الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ألف ليلة وليلة..

«كورونا ..ووهان» وعجائب الزمان

«بلغنى أيها الملك السعيد ذو الرأى الرشيد أن الدنيا تغيرت.. وتطورت الحياة ..من البنورة المسحورة الى عصر الصورة ..واستبدلت كلمة السر عند على بابا بـ«الباص وورد» وأصبح يستخدمها: من يركب الدراجة ومن يستقل  «الفورد» ..كل له كلمة أو حرف ..بدون إضافة أو عطف .. وهناك العجب العجاب من فتح زجاج الباب ..ببصمة الجسد.. اللهم لاحسد .. وانتقلنا من بساط الريح إلى كبسولة الانتقال المريح .. ونحن فى عصر الفضاء  و«الفيمتو» ثانية ..نصل إلى أى مكان نريد بالدقيقة والثانية..



ولكن ما لَمّ بالبشرية فى عام 2020 .. قلب كل الموازين و دوخ العلماء والأطباء.. وحيَّر الساسة ورجال الاقتصاد حتى رجال الدين..إنه يامولاى وباء «الكورونا» الذى هز العالم ..من «ووهان» بالصين وإلى كل مكان بلا استئذان .. وأغلق البيبان وجعل الناس داخل  البيوت فى قلق وحيرة وقنوط .. كما كثر  المرضى فى المشافى يارب أنت الشافى ..يا خفى الألطاف نجهم ونجنا مما نخاف» ومع الكورونا ظهرت مصطلحات جديدة  من «الجيوش البيضاء» التى أُطلقت على إنسانية الأطباء ..كما ظهر تعبير «الجائحة» مرادفًا للنائحة..وسوف يتغير العالم وتتراجع المعالم فى كل شئون الحياة ..نحن جميعًا فى انتظار على أحر من النار ..من أجل اكتشاف جديد لمصل واقٍ يشفى ويعيد    ..وهنا أدرك شهر زاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح ..مولاى !!».

فى الزمن والتاريخ 

تتعاقب الأجيال جيلًا بعد جيل وتتوالى العصور ..ولا ينتهى حديث الناس حول ألف ليلة وليلة هذا الكتاب الفريد الذى لا يعادله كتاب فى العالم شرقه وغربه حتى إنه يفوق«الألياذة والأودسة»..ويحق لنا أن نتباهى به أمام العالم أجمع ..كنص أدبى بلغت شهرته الآفاق وترجم إلى جميع لغات العالم.

وهو يعد بوابة الشرق الحقيقية التى يطل منها الغرب ليعرف عمق الشخصية الشرقية ومزاجها الراقى الرفيع بين الحسى والمعنوى ..وقد كان أول من نبه إلى وجود هذا الأثر المستشرقون الذين انفردوا بدراسته وأولهم أنطون جالان «1646 - 1715» وهو أستاذ فرنسى تخصص فى العلوم الشرقية فى فرنسا.. وله ترجمة للقرآن الكريم محفوظة فى المكتبة الأهلية فى باريس.. وسوف تظل ألف ليلة وليلة بسحرها الذى لا ينتهى ..علامة أدبية  كبيرة قال عنها الكاتب الأرجنتينى الكبير «جورج بورخس»: «ألف ليلة وليلة ..أريد أن أتوقف عند هذا العنوان أحد أروع العناوين فى العالم وأعتقد أن كلمة «ألف» لها مرادف لا نهائى.. وعندما نقول ألف ليلة وليلة فإننا نضيف ليلة ..إلى الليالى التى لاتنتهى»..  ومن منا لا يقدر«شهر زاد»هذه المرأة التى انتصرت بذكائها ووعيها وثقافتها على الرجل «الدكتاتور» الذى  لا ترد له كلمة  متمثلا فى شهريار، حيث قهرت شهوته للعنف وسفك الدماء.. فقد ألهب كتاب «ألف ليلة وليلة » خيال الغرب من أول ترجمة أوروبية له فى بداية القرن الثامن عشر. . صدرت ألف ليلة ولية  العربية ..فى  طبعات عديدة أهمها  طبعة بولاق«التى طبعت فى مصر».

كما أصدرت «دار الهلال» طبعة أخرى جديدة فى ستة أجزاء أعدها الكاتب «جورجى زيدان» صاحب ومؤسس الدار ورسم أغلفتها فيما بعد  الفنان الراحل جمال كامل المستشار الفنى للدار ..وهى رسوم حلق فيها بأجنحة الخيال بما ينقل النص من القيمة الأدبية إلى القيمة البصرية الرفيعة .

 رشدى صالح وبيكار 

ولجمال النص وخلوده ظهرت «ألف ليلة ولية».. التى أصدرتها دار الشعب فى مجلدين ..والتى قدمها الكاتب رشدى صالح.. وصوّرها الفنان بيكار فى  عمل رائع نقلنا.. فيها بلوحاته إلى الزمن العربى الجميل  بريشة غنائية رشيقة بخطوطه البسيطة الحانية والموحية. وفيها  قدم بيكار ما يربو على 100 لوحة تميزت بقوة شخصيتها التعبيرية بالأبيض والأسود مع لون إضافى من «الأخضر أو الأزرق  أو الأحمر البرتقالى».. وقد أضفى عليها سحرًا على سحرها بتلك البساطة والغنائية فى الخطوط والمساحات ..

وبيكار ينقلنا إلى الزمن العربى الجميل من خلال: الملابس الشرقية الفضفاضة والبسط والمفارش والعمائم المطرزة.. والمدائن والبوابات ذات الأقواس والستائر والنوافير مع  الشخوص بملامح الفرسان والنبلاء ..ويستطرد فى التفاصيل الصغيرة من طيات الثياب والاكسسوار والورود.

 لمسة فنانى الغرب 

وكانت ألف ليلة وليلة منبع إلهام الجيل الأول من الشعراء الإنجليز فى المدرسة الرومانسية مثل «وليم وردزروث» و«جون كيتس» واللورد«بايرون» ..الذى تأثر بها فى عمله «الحكايات الشرقية». كما كان الشاعر الألمانى «جوته» مولعًا ومهتمًا بآداب الشرق وقد رفع مكانة الأدب الشرقى كسحر أبدى.. وعكف على الدراسة العميقة لألف ليلة وليلة. . وفى الحقيقة تتوازى الصورة البصرية فى ألف ليلة وليلة مع النص فى القيمة وذلك لقيمتها التشكيلية والتعبيرية..وقد تألقت فى أعمال فنية مثلما تألقت فى طبعاتها العديدة هناك.. وهنا نجد  الفنان الروسى مارك شاجال صاحب الخيال الفنتازى.. وأحد رواد المدرسة السيريالية قد أبدع أربع قصص  من الليالى فى 12 لوحة جرافيكية..تمثل حالة من الثراء بأسلوبه المفعّم بالخيال.. وقد حصل شاجال من خلالها على الجائزة الجرافيكية من بينالى «فينيسيا» عام 1948 .. ويعد الفنان «هنرى ماتيس» من أهم شخصيات القرن العشرين وكان المنافس الأكبر والوحيد لبيكاسو .. وفى أعماله عموما ينقلنا إلى دنيا حالمة ..تقترب من ألف ليلة وليلة وهمس شهر زاد لشهريار .. وهناك أعمال لفنانى الغرب ممن صوروا الليالى كما نرى فى لوحات السيريالى الشهير «سلفادور دالى» بالألوان المائية مع لوحات  الفنان «جون فريدريك لويس».. كما فى«الحورية المتجنسة » ..ولوحة الفنان الفرنسى ليون كارى «أبو صير وأبوقير «وصور الفنان فرديناند كيللر» شهر زاد وشهر يار .. ..وفى الرسم الصحفى وفن الكتاب يعد الفنان الدنماركى «كى نيلسون»1886-1957 أهم من رسم ألف ليلة وليلة أو «الليالى العربية»..ولوحاته  تموج بجمال الإطارات من النقوش العربية وسحر الشخصيات مع الجياد الطائرة المحلقة وبهاء القصور والقلاع والورود والزهور..مع حيوية الألوان التى تشع بالنور والأجواء الليلية..وهو ينتمى للعصر الذهبى للرسوم التعبيرية « اليستريشن».. وقد صور الليالى العربية فى مشروع ضخم، إلا أنها لم تنشر فى حياته.. فقد صدرت لأول مرة عام 1977 لقيمتها الفنية. نعود إلى ما كنا فيه من بداية الموضوع..ماذا بعد الجائحة الكونية «كورونا» ..هل سيشهد العالم ثقافة جديدة مرتبطة بما حدث من دراما واقعية ؟ ..ماذا ستحكى شهرزاد .. والجواب رهن الزمن و الأدب العالمى.