الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
هل تهدد «كورونا» الصناديق السيادية الخليجية؟

هل تهدد «كورونا» الصناديق السيادية الخليجية؟

 «يمكن أن تشهد صناديق الثروة السيادية الخليجية انخفاضا في أصولها بمقدار 296 مليار دولار بنهاية هذا العام»، هذا ما أعلنه «Garbis Iradian» كبير الاقتصاديين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي (IIF)، فيما تتجه فيه صناديق الدول المنتجة للنفط عبر العالم إلى التخلص من أسهم قيمتها 225 مليار دولار، نتيجة مواجهتها أزمة مالية مزدوجة بسبب الهبوط الحاد في أسعار النفط، وارتفاع الإنفاق لتفشي فيروس كورونا. ويبرز السؤال هل تسهم الصناديق السيادية الخليجية في مواجهة الأزمة المركبة «كورونا والنفط» خصوصاً وأن تلك الصناديق ينظر إليها الاقتصاديون باعتباره استثمارات «ما بعد النفط»؟ 



ما حجم الصناديق؟ 

يصعب بشكل دقيق تحديد الحجم الكامل للصناديق السيادية للخليج فالمعلومات الخاصة بمواردها واستثماراتها لا يتم إصدارها بشكل رسمي أو دوري، ورغم أن قوة الصناديق السيادية في الخليج تقدر بما يقرب من 2.5 تريليون دولار، لكن بحسب الخبراء فإن قيمتها الدقيقة أكثر من المعلن.

«الثروة السيادية» هي صناديق استثمارية تدير فوائض الدولة المالية من خلال أصول خارج حدود تلك الدول، لكنها لا تكون تابعة لوزارات المالية أو البنوك المركزية، كما تختلف عن الاحتياطي الأجنبي النقدي، وتأتي أغلب مواردها من إيرادات المواد الخام، وعلى رأسها النفط، والهدف من تأسيسها هو وضع الفائض المالي في أصول وفق خطة ربحية في عمليات استثمارية ذات أمد طويل، ومنخفضة المخاطر، توفر مدّخرات كافية لحاجات الأجيال القادمة لحقبة «ما بعد النفط».. مصطلح الصناديق السيادية يعبر عن صندوق يدير الاستثمارات تمتلكه الدولة، وهي عبارة عن كيانات تدير الفوائض المالية للدولة من أجل الاستثمار، والصندوق الكويتي على سبيل المثال هو أول صندوق سيادي في العالم، حيث تم تأسيسه عام 1953 تحت اسم سلطة الاستثمار الكويتية، ولا يسبقه سوى صندوق سعودي تأسس عام 1952 تحت اسم السلطة المالية العربية السعودية، وتأسس صندوق الثروة السيادي في أبوظبي عام 1976 تحت اسم هيئة أبوظبي للاستثمار، بينما أسست دبي صندوقها الخاص عام 2006، وتأسس صندوق الاستثمار القطري عام 2005، وكان لدى السعودية أكثر من صندوق سيادي حتى عام 2015، حينما تم دمج أغلبها تحت اسم الصندوق السيادي العام، وذلك في إطار رؤية 2030 لتنويع موارد الاقتصاد التي تبناها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.. حجم الأموال في صناديق الثروة السيادية متفاوت حيث تتصدر الإمارات الترتيب الأول خليجياً والرابع عالمياً بقيمة مالية تبلغ 1.213 تريليون دولار في صناديقها الاستثمارية، تليها الكويت بقيمة تبلغ 522 مليار دولار، وفي المركز الثالث خليجياً تأتي قطر بصناديق سيادية تبلغ قيمتها 328 مليار دولار، وفي المركز الرابع يأتي صندوق الاستثمار العام في السعودية بمبلغ 320 مليار دولار، ويأتي صندوق الثروة السيادية الخاص بالبحرين والمعروف باسم «ممتلكات» في المركز الخامس، وبلغت قيمته حتى العام الماضي   أكثر قليلاً من 30 مليار دولار، ثم صندوق الاحتياطي العام لسلطنة عمان، والذي تم إنشاؤه عام 1980، وتبلغ قيمته الآن 30 مليار دولار.

أسرار الصناديق 

تمتلك الإمارات العربية المتحدة 3 صناديق سيادية على الأقل، هي «مبادلة» و«هيئة الإمارات للاستثمار» و«جهاز أبوظبي للاستثمار»، والأخير أقواها، ويبلغ حجمه نحو 800 مليار دولار وتأسَّس عام 1976، وتقول بعض التقارير إن حجمه قبل الأزمة المالية العالمية عام 2008 مباشرة كان يقترب من تريليون دولار، مستثمرة في جميع فئات الأصول حول العالم.. وليس سراً أن جهاز أبوظبي للاستثمار أكبر صندوق استثماري في الشرق الأوسط حتى اليوم، حيث تتم تغذيته باستمرار من الفوائض المالية من صادرات النفط، لكنها تأثر بالطبع مع انهيار الأسعار وتداعيات أزمة كورونا منذ مطلع العام الجاري.

أما الصندوق الثاني المعروف باسم «مبادلة للتنمية» فهي شركة مملوكة بالكامل لإمارة أبوظبي يبلغ حجمه 226 مليار دولار من الأصول، وينصبّ تركيزه علىا ستثمار موارده في مشاريع هيكلية واستراتيجية لاقتصاد أبوظبي، أهمها الطاقة ومشروعات البنية التحتية الكبرى والطيران، ومؤخراً تم دمج مبادلة مع شركة الاستثمارات البترولية الدولية ثم مجلس أبوظبي للاستثمار.. وتمتلك الكويت أقدم صندوق للثروة السيادية في العالم، وتديره هيئة الاستثمار الكويتية، ويبلغ حجم الأصول به نحو 592 مليار دولار، ويحتل المركز الثاني خليجياً، وضمن أكبر 10 صناديق سيادية حول العالم، ويتم ضخ 10 % سنوياً من دخل الكويت في ذلك الصندوق، ويدخل صندوق الأجيال القادمة تحت سلطة هيئة الاستثمار، وتتركز استثماراته بالكامل خارج المنطقة وبالتحديد في أمريكا الشمالية وأوروبا، من خلال شراء حصص صغيرة لا تتعدى 5 % من أسهم الشركات الكبرى المدرجة في بورصات تلك المناطق، وفي السنوات القليلة الماضية بدأ الصندوق يستثمر أيضاً في بعض الأسواق الآسيوية، وبصفة خاصة في الصين..وقد رفض البرلمان الكويتي، مؤخراً، مشروع قانون تقدمت به الحكومة يسمح لها باستخدام جزء من أموال صندوق الأجيال القادمة لمواجهة تداعيات الأزمة الحالية الناتجة عن وباء كورونا وانهيار أسعار النفط، إضافة للتوقف مؤقتاً عن اقتطاع 10 % من دخل الدولة الخليجية في الصندوق.. أما البحرين فقد أنشات في 2005 «ممتلكات»، وهو صندوق الثروة السيادية الخاص بها، والذي يمتلك الآن أصولاً بأكثر من 30 مليار دولار، بحيث يركز هذا الصندوق بشكل أساسي على دعم الاقتصاد المحلي في البحرين، ويعرف صندوق الثروة السيادية يعرف باسم جهاز قطر للاستثمار، ويبلغ حجم الأصول في الصندوق 328 مليار دولار، ويحتل المركز الثالث خليجياً، ويرأس مجلس إدارته أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وكانت الحكومة القطرية قد أسسته عام 2005 بغرض الاستثمار المحلي والخارجي، ويختص بإدارة فوائض النفط والغاز الطبيعي، ويعتمد استراتيجية تهدف إلى تقليل مخاطر اعتماد قطر بشكل كامل على أسعار الطاقة.. ويستحوذ الصندوق السيادي القطري على حصص في عدد من البنوك وشركات النفط العالمية ودور الأزياء الفاخرة ونادي باريس سان جيرمان لكرة القدم، وغيرها من الأصول الموزعة على أكثر من 60 بلداً حول العالم.. وعلى صعيد مواز كانت السعودية تمتلك عدداً من الصناديق السيادية، تم دمج أغلبها تحت إدارة صندوق الاستثمارات العامة الذي يبلغ حجم الأصول التي يديرها حالياً 320 مليار دولار، يحتل بها المركز الرابع خليجياً، والحادي عشرعالمياً، ويرأس مجلس إدارته ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يعتبر الصندوق حجر الزاوية في تحقيق رؤية التنويع الاقتصادي التي تبناها، والمعروفة برؤية 2030 ، وتم ضخ عائدات بيع جزء من أسهم شركة أرامكو من خلال الإدراج في البورصة السعودية أواخر العام الماضي في صندوق الاستثمارات العامة، الذي يتولى تمويل المشاريع الاستراتيجية في المملكة، إضافة إلى الاستثمارات المباشرة في الخارج، وعلى المستوى المحلي يتولى الصندوق إدارة المشاريع الثلاثة الرئيسية لرؤية 2030: «مدينة نيوم بقيمة 500 مليار دولار، ومدينة الترفيه، ومشروع البحر الأحمر السياحي». كما تمتلك السعودية صندوقاً آخر هو مؤسسة النقد العربي السعودي الذي تأسس عام 1952، ويهدف إلى تحقيق الاستقرار في النظام النقدي في البلاد، وإدارة احتياطيات النقد الأجنبي في المملكة، أي أنه ليس صندوقاً سيادياً للثروة بالمعنى المعروف، فهو يدير أصولاً سائلة.

حلول الصناديق  

تكبدت الصناديق في السيادية بسبب تداعيات وباء كورونا الكارثية على الاقتصاد العالمي خسائر فادحة وانخفضت انخفضت أسهم غالبية الشركات الكبرى جميع بورصات العالم، وخسرت صناديق الثروة السيادية حول العالم أكثر من 225 مليار دولار، كان نصيب الصناديق الخليجية منها 300 مليار دولار.

وفى مواجهة ذلك تتطلع الصناديق الخليجية إلى الاستثمار في المجالات التي ستعود إلى التعافي والانتعاش عالميا، مثل الرعاية الصحية والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية، إذ تستعد الصناديق السيادية الخليجية لاقتناص الأصول المتضررة بسبب كورونا، عبر القيام بنشاط إلى للقيام باستثمارات عالمية، بما في ذلك في قطاعات مثل تكنولوجيا الرعاية الصحية في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي الصين.