الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
«كورونا» يعيد تشكيل العالم

«كورونا» يعيد تشكيل العالم

«أعتقد أننا جميعًا استهنا فى البداية بفيروس كورونا».. هكذا اعترفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، باستخفاف الأوساط السياسية فى البداية بوباء «كورونا»، العدو المخيف الذى لا يُرَى بالعين المجردة. 



ورُغم أن العديد من دول العالم تحركت لكبح جماح تفشى المرض اللعين؛ فإن هناك  3 تجارب تستحق التوقف أمامها طويلًا بعيدًا عن الصين؛ حيث استغلت روسيا الحرب على الفيروس فى زيادة توحشها السلطوى، فيما كشفت الرأسمالية المتوحشة عن وجهها القبيح فى الولايات المتحدة، وقدَّم ترامب الاقتصاد على صحة الشعب، أمّا ألمانيا فكانت الأكثر جاهزية للمواجهة.. بلغ عدد الإصابات فى روسيا نحو 3آلاف حالة إصابة بالفيروس، ونحو 20 حالة وفاة، الأسبوع الماضى، رُغم أنها سجلت أول إصابة يوم  30يناير الماضى، وهو عدد قليل مقارنة بالدول الأوروبية وحتى أمريكا نفسها، والسِّر هو «التكنولوجيا السلطوية».

«التكنولوجيا السلطوية»

خلال العام الماضى وافق الكرملين، على إجراءات لإنشاء شبكة إنترنت روسية سيادية، يمكن منع بقية العالم من اختراقها، ومع تفشى «كورونا» استطاعت موسكو فرض «سطوتها» واختبار سلطويتها التكنولوجية عبر استخدام أدوات تكنولوجية جديدة، منها «التعرف على الوجه»، وبمقتضاه أعلنت السُّلطات أنها ضبطت 200 شخص انتهكوا الحَجْر الصحى والعَزل الذاتى باستخدام تقنية التعرُّف على الوجه باستخدام نظام مكون من 170 ألف كاميرا - تسعى لزيادة  9 آلاف أخرى- والمفارقة هى خروج بعض المخالفين الذين غُرِّموا من منازلهم لمدة تقل عن نصف دقيقة قبل أن تضبطهم الكاميرات.. وليس هذا فحسب، بل تُحلل موسكو حسابات مواقع التواصل الاجتماعى بالمصابين أو المشبته فى إصابتهم، والأشخاص المخالطين، كما أن هناك تقنية GPS لتتبُّع حاملى فيروس «كورونا». وقد أمَر رئيسُ الوزراء الروسى، ميخائيل ميشوستين، وزارةَ الاتصالات الروسية بطرح نظام تتبُّع يقوم على بيانات تحديد الموقع الجغرافى من مزودى خدمات الهاتف المحمول لشخص مُعَين، أى أن البيانات التى سيتم جمعها ستُستخدم لإرسال رسائل نصية إلى أولئك الذين خالطوا أحدَ حاملى فيروس «كورونا»، ولإخطار السُّلطات المحلية، حتى تتمكن من وضع الأفراد فى الحَجْر الصحى إجباريًّا.. ولا يبدو الأمْر مختلفًا فى دولة الاحتلال الإسرائيلى ويكاد يكون نظامُ التتبُّع واحدًا، فبيانات الهاتف وبطاقات الائتمان يمكن تتبُّعها وبعد ذلك تقوم الصحة بحجز الأشخاص المخالطين على بُعد 2 متر للمصابين، وبالفعل تم «عزل أكثر من 500 شخص من السكان الذين تبيَّن أنهم مُصابون بفيروس كورونا» حتى الخميس الماضى. 

 «السقوط الأمريكى» 

بلغ إجمالى الإصابات قرابة 200 ألف حالة والوفيات تجاوزت الـ4 آلاف حالة فى الولايات المتحدة، ما جعلها تحتل المرتبة الأولى فى العالم من حيث عدد الإصابات بالوباء.. ورُغم أنها رصدت الحالة الأولى يوم  20يناير الماضى؛ فإنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة لاحتوائه، وهى الدولة الأكثر تطورًا على الأصعدة كافة، والحقيقة أن هناك شبه إجماع لدى المُحللين والخبراء على أن الرئيس الأمريكى ترامب هو المتهم الأول؛ حيث قَلل من خطورة الفيروس وتأخَّر فى التعامل معه، بل توقّع أن يتلاشَى بحلول إبريل، وفى المقابل باتت نيويورك بؤرة تفشٍّ للمرض، ورُغم ذلك تصرَّف الرئيس كتاجر «رأسمالى» وتناسَى الوباء؛ حيث أبصر بعين واحدة خسائر الاقتصاد وتناسَى الوباء الذى شل الحركة عالميًّا وتحوَّل لأكبر تهديد للبشرية فى العصر الحديث، مع ارتفاع حالات الإصابة عالميًّا لأكثر من 664 ألف إصابة ونحو 31 آلاف حالة وفاة، وتحوَّل معدل الإصابات اليومى عالميًّا لنحو 100 ألف حالة والوفاة إلى متوسط 2000 حالة تقريبًا، ورُغم ذلك أعلن ترامب أنه يسعى لإعادة فتح أجزاء كبيرة من البلاد، وإنهاء حالة الإغلاق العام فيها بحلول عيد الفصح - القيامة-  12إبريل الجارى. . الدستور الأمريكى لم يحدد طريقة للتعامل مع الأوبئة  ولا تملك الحكومة الفيدرالية- مثلًا- أن تُصدر قرارًا يقضى بوضع البلاد بأكملها تحت الحَجْر الطبى، ولم يتجاوز الأمْر  نقاشات وشد وجذب بين الحكومة المحلية فى الولاية والحكومة الفيدرالية، وكأن كل ولاية تنكفئ على نفسها فيما يتحرك العالم كله لاتخاذ إجراءات «العَزل والتباعُد الاجتماعى»، وكأن الولايات الخمسين باتت دويلات صغيرة لها حكام مختلفون وقرارات متضاربة لا تعبأ بالشعب الأمريكى.. ولا شك أن الاستقطاب السياسى بين الحزبين «الجمهورى» والديمقراطى» ساهم فى تفشى الوباء لتزامُن الكارثة الصحية مع عام الانتخابات، وهو ما يجعل تركيز الحزبين الجمهورى والديمقراطى على الانتخابات فحسب. 

الاستعداد الألمانى

 يَعرف الألمان كل شىء عن «كورونا» أكثر من جيرانهم الأوروبيين، وبالفعل كانوا الأقل من حيث نسبة بالوفيات بالنسبة لعدد الإصابات، والسّر هو «التعقب المبكر» .. فى 19يناير الماضى،  تم تُعقِبَ أول 16 حالة إصابة واكتشف أن سببها موظفة فى فرع شركة ألمانية لتصنيع قطع غيار السيارات فى شانغهاى، التى زارت مَقر الشركة الأساسى فى إقليم بافاريا، وفى 27يناير أُبلِغَت السُّلطات الألمانية، فى اليوم التالى الذى شعرت فيه الموظفة بالتعب بعد عودتها إلى الصين، وتمكنت من احتواء مجموعة المصابين فى غضون أسبوعين عبر إجراء الفحوصات والعَزل وانتهى الأمر.. ظهرت الموجة الثانية فى أواخر فبراير  مع عودة الأشخاص الذين سافروا فى العطلة الشتوية إلى بلدهم من منحدرات التزلج فى إيطاليا والنمسا،  وبدءًا من 29مارس الماضى، سجَّلت ألمانيا 60659 حالة إصابة مؤكدة بالفيروس، وأصبحت بذلك أعلى خامس دولة من حيث عدد الإصابات فى العالم، لكن اللافت هو العدد القليل نسبيًّا للوفيات، وهو 482 شخصًا حتى نهاية مارس،  ووصل بذلك معدل الوفيات فى ألمانيا إلى 0.8 % مقارنة بنسبة 4 % فى الصين، وما بين 6 % و8 % فى فرنسا وإسبانيا، و11 % فى إيطاليا، وفقًا لمركز موارد الفيروسات التاجية التابع لجامعة جونز هوبكنز فى بالتيمور بولاية ماريلاند بالولايات المتحدة.

الجيش الأبيض  

تمتلك ألمانيا إمكانيات طبية لا يُستهان بها، التى قادت مرحلة الفحوصات وعلى مدار 3 أسابيع  أُخِذَت عينات من نحو مليون شخص وحلَّلتها، وتعمل مختبراتها حاليًا بطاقة تصل إلى نصف مليون عينة فى الأسبوع، بعكس كندا- مثلًا- التى فحصت 164564 شخصًا للكشف عن الفيروس ونحو 375 ألف فحص فى إيطاليا، أو الولايات المتحدة، التى لديها الآن أكبر عدد إصابات فى العالم، وفحصت 541 ألف شخص رُغم أن عدد سكانها يعادل نحو أربعة أضعاف سكان ألمانيا..  والحقيقة أن عدد المفحوصين سيزيد بمجرد توفر البروتوكول ونظام المتابعة، وهو ما يساعد على تقليل انتقال العدوَى للفئات الأكثر عرضة للخطر، وهو ما أعطى السُّلطات فرصة كسر سلسلة العدوى فى مرحلة مبكرة، قبل أن ينتقل المرض إلى شخص يمرض لدرجة الحاجة إلى طلب الرعاية الطبية فى المستشفى بفضل جيشها الأبيض (الأطباء)، ومن حُسن الحظ أن نطاق الإصابات موزَّع بشكل متساوٍ إلى حد ما فى جميع أنحاء البلاد؛ ما يعنى أنَّ أنظمة المستشفيات المحلية والإقليمية لم تُستنزَف حتى الآن كما هو الحال فى أجزاء من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا.

الأفضل ألمانيا 

يُرجع الخبراءُ الاستعدادَ الألمانى لمواجهة الفيروس إلى أن البلاد لديها واحدة من أفضل أنظمة الرعاية الصحية المُموَّلة فى العالم؛ إذ تحتل المرتبة الرابعة فى نصيب الفرد من الإنفاق بين دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.. وخصصت ألمانيا جزءًا كبيرًا من ميزانيتها الصحية على البنية التحتية للرعاية الطبية الحرجة التى لها أهمية جوهرية إذا بدأت حالات الإصابة بـ«كوفيد 19- »  فى الارتفاع بشكل حاد، كما هو متوقع، ولدى ألمانيا أسِرّة رعاية مكثفة أكثر من معظم الدول الأخرى -34 سريرًا لكل 100 ألف نسمة- وهى النسبة نفسها فى الولايات المتحدة. فيما تمتلك كندا 12.9 سرير لكل 100 ألف نسمة، وتبلغ نسبة إيطاليا 12.5 سرير لكل 100 ألف نسمة، وفى إسبانيا 9.7 سرير، فى حين أنَّ المملكة المتحدة لديها 6.6 مساحة رعاية حرجة فقط لكل 100 ألف شخص، ويمتلك الألمان أيضًا 25 ألف جهاز تنفس صناعى فى متناول اليد. فى حين تمتلك كندا إجمالى 7752 جهاز تنفس فى جميع المقاطعات، إلى جانب 371 جهازًا آخر تحت الطلب؛ لخدمة سكان يبلغ عددهم 37 مليون شخص.. لكن الأزمة التى تخشاها ألمانيا هى أنها من أكبر الشعوب سِنًّا فى أوروبا، إذ يبلغ 21.6 % من سكانها 65 عامًا أو أكثر، وهذه الفئات العمرية الكبيرة معرضة بقوة لأضرار «كوفيد-19» مثل كبار السن فى البِلدان الأخرى،  وحتى الآن، سُجِّلَت 88 % من الوفيات الناجمة عن فيروس «كورونا» المستجد فى ألمانيا بين الأشخاص فى سن 70 أو أكبر، لكن تبقى خطيئة ألمانيا هى تأخرها فى إغلاق الشركات غير الأساسية وفرض قواعد.