..

 غباء عالمى!

المشكلة الآن هى أن بعض صحف «التابلويد» المتخصصة فى الإثارة، ونشر الفضائح استغلت فضيحة المستشار وعشيقته، ليس فقط فى التعريض بهما، والسخرية منهما، لكن أيضا فى قيادة حملة تشكيك فى مصداقية مشورته العلمية التى ترتب عليها كل ما يجرى منذ نحو شهرين من إجراءات وقائية.. وهذا غباء آخر، فالنصيحة سليمة ونصح بها كل علماء الوقاية من الأوبئة واتبعها العالم كله لحماية البشر من خطر قاتل اسمه وباء كورونا.  ومن أبلغ الأمثلة التى شهدها زمن كورونا، على الغباء الإنسانى، ما وفره رئيس البرازيل، حيث استهان بأعداد مواطنيه الذين يقتلهم الفيروس، وأعلن أن الموت سيحدث فى كل الأحوال ولا سبيل لمنعه، ولا داعٍ لأن نغلق البلد.. المصانع والمصالح والمدارس وكل شىء.. ونوقف الحياة فيها خوفا من الفيروس، مؤكدا أن عدد الوفيات الناتجة عن حوادث الطرق يزيد على عدد ضحايا كورونا، متسائلا -بغباء لا يحتمل: فهل نغلق مصانع السيارات ونتوقف عن استخدامها؟!

  وحكايات الغباء الذى كشفه الوباء لا تنتهى..