الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

غزة تحت حصار «المولات» و«السيمون فيميه»

كنت أنوى هذا الأسبوع استكمال حلقات «مستقبل لا يرى بالعين المجردة» والتى تدور حول مستقبل المجتمع البشرى عقب نهاية جائحة الوباء ، سأعود لاستكمال هذه الحلقات لاحقا، لكن لنذهب الآن إلى غزة.  



الذهاب إلى غزة يبدو أنه لقاء طبيعى مع الحاضر وعندما انتهيت من هذا اللقاء الحاضر وجدت نفسى أعود مرة ثانية للمستقبل من طريق آخر. منذ استيلاء حركة حماس إحدى أذرع الجماعة الفاشية الإخوانية على السلطة فى قطاع غزة وهى تستخدم نفس الأساليب الفاشية المستمدة من الجماعة الأم فى تثبيت سلطتها داخل القطاع وقهر الغزاويين أو أى من يعارضها ولعل أوضح مثال على ذلك المذابح التى ارتكبها أمراء الحــــــــــــرب الحمساويون ضد مواطنيهم الفلسطينيين وقت استيلائهم على السلطة فى القطاع بالقوة يونيو 2007. 

لم يتورع أمراء الحرب الحمساويون المتحدثون باسم الدين والدين منهم براء فى يونيو 2007 بإلقاء كوادر حركة فتح من النوافذ وأشعال النار فى أجسادهم وسط شوارع غزة وفى نهاية المذبحة تفاخر قادة العصابة الحمساوية بوضع أحذيتهم فوق صور أبو عمار داخل مكاتب حركة فتح فى القطاع. 

لم تتوقف الخسة الحمساوية عن ارتكاب المذابح منذ الاستيلاء على السلطة فى القطاع لكن أصبح القتل والتصفية منهج العصابة. فمن المفارقات أثناء قيام إسرائيل بالاعتداء على أهالى غزة فى 2014 لم يكن أمراء الإرهاب منشغلين بحماية الأهالى الضعفاء أو توفير ملاجئ لهم من شدة القصف. 

أصدر أمراء الحرب توجيهاتهم للخلايا الإجرامية المسماة بالأجهزة الأمنية التابعة لحماس بتصفية كوادر حركة فتح فى القطاع كفرصة لن تعوض وسط انشغال الجميع بتداعيات القصف وهناك تقارير حقوقية دولية تروى بدقة تفاصيل هذه المذبحة البشعة. 

أصبح القتل والقمع روتينًا دمويًا يوميًا يمارسه أمراء الحرب وفى نفس الوقت أورثت الجماعة الفاشية الأم لعصابتها الحمساوية النجيبة والمتفوقة على نفسها فى فنون الإجرام صنائع وحيل الإفك والكذب .. خبرات حماس فى هذه الصنائع والحيل يحتاج تدوينها أسفار وليس كتبًا. 

تفرض فنون الإجرام الدموى سطوة حماس على مقدارت قطاع غزة، لكن صنائع وحيل الإفك والكذب هى ما تكدس المال فى خزائن أمراء الحرب الحمساويين وتغذى المخططات الشريرة للجماعة الأم .. 

تدعى حماس أنها حركة مقاومة وهذا الادعاء من ضمن صنائع وحيل الإفك التى تستخدمها فتأسيس حماس وتمويلها خرج من تحت يد «الشين بيت» «جهاز الأمن الإسرائيلى الداخلى» بهدف ضرب الحركة الوطنية الفلسطينية. إنها نفس قصة تأسيس الجماعة الفاشية الأم ولكن بدلا من إسرائيل تكون بريطانيا وجهاز مخابراتها لضرب الحركة الوطنية المصرية فى مواجهة الاحتلال الإنجليزى. 

من يوم التأسيس والتمويل والعصابة الحمساوية تنفذ أجندة الاحتلال الإسرائيلى بكل إخلاص مثلها مثل الجماعة الأم التى تنفذ أجندة الاستعمار القديم والحديث على نفس الدرجة من الإخلاص. تتلقى الأمر فتنفذ على الفور كما علمتها الجماعة الفاشية الأم، فهى ترفض أوسلو وتثير الاضطرابات حتى تعطى للاحتلال فرصة أن يأخذ باليسار ما أعطاه باليمين. 

 عندما تأتى انتخابات تشريعية فلسطينية على أساس أوسلو المرفوضة من العصابة الحمساوية تتناسى الرفض وتسرع للمشاركة من أجل القفز إلى السلطة، نفس خصال الجماعة الفاشية الأم، تلعن الديموقراطية وتــــكفر السياسة والسياسيين وعند الانتخابات تكون أول من يتقدم للقفزعلى السلطة. لا تعتبر الفاشية بشكل عام ومن داخلها الفاشية الدينية الإنسان كائنًا له قيمة حتى لو تم التضحية بالملايين من البشر، لا يرى طواغيت الفاشية الدينية إلا مصلحتهم وما سيعود عليهم وعلــــى الجماعة والعصابة من مكاسب. 

من أجل هذه المكاسب تفعل العصابة الحمساوية أى شيء، تعرض الاحتلال لضغوط من الرأى العام الدولى بسبب إجرامه، مكالمة هاتفية صغيرة من أى ضابط فى الشين بيت لأحد أمراء الحرب فتطلق العصابة الحمساوية ألعابها النارية حول المستوطنات. 

يدك الاحتلال سكان غزة ويسقط الضحايا بالآلاف، يهرب الاحتلال من مأزقه ويحصل أمراء الحرب على ثمن بخس تسهيلات الدخول والخروج لهم ولبضائعهم وأموالهم، السماح بالتدفقات المالية من فروع العصابات الإخوانية الأخرى والأهم إطلاق يد أمراء الحرب فى ممارسة البيزنس داخل القطاع وتوفير الحماية لهم .

 عندما تريد طهران أو أنقرة تسخين المنطقة من أجل تحقيق صفقات تبادلية مع إسرائيل وبإشارة هينة من طهران أو أنقرة يطلق أمـــراء الحرب ألعابهم النارية. 

يفهم الاحتلال قواعد اللعبة جيدا فيؤدى دوره فى قتل آلاف المدنيين العزل تعقد الصفقات فوق دماء الضحايا الأبرياء وأجواء على «القدس رايحين شهداء بالملايين» وبدلا من الملايين الرايحين تأتى ملايين الدولارات إلى خزائن العصابة الحمساوية. تعتبر صفقات التسخين من الصفقات الموسمية لكن العمل الدائم للعصابة هو تقديم الخدمات الشاملة للإرهاب فى المنطقة وهنا تظهر أموال مافيا الدوحة بإشراف من عصابة الفاشيست الحاكمة فى أسطنبول. 

كما قلنا تحتاج صنائع وحيل الإفك والكذب الحمساوى إلى أسفار وليس كتبًا لكن هناك نوع من الإفك تفوقت به عصابة حماس على نفسها والجماعة الفاشية الأم. عنوان هذا الإفك تصدير المظلومية باسم الحصار المفروض على قطاع غزة رغم أن هذا الحصار الوهمى هى من سعت إليه عندما استولت بالقوة على السلطة فى القطاع 2007 وطردت مسئولي فتح وممثلى الاتحاد الأوروبى من على معبر رفح وفق الاتفاقية التى وقعت عام 2005 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل الخاصة بالمعابر وكانت عصابة حماس توافق عليها. 

كان من أول أغراض عصابة حماس عند الاستيلاء على القطاع تصفية هذه الاتفاقية حتى تصبح أرباح البضائع واحتياجات غزة الداخلة والخارجة من المعبر فى يد أمراء الحرب لتتدفق الأموال على خزائن العصابة وتنشأ إمارة حماس وترسخ للانفصال الفلسطينى / الفلسطينى وفق رغبة الاحتلال الإسرائيلى. 

عندما يتدخل السمسار الحمساوى لعقد الصفقات التبادلية بين إسرائيل وطهران وأنقرة يقدم دماء الغزاويين كمشاركة منه فى الصفقة ليقتنص الأرباح وعندما يريد التغطية على نشاطه الإجرامى داخل القطاع وابتزاز الدول العربية والتشهير بها يقدم الغزاويين كمتسولين باسم الحصار الوهمى الذى تروج له عصابة حماس رغم أن المواطنين فى غزة يحصلون على معونات عينية ونقدية من العرب والعجم ومن السلطة الفلسطينية تجعلهم الأعلى دخلا.  نعم هو حصار وهمى تماما فقبل أيام قليلة افتتح فى مخيم النصيرات للاجئين بوسط غزة هايبرمول هوالأضخم فى المنطقة على حسب وصف قيادات حماس بتكلفة بناء فقط تتعدى الـ 200 مليون جنيه مصرى وصفقة إنشاء المول شراكة بين بلدية النصيرات التى تسيطر عليها حماس ككل القطاع وأحدالمستثمرين الفلسطينيين وكان شعار الهايبر الضخم «من المستورد إلى المستهلك» لا أعلم كيف يكون هناك حصار والبضاعة تصل من المستورد إلى المستهلك مباشرة ؟ 

أقيم الهيبر مول على 8 آلاف متر مربع أو 8 دونم وهى وحدة قياس المساحة فى فلسطين ومكون من أربعة طوابق كما يصفه محمد أبو شكيان رئيس بلدية النصيرات التابعة لحماس فى حوار مع أحد المواقع الحمساوية  يزف أبوشكيان البشرات لمواطنى غزة «المحاصرين» «الطابق الأول يشتمل على مدينة للحوم وسوق كاملة لاحتياجات المواطنين، أما البدروم فمخصص كمدينة ألعاب مجانية للأطفال وأن المول مجهز بأفضل الإمكانيات والاستعدادات والثلاجات وبديكورات مستوردة من الخارج لتقديم خدمات أفضل للمستهلكين بحيث سيكون على مستوى عالٍ من التميز فى العمل والأداء». ليست البضاعة فقط هى المستوردة بل الديكورات أيضا نعود للسؤال كيف ستدخل الديكورات المستوردة الى القطاع «المحاصر» ؟ 

يمكن أن يقال أن هذه البضائع المستوردة ستكون من نصيب طبقة أمراء الحرب التى تمتلك المال والمواطن الغزاوى «المحاصر» ليس له نصيب فيها. 

تصف الصور المنشورة والفيديوهات على المواقع الحمساوية طبيعة الإقبال من مواطنى القطاع على المول وهو ما لخصه أحد العناوين فى عبارة واضحة «طوفان بشرى فى هايبر مول بعد ساعات من افتتاحه»أعتقد أن هذا الطوفان البشرى يمتلك المال من أجل شراء البضــــــــائع المستوردة والاستمتاع بالديكورات المستوردة أيضا التى بشر بها أبو شكيان. 

عندما تنظر لديكورات المول وتجهيزاته وللبضائع المستوردة من كل أنحاء العالم والمكدسة به وحجم التكالب على الشراء قد يحدث خلط فتظن أن هذا المول موجود فى لندن أو نيويورك فأرفف المول بها من زيت الزيتون الفلسطينى إلى السيمون فيميه. 

لا يعتبر المول ظاهرة جديدة فى القطاع «المحاصر» وقد بدأت منذ ثلاث سنوات بعدد من المولات الضخمة حتى وصلنا للهايبر الأضخم، بالنسبة للسوق الغزاوية بشكل عام تحت «الحصار» فإشارة واحدة تبين لك مستوى المستهلك والمنتج المطلوب تعلن إحدى الشركات بمناسبة رمضان عن تعاقدها مع أكبر شركة أجبان فرنسية لاستيراد أفخر أنواع الجبن الفرنسى أما التجارة أون لاين فأجود بضائع العالم وأغلاها تصل فى يسرإلى يد المواطن «المحاصر» عبر شركات تعمل من داخل القطاع «المحاصر». 

هذا هو حاضر القطاع «المحاصر» أما المستقبل الذى أشرنا إليه فى البداية فإنه يلح علينا بأن نعيد حساباتنا مع أساطين صناعة الإفك و الترويج للمظلومية الكاذبة