الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
طلعت حرب قلب رجل اتسع لآمال أمة

طلعت حرب قلب رجل اتسع لآمال أمة

فى سنوات قليلة أصبح «طلعت حرب» قدوة ومثالا يحتذى بين آلاف من شباب مصر، وكان حلم كل شاب أن ينجح مثلما نجح طلعت حرب، فقد كان ظهوره ونجاح مشاريعه الاقتصادية وعلى رأسها «بنك مصر» نقطة تحول ومحطة فارقة فى حياة هؤلاء الشباب!!



«حافظ محمود» كان واحدًا من هؤلاء الشبان الذين وقعوا فى غرام الأسطورة طلعت حرب، وكتب عنه مئات المقالات وشارك مع زميلين له «مصطفى كامل الفلكى» و«محمود فتحى عمر» فى تأليف كتاب «طلعت حرب»! الصادر عام 1936.

وربما لا يعرف جيل هذه الأيام أن حافظ محمود  يحمل البطاقة رقم واحد فى عضوية نقابة الصحفيين وأحد الذين ساهموا فى تأسيسها، كما تم اختياره أكثر من مرة نقيبا للصحفيين.

فى ذكرياته عن طلعت حرب يكتب حافظ محمود فى مقال له منشور سنة 1931 فى مجلة «المجلة الجديدة» التى كان يصدرها الأستاذ « سلامة موسى» قائلا : 

 «لست أعرف الألفاظ التى يغدقها الناس على أمثال «المنقذ الاقتصادى الكبير» لكننى أعرف جيدا أن معان ى هذه الألفاظ ما ليس أقل من أننى الآن أتحدث عن رجل لا شبيه له فى التاريخ الحديث لنصف العالم الشرقى أنموذجا من الرجولة الممتازة التى هى  فى حياة الأمم نبع سعادة ورخاء. 

 «طلعت حرب» قبل أن يكون عمدة بنك مصر ومدير بنك مصر.. قبل أن يكون لهذا البنك قوام فى الوجود، كان ذا قلب اتسع لآمال الأمة، وأخذ هذا القلب الكبير يصور هذه الآمال صورا متشاكلة يومًا بعد يوم وسنة بعد سنة  حتى  خرجت منها هذه الصورة الحية التى نستطيع أن نشهدها كل يوم فى البنك المصرى الخالد الذى يثمل الناحية الذهبية فى حياة الوطن. 

 فطلعت حرب رجل من الرجال الذين تهمهم الحياة بجلائل الهموم، رجل لا تتحرك نفسه بآمال فرد ولا يفكر إلا بخواطر عدة أفراد – إنما يهتم الاهتمام كله بحاجة أمة كاملة، لتكون  ينبوع ثروة معنوية حينا، وثروة مادية حينا. ففى كل سنة شركة جديدة، وكل سنة فرع جديد، وفى كل سنة مشروع يتصل بصميم الحياة المصرية يخرجه رأس المنقذ  الاقتصادى الكبير. 

 وهكذا يحيا «طلعت حرب» فى مشاريعه حياة قائد عظيم  من قادة السلم، يرسم الخطط ويقيس الأحوال بمقاييس المنفعة القومية التى تنفع أمة بأجمعها».

كانت  هذه بعض سطور المقال البديع عن طلعت حرب كتبه حافظ محمود وكان عمره وقتها 24عاما!! فهو من مواليد سنة 1907.

••

وما أكثر حكايات الأستاذ «حافظ محمود» عن طلعت حرب حيث يروى قائلا : 

«كبر فتيان الحى والتحقوا بكليات الجامعة وذات مساء كنت مع بعض الصحاب  فى سينما حديقة الأزبكية.. كانت سينما صيفية وهى من مبتكرات الزعيم الاقتصادى «طلعت حرب» إذ لم تكن البلاد قد شهدت قبلها السينما الصيفية، وكان من مبتكرات «طلعت حرب» فى هذه السينما أن الذى يرتادها كان من حقه أن يطلب أى مشروب مثلج باعتباره جزءا من استحقاقه على أجر الدخول إلى هذه السينما!

وفجأة دخل «طلعت حرب» باشا.. ابتاع تذكرة دخول من شباك التذاكر كأى «زبون» ثم جلس فى مكان عادى من السينما، وطلب «خشافا» وجاء له الخادم بأحدث أنواع  الخشاف، فإذا بطلعت حرب يرده قائلا :

- هذا خشاف أفرنجى مستورد ونحن بلد الفواكه فلماذا لا تصنعون  خشافا وطنيا ؟!

وما أن خرجنا من دار السينما وجلسنا نتذاكر فيما سمعناه صدفة من «طلعت حرب» حتى أجمعنا على أن الذى كانت تحتاجه البلاد فى هذه الفترة ليس هو المشاريع الأدبية أو السياسية التى كنا نوجه إليها نشاطنا، وأن خير ما يعمل فى هذه الآونة هو العمل الاقتصادى.

وتعددت المشروعات الاقتصادية  التى قام بها الطلبة والشباب فى مصر الثلاثينيات «من القرن العشرين». 

••

وفى كتاب الزميل الصحفى العزيز «إبراهيم عبدالعزيز» عن «حافظ محمود» أول عضو فى نقابة الصحفيين يتذكر يقول «حافظ محمود»:

أتذكر أننى كوَّنت مع بعض الزملاء جمعية كنت صاحب فكرتها وشعارها «المصرى للمصرى» لمقاطعة البضائع الأجنبية وتشجيع الصناعة المصرية وبلغ نشاطها درجة أن كنا ننشر أسماء المحلات المصرية فى الكتب المنشورة، وكان يشجعها رجال كبار مثل «أمين الخولى» و«محمد بك عبدالصمد» الذى تبرع للجمعية بشيك بألف جنيه وأعطاه لى باعتبارى سكرتيرًا للجمعية، ولما كنت وثيق الصلة بسلامة موسى الذى كان يجب أن يستبقينى عنده أكبر فترة ممكنة ويستكتبنى ويقول عنى أمام أصحابه :

- هذا الشاب يشعرنا بالتخلف لشدة تقدمه!

فلماذا أعلمته بالشيك الذى معى قال:

- وماذا ستفعل بهذا المبلغ الكبير؟!

فقلت له: حتى الآن لا أعرف!

فقال «سلامة موسى: إيه رأيك نستشير «طلعت حرب»؟!

وذهبنا إليه فقال لنا: وفى أى شىء فكرتم؟!

فقال «سلامة موسى»  نريد  أن نقيم معرضا للبضاعة  المصرية الجيدة لأن الناس يجهلون أن بمصر بضائع جيدة الصناعة!

 فقال «طلعت حرب» : وهذا المعرض فى تصوركم كم سيستمر – شهرًا.. شهرين.. ثم  ماذا بعد «سينتهى ويضيع أثره بعد حين»!

فقال «سلامة موسي»: ليس بمقدرتنا أن نفعل أكثر من هذا ؟ 

 فقال «طلعت حرب»: لكن باستطاعتى أن أقيم معرضا دائما للصناعة المصرية!

فقلنا له: كيف ذلك، إن هذا أمر صعب ؟!

فقال «طلعت حرب» إذن ماذا أفعل أنا.. تبقى صنعتى إيه لو لم أنجح فى إقامة معرض دائم للصناعة المصرية ؟!

وضغط طلعت حرب على جرس أمامه ليأتى إليه شاب من أحد معاونيه ليقول له:

- نريد معرضا دائما للبضاعة الوطنية، اختر أنت وزملاؤك الشباب منطقة فى وسط المحلات الأجنبية وسط البلد لنقيم عليها هذا المعرض، لقد جاءنى سلامة موسى وحافظ محمود بألف جنيه وسأساهم معهما وأطلب من زملائك أن يساهموا!

ووقع الاختيار على المكان الذى هو الآن شركة بيع المصنوعات على ناصية شارع فؤاد من ناحية دار الأوبرا القديمة، وأقمنا حفل افتتاح تكلمت فيه بأمر طلعت حرب باعتبارى ممثلا للشباب.

وكان مما قلته فى ذلك اليوم أن صناعة الوطن تبنى مجد الوطن، فطلب «طلعت حرب» من مدير المعرض أن يضع هذه الكلمة فى يافطة تتصدر المعرض.

انتهت حكاية «حافظ محمود» عن شركة بيع المصنوعات التى تأسست عام 1932 برأس مال قدره خمسة آلاف جنيه!

••

وبعيدًا عن لغة الأرقام والاقتصاد يروى «حافظ محمود» هذه الحكاية.

كان «طلعت حرب» مغرمًا بالتواشيح والألحان الموسيقية القديمة وكان يحفظ الكثير منها سماعًا وغناءً، وكان الشاعر «محمد مصطفى حمام» وهو أحد ظرفاء ذلك الزمن يعلم ذلك عن طلعت حرب، وذات يوم ذهب إلى «طلعت حرب» يبشره بأنه اكتشف توشيحا قديما لم يسمع به من قبل!! وأنه قد ضبط موسيقاه مع الأخوين «عثمان» وكان من الموسيقيين، وحدد له «طلعت حرب» ليلة يستقبل فيها الشاعر «مصطفى حمام» وصاحبيه للاستماع إلى هذا التوشيح الجديد فى داره»!!

وفى الموعد المحدد أقبل ثلاثتهم وهم يحملون أعواد الموسيقى وكان طلعت حرب قد دعا بعض أصدقائه للاستماع معه إلى هذا الاكتشاف الموسيقى الجديد!

وجلس الثلاثة وأصلحوا أوتار أعوادهم، وبعد مقدمة يا ليل يا عين التى كانت تبدأ بها الحفلات الموسيقية، بدأوا يغنون التوشيح المزعوم!

وكان أكثر الحاضرين تحمسا لما يسمعه منهم رجل اسمه «بدر بك»!

لقد كان  التوشيح المزعوم  هو أغنية ألفها خصيصا الشاعر «حمام» لهذا الغرض وهى تبدأ بعبارة «ياللا بنا نسافر قليوب»!! وظل ثلاثتهم يرددون هذا المقطع من التوشيح عشرات المرات بمختلف النغمات، و«طلعت حرب» وضيوفه يهزون رؤوسهم  إعجابا وطربا!!

وفجأة انتقلوا إلى الشطرة الثانية من التوشيح وإذا بهم يقولون: يا بدر وشك بالمقلوب»

وانفجر طلعت حرب بالضحك لهذه الدعابة وقبل أن تنزل عصاه على رؤوسهم كانوا قد أطلقوا  سيقانهم للريح!»

 وللحكاية بقية