الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

السينما مصبوغة باليهودية

فى بداية الثمانينيات اهتممت كثيرًا بإبداع اليهود أدبيا، وفى الفن التشكيلى، وكان كتابى الأول حول «الرواية اليهودية فى الولايات المتحدة وفرنسا»، ثم تطور الاهتمام إلى السينما باعتبار أن أغلب الروايات التى كتبها اليهود فى الغرب تحولت إلى أفلام سينمائية، وإن هناك العديد من السمات المشتركة بين الأدباء المعاصرين، أنها فى الأشمل بمثابة سير ذاتية لأصحابها، كما تعلمت أن اليهودية عقيدة وعنصر، بما يعنى أن فى كل هذه الأعمال هناك إحساس بالتفوق، والتفرد على بقية الجنسيات الأخرى، وفى روايات برنارد مالامود مثلا، فإن اليهود هم المختارون من بين البشر.ولم أشا أن أضع كتابا عن السينما واليهود، فقد وجدت أن صديقى الناقد والباحث أحمد رأفت بهجت فعل ذلك بحرفية ملحوظة، ولم يستطع أحد أن يتجاوزه، إلا أننى اكتشفت فيما بعد أن بعض الأسماء التى تعامل معها على أنها من اليهود كانت فى الواقع مسيحية، وماتت على عقيدة السيد المسيح، ومنهم الإخوان لاما، والآن بعد رحيل صديقى يمكن أن نتساءل: هل كان المبدع اليهودى السينمائى المصرى يمتلك الآلية نفسها للمبدع اليهودى فى السينما العالمية. خاصة فى أوروبا والولايات المتحدة؟



 

 تعالوا أحدثكم بسرعة عن التناقض الشديد الذى أحدثه فى إعجابى الشيد بالممثل الراحل كيرك دوجلاس، صاحب فيلم «سبارتاكوس»عام 1961، فالممثل المولود فى روسيا عام 1916 فى أسرة يهودية كان أكثر المناصرين لإسرائيل، وقد ذهب إلى هناك  كثيرا للعمل، وقام ببطوبة فيلم «الحاوى» عام 1953، كما عاد عام 1966 ليقوم بدور ضابط أمريكى حارب إلى صفوف الصهاينة فى حرب عام 1948، وقد صوره فيلم «ظلال عملاق» وهو يموت كأنه أقرب إلى البطل  الشهيد الذى يدفع حياته مقابل انتصار الفكرة التى يؤمن بها وهى انتصار اليهود على العرب، والعودة إلى امتلاك أرض المعادى، ورغم كل ذلك فإن دوجلاس بالنسبة لنا سبارتاكوس محرر العبيد، وتأتى حساسية الأمر أن المتفرج قد يرى بقية الشخصيات االتى جسدها كأنها ظل من  سبارتاكوس الغريب أن دوجلاس هو الممثل الأكثرتأييدا لإسرائيل الذى لم تقترب منه قط لائحة الأسماء الممنوعة  من المتعاطفين مع الصهيونية، وقد قام الرئيس  السادات باستقباله بحفاوة عقب إعلان كامب ديفيد عندما تمت دعوته لحضور مهرجان القاهرة السينمائى فى مصر، وضع السينمائيون عقيدتهم فى إطار خفى سواء اليهود أو المسيحيين  ولم يجاهروا بشعائرهم ومناسباتهم، مثلما فعل المسلمون دوما، وكانت للأشخاص أسماء يهودية فى أفلام  المخرج توجو مزراحى، دون الإشارة إلى الهوية الدينية، ابتداء من شخصية الممثل شالوم، وهو أكثر الشخصيات غموضا فى السينما، ليست هناك  معلومات مؤكدة بتاريخ ميلاده أو رحيله، وعما إذا كان اسمه الحقيقى هو أيضًا اسمه الفنى، كان اسمه فى الأفلام هو شالوم، وكان صديقه عبده لا يمكن معرفة عقيدته، حيث تخلو جدران البيوت أو المكاتب من وجود الرموز الدينية ومنها، نجمة داود، أو الذهاب إلى المعبد لأداء الشعائر وحده، والأفلام التى قدمها، عن أنه كان مواطنا مصريا يحب يتزوج وويعيش بشكل طبيعى بالإضافة إلى ما يتمتع به من روح فكاهية الذى لا يعرفه الكثيرون أن الممثلة نجمة إبراهيم، واسمها الحقيقى بولينى آدبوف، قد أعلنت إسلامها فى العام 1932، وفى شهادة الميلاد الجديدة صار اسمها هو «نجمة داود إبراهيم»، وذلك حسب الوثائق المنشورة، فترى هل تخلت بهذا عن يهوديتها، وهل ظلت مسلمة طوال حياتها علما أنها ظلت تعيش فى مصر تعمل خاصة فى فترة الستينيات، ولعل الأمر ينطبق على العديد من اليهود الذين أشهروا إسلامهم،  لكن ما يهمنا هو مسألة أداء الشعائر اليهودية فى أفلام السينما، أو قيام إحدى الشخصيات اليهودية بالإعلان عن مراسيمها بصرف النظر عن الأسماء التى تعلن عن هويتها الدينية، فهناك أفلام تعبر عن عناصر الوحدة الوطنية بالأسماء، والأديان معا ،ومنها «حسن ومرقص وكوهين»، و«فاطمة وماريكا وراشيل»، وفى هذه الأفلام، وكلها مقتبسة عن نصوص فرنسية، يتحاب فيها أبناء الديانات مع بعضهم، وربما يتزوجون فيما بينهم، وهم أيضا يتشاركون فى التجارة، رغم اختلاف الأسماء، وبسبب الحساسية الاجتماعية فلا أحد منهم يذهب فى الأفلام إلى بيوت العبادة،  لكن كان هذا سائدا حتى بداية الخمسينيات، بعد قيام الثورة كانت الفرصة متاحة للأقباط أن يذهبوا لتصوير الحياة فى الكنائس، وبدا، ذلك واضحا في أفلام  حسن الإمام  ومنها: « الراهبة» و  «شفيقة القبطية»، لكن أيا من اليهود قبل ذلك لم يدخل  المعبد اليهودى،  وبالنظر إلى توجو مزراحى، أشهر وأهم مخرج مصرى يهودى، فإنه كان يمنح البطولات  أحيانا لمن هم علي عقيدته، ومنهم ليلى مراد، وراقية إبراهيم، ولاشك أن الأمر بالغ الحساسية، فبالنسبة للأدب المصرى فإن الروائى السكندرى نعيم تكلا قد قام، فى الثمانينيات، بتاريخ مصر الحديثة من خلال هجرة اليهود من الإسكندرية ثم عودتهم إليها فى مجوعته القصصية «أحلام فترة النقاهة»، التى نشرها عقب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وهناك أقصوصة تدور حول المعبد اليهودى فى محرم بك، لكن للحق فإن السينمائيين المصرييين كانوا أكثر وطنية ورفضوا التطبيع من خلال أفلامهم، عكس بعض الأدباء ومنهم على سالم، ونعيم تكلا، وظل السينمائيون يقفون ضد التطبيع، إلى أن جاء فيلم «السفارة فى العمارة» إخراج عمرو عرفة، فرأينا السفير الإسرائيلى يدخل بيوت المصريبن، ويعقد معهم الصفقات، لكن فى أى من هذه الأفلام  لم نر كيف يؤدى اليهود الشعائر سواء فى المعابد أو فى الحياة العامة.  والأمثلة كثيرة  ففى فيلم «فتاة من إسرائيل» إخراج إيهاب راضى قام الشباب اليهود بوضع نجمة داود حول العنق، ومن الواضح أنه رمز سياسى أكثر منه دينى، وهو المفهوم الذى توصلت إليه وأنا أقرأ عن الروايات اليهودية العالمية، وقد تجلت الصورة بشكل واضح فى فيلم «أولاد العم» لشريف عرفة، فالزوج جاسوس مزروع فى مصر، ويهرب بأسرته المسلمة إلى إسرائيل، ويشير لزوجته أن أولاده يهود، لكنه لا يجبر الزوجة على تغيير دينها، وهو رجل ذو منصب سياسى لم نره فى الفيلم يذهب لأداء الشعائر الدينية، وتبدو المدينة التى  يعيش بها كأنها خالية من المعابد كانت الحساسية هنا فى الابتعاد عن اليهودية كديانة، وإنما الصراع سياسى فى المقام الأول، وفى أفلام التى تم إنتاجها فى سنوات ثورة يوليو كان الأمر واضحا، فأغلب أحداث فيلم «صراع الجبابرة» لزهير بكير 1961، تدور فى إسرائيل خاصة معسكرات الكيبوتز، لكننا لم نر  كيف يؤدى اليهود شعائرهم، ومن الواضح أن السينمائيين المصريين وضعوا حسابهم لعدم اتهامهم بالعنصرية، فكان مصطلح الصهيونية هو البديل المناسب، باعتبار أن الصهاينة هم الأعداء الذين احتلوا فلسطين.•