الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

د. شهيرة خليل: أعشق السباحة ضد التيار

امتطت الأميرة صَهوة جوادها  ذى الشعر الأسود المُجعد، ولمح فرُسانها النُبلاء نظرة التحدى  فى عينيها، وارتسمت على شفاهها ابتسامة القائد الذى يرى النصر يلوح فى الأفق، فانطلقوا جميعًا صوب «طواحين الهواء» لمحاربتها.



كانت تملُك السلاح، الذى لم يكن يملكهُ هذا الفارس الموهوم ضيق الأفق «دون كيشوت»؛ سلاح المعرفة والتطور. تلك «الطواحين» كانت «الثقافات الأجنبية» التى تُصدر لأطفال بلدتها التى لا تُعبر عن فكرهم أو هويتهم الحقيقية.

كانت أ. نادية نشأت – حفيدة جورجى زيدان مؤسس دار الهلال - هى تلك الأميرة، وهى أول رئيس تحرير لمجلة  «سمير» التى صدرت عام ١٩٥٦م لتُصبح ثانى مجلة أطفال مصرية، خلفاً لمجلة « سندباد» الصادرة عام ١٩٥٢.

ثم توالت على منصب رئاسة التحرير بعدها العديدات مثل جميلة كامل، نُتيلة راشد – ماما لبنى – وصولاً للدكتورة شهيرة خليل، التى جاءت لتُكمل نهج المجلة فى التثقيف على أساس المزج بين المعلومة والمتعة والمرح.

د. شهيرة، كيف كانت البداية بمجال صحافة الطفل؟

البداية كانت أواخر الثمانينيات وكنت أدرس بالسنة النهائية بمرحلة الثانوية العامة  بمدرسة «المير دى ديو» الفرنسية، ذهبت لمؤسسة الهلال وبدأت تدريبى بها كـ «مترجمة»  للنصوص الخاصة بالكوميكس بمجلة « ميكى» نظرًا لإجادتى للغتين الفرنسية والإنجليزية تحدثاً وكتابة، واستمررت بالعمل بالمجلة بجانب دراستى الثانوية والجامعية.

وفى أى تَخصص كانت دراستكِ الجامعية؟

تخرجت فى الجامعة الأمريكية، قسم اللغة العربية وتخصصت فى دراسة «أدب الحرب»، ومن بعدها حصلت على الماجستير ثم الدكتوراة عن طريق إحدى المنح المتخصصة للصحفيين المتميزين وتخصصت فيها فى مجال «صحافة الطفل»، وعُينت عام ١٩٩٤ كمدير تحرير لإصدار «ميكى جيب». وكيف جاء ترشيحُك لمنصب رئاسة تحرير مجلة «سمير»؟

جاء الترشيح من قبل رؤسائى بالعمل؛ بعد مدة عمل بـ«ميكى جيب» حاولت فيها أن أتميز، سواء عن طريق الترجمة المميزة للنصوص أو عن طريق ابتكار الملفات الخاصة التى كانت تقدم بجانب الكوميكس، حتى فوجئت فى صباح أحد أيام عام ٢٠٠٢ بتكليفى برئاسة تحرير مجلة «سمير».

وما أصل تسمية المجلة بهذا الاسم؟

الفضل يرجع للأستاذة نادية نشأت، فقد أرست قاعدة عظيمة؛ وهى إعطاء الحق للأطفال - كفئة مستهدفة  – بالمشاركة فى اتخاذ القرارات المهمة بالمجلة، فقامت بعمل استفتاء على ثلاثة أسماء، كان من بينها اسم «سمير»، وعند حدوث إجماع عليه؛ قررت أ. نادية تسمية المجلة بهذا الاسم، فكان الاختيار منهم وإليهم أيضاً.

كيف كونت رؤيتك لتطوير المجلة منذ تَقلدك للمنصب؟

كونتها عندما قررت أن أتعامل مع الطفل على أنه «مواطن صغير» له حقوق وعليه أيضاً واجبات، وليس طفلاً «ساذج»  يرضى بما يُقدم له، هذع الرؤية ألزمتنى باحترام «عقليته» المواكبة للتكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعى، فيتم صُنع المحتوى - سواء كان مكتوباً أو مرسوماً  - بالمجلة وفقاً لتلك الرؤية، وأعتقد أن هذا من أهم أسباب نجاحنا.

هل أثرت التغيرات السياسية وتغير الأنظمة الحاكمة على مسيرة المجلة؟

منذ أن توليت المسئولية، وقطعت عهدًا على نفسى، ألا أجعل أى شىء يثنينى عن تقديم أفضل مع عندى أنا وفريقى لتنوير الأطفال وتثقيفهم، ففى عهد الرئيس مبارك، تقابلت مصادفة بالسيدة زوجته فى إحدى المناسبات الثقافية، ووعدتنى بأنها سوف ترسل أجهزة كمبيوتر حديثة للمجلة، ولكن لم يحدث أى شىء بعدها، فاستمررت بالإمكانيات المتاحة أمامى ولم أيأس، وتغيرت الأنظمة الحاكمة وما زالت «سمير» صامدة، أستمد قوتى منها ومن تاريخ محبتها بداخل قلب الكبير قبل الصغير.

ما أصعب الفترات أو المواقف التى مَررت بها مُنذ عام ٢٠٠٢ إلى الآن؟

كانت أصعب الفترات علّى وعلى مصر كلها؛ فترة حُكم «الإخوان»، فكانوا ينقدونى بشدة فى جرائدهم ووسائل إعلامهم المختلفة، حيث سادت حينئذ موجة «تحريم» الفنون بكل أشكالها، وكانت أغلفة مجلتنا تتحدث تارة عن  فن الأوبرا وتارة أخرى عن فن الباليه وفن الموسيقى وغيرها، فكانت استراتيجيتى محاربة هذا «الجهل والانغلاق» بالتحدث عن الفن الراقى الذى يُهذب النفس ويُجملها، وأعتقد أن ذلك عكس ما كانوا يتشدقون به.

حدثينا عن قصة الغُلاف الذى أَثار حفيّظة «الإخوان» بشّدة؟

نُقيم يوم السبت من كل أسبوع ورشة «رسم» للأطفال يُحاضر فيها أحد رسامى المجلة؛ إيماناً منا بضرورة التفاعل المباشر مع الطفل وفتح الباب ليعبر بحرية عن نفسه وطموحاته - تلك الورش التى تخرج فيها الكثير من رسامى اليوم المحترفين- وفى إحدى المرات سألناهم عما يجول بخاطرهم فى الوقت الحالى؛ فرسم الكثير منهم  بورتريه للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى. وكان لا يزال يشغل منصب رئيس الأركان، فقمت بتكليف زميلنا الرسام أ. مصطفى برشومى برسم بورتريه للسيد الرئيس على الغلاف، وجاءت كلمتى بالمقالة الافتتاحية للعدد موضحة أن الغلاف جاء بناءً على رغبة وأعمال الكثير من الأطفال المشاركين بالورشة.

فوجئت بعدها بسيل من الانتقادات من قبل الإخوان؛ واتهمت أنى أُسخّر المجلة لأهدافى الشخصية وغيرها من الإرهاصات. وكان ردى عليهم عن طريق التاريخ، فسردت لهم أن المجلة قديماً رسمت الزعيم جمال عبدالناصر والرئيس الراحل أنور السادات على غُلافها ليس بهدف المُداهنة؛ ولكنه اختيار الطفل الذى يريد أن يُعبرعن مُشاركته فى الأحداث السياسية وأن يكون جُزءاً منها ولو حتى بالرسم.

 كيف ترين أن مجلتكم هى مجلة الأطفال المصرية الوحيدة التى تصدر بصفة أسبوعية؟

دائماً ما أصف مجلتنا، بالمجلة «الصامدة». لأنها تسبح بقوة ضد أى تيار يحدّ من تميزها، كنت أتمنى وجود عشرات المجلات التى تصدر بصفة أسبوعية؛ فسيعمل ذلك على خلق مناخ ثقافى كبير للطفل، ولكن العديد من المجلات المصرية تحولت لشهرية، والعديد من المجلات العربية اُغلقت، لكننى كنت أصر دائماً على الصمود ما دام هناك متلقٍ ينتظر صدورنا.

تأتينى الكثير من الرسائل من أطفال الأقاليم يعبرون فيها عن مدى سعادتهم بالمجلة وبالجهد المبذول فيها من قبل «فرُسانها» النبلاء سواء كانوا رسامين أو محررين؛ فكيف لى ألا أصمد بعد هذا الكم الكبير من الحب؟!

كلمة أخيرة .. ولمن؟

أوجه كلمتى الأخيرة، لأهالى كل أطفالنا العزاز، وأشدد عليهم بضرورة اكتشاف مواهب أبنائهم، بل دعمها من الصغر، فقد تكون هى مصدر رزقهم فى الكبر.

والعمل على غرس قيمة حُب التعلم  داخلهم، فليس بالعلم الذى يتلقونه بالمدارس يحيا الفرد فى هذا الزمان التكنولوجى السريع، ولكن بكم الخبرات التى يتلقونها عن طريق القراءة والثقافة والتعلم الذاتى.