الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أخطاء «الصحة العالمية»

فى 14 أبريل الجارى، وجد الرئيس الأمريكى كبش الفداء لتعامله الفاشل والمتأخر والفوضوى مع أزمة انتشار فيروس كورونا، وأمر  بتعليق تمويل منظمة الصحة العالمية وأكد أن الإدارة الأمريكية تعكف على مراجعة لتقييم دور المنظمة فى سوء الإدارة الشديد والتعتيم على تفشى فيروس «كوفيد 19». وأعلن ترامب فى مؤتمر صحفى بالبيت الأبيض أن وقف التمويل سيكون مؤقتاً لمدة شهرين إلى 3 لمراجعة وتدقيق تحذيرات منظمة الصحة العالمية بشأن الفيروس «وتواطؤها الواضح مع الصين».



والولايات المتحدة هى أكبر ممول لمنظمة الصحة العالمية، حيث تمنحها أكثر من 400 مليون دولار سنوياً كاشتراكات وتبرعات، رغم أن عليها متأخرات مستحقة بقيمة 200 مليون دولار، ويظهر للقاصى والدانى أن وراء القرار «الترامبى» دوافع سياسية وانتخابية بحتة هدفها التغطية على أخطاء ساكن البيت الأبيض الكارثية.

وفعليًا لا يستطيع البيت الأبيض وقف قرار تمويل المؤسسات الدولية، فالأمر يخص الكونجرس فى المقام الأول، لكن ترامب التف على ذلك عبر الامتناع عن دفع الأموال أو فرض عقوبات، وقانونًا يستلزم الأمر موافقة مجلس الشيوخ أو إعادة هيكلة الأمر من خلال تحويله لغرض آخر شريطة توافق البيت الأبيض والكونجرس.

وكانت خطيئة ترامب الكبرى هى افتراض أن العدد المنخفض للحالات الأمريكية المؤكدة يعنى أن بلاده قد أفلتت منه بطريقة أو بأخرى، من الفيروس حتى إنه تباهى بالأمر وأعلن فى 24 فبراير الماضى «بعد شهر من إعلان الصحة العالمية حالة الطوارئ» : «إن فيروس كورونا تحت السيطرة إلى حد كبير فى الولايات المتحدة، ونتواصل مع الجميع وكل البلدان المعنية، والمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية تعملان بجد وإخلاص كبيرين، وأرى أن سوق الأسهم بدأت تتحسن كثيرًا».

وحينما أثيرت انتقادات جمة ضد التعامل الأمريكى الأسوأ قرر ترامب الانقلاب على المنظمة منذ الأسبوع الماضى لإخفاء خطأ استخفافه بالأمر فى البداية، وفى معرض تبريره قال ترامب إن المنظمة تأخرت فى إعلان الفيروس جائحة عالمية، رغم أنها أعلنته حالة صحية عالمية طارئة فى 30 يناير الماضى، وعليه فقد فشلت فى واجبها الأساسى ولا بد من تحميلها المسئولية عما آلت إليه الأوضاع. 

دستور منظمة الصحة العالمية يشير إلى أن واجب المنظمة الأساسى هو الحفاظ على سلامة العالم وتحسين مراقبة البيانات والمعلومات فيما يتعلق بالأوبئة والأمراض المعدية، ويبرز هنا دور المنظمة فى جائحة كورونا التى يواجهها العالم الآن والتى أصابت أكثر من مليونى شخص وأودت بحياة نحو 130 ألف شخص حول العالم.

إشادات بالجميع

بعيداً عن الحملة «الترامبية» ضد المنظمة فإن المنظمة ومديرها الإثيوبى تيدروس أدهانوم غيبرسيوس ارتكبت بحسب مراقبين عدة أخطاء كارثية ودعوات منتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعى وحملة جمع توقيعات لإقالة ومحاسبة «غيبرسيوس» نفسه، فعلى سبيل المثال هاجم رئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون المنظمة بسبب فشلها فى تقديم النصيحة للصين كى لا تعيد فتح أسواق الحيوانات (الأسواق الرطبة) ومنها السوق الشعبية فى ووهان، حيث ظهر فيروس كورونا.

وليس للمنظمة أى دور تنفيذى على أرض الواقع فهى تكتفى بتقديم «نصائح» والدول ذات سيادة تأخذ بنصائح المنظمة أو تغض عنها الطرف، أما البحث عن لقاح «علاج» فلا يظهر لها أى دور حقيقى فيها أيضاً، وتقوم به الدول والمعامل والجمعيات العلمية، وبكلمة أخرى فإن محصلة نشاط المنظمة سواء فى مقرها الرئيس فى جنيف أو مكاتبها الإقليمية هى مؤتمرات صحفية وإشادات بمجهودات كل الدول ربما عدا إيران، رغم أن دورها الأساسى هو تدقيق المعلومات الصحية الخاصة بالدول خصوصا الأوبئة المعدية، لكنها تشيد بالجميع منذ بداية الأزمة.

أخطاء كارثية

فى ديسمبر الماضى كانت تقارير منتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعى من داخل مدينة ووهان الصينية تتحدث عن فيروس معدٍ وحالات إصابة ووفيات، وقامت السلطات الصينية باعتقال وقمع من ينشر أو يتداول تلك التقارير، وهناك حالة مؤكدة لم تنكرها الصين وهى اعتقال الطبيب لى وينليانغ الذى حذر من الفيروس وتوفى الطبيب فى 7 فبراير، وفى الأثناء شكر مدير المنظمة الصين إجراءات الصين و«شفافيتها» فى التعامل مع الفيروس.  

وفى 11 مارس أعلنت المنظمة الفيروس جائحة عالمية بناء على المعلومات التى أمدتها بها بعض الدول رغم أن يفترض أن يحدث العكس وإلا فلا داعى لوجود المنظمة من الأساس، كما أن المنظمة لم تضغط على الصين فى البداية للحصول على المزيد من المعلومات بشأن الفيروس، كما أنها أعلنت فى 14 يناير الماضى أن التحقيقات الأولية التى أجرتها السلطات الصينية لم تقترح دليلاً واضحاً على انتقال الفيروس من شخص لآخر، وكان ذلك نتيجة تصديقها لكلام المسئولين الصينيين، ناهيك أنها استغرقت ما يقرب من 3 أشهر حتى تشعر أن انتشار الفيروس هو جائحة، حيث أعلنت أن تفشى المرض يعد جائحة فى 11 مارس الماضى، رغم مطالبات كثير من الخبراء بهذا الإعلان قبل ذلك بأيام عدة، كما أنها شككت فى جدوى قرارات منع السفر فى تقليل انتشار العدوى، وكانت هذه التشكيكات من المنظمة فى الفترة التى  منعت فيها العديد من الدول السفر من وإلى الصين، رغم أن المخالطة البشرية هى الوسيلة الرئيسية للعدوى، والآن أصبحت كل دول العالم تتخذ إجراء منع السفر الذى سبق أن انتقدته المنظمة.

الأخطر هو «الكمامات»، حيث أعلنت المنظمة أكثر من مرة أنها تعتقد أن استخدام الكمامات يجب أن يقتصر على الأطقم الطبية، ولكن فى الأيام الأخيرة  نصحت بارتداء الكمامات من قبل جميع الأشخاص،  كما أنها أصرت أنه لا يوجد أى دليل يُثبت انتقال الفيروس عبر الهواء، ثم ظهرت دراسات عدة خاصة فى الولايات المتحدة، بعضها تبنّتها مؤسسات كبرى تشير إلى أن الفيروس يبقى فى الهواء ساعات عالقاً، وبدأت دول فى التفكير فى فرض الكمامات.