الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مهنة جديدة فرضها الواقع الافتراضى: «بودى جارد» يحميك من الجرائم الإلكترونية!

ريشة: أحمد جعيصة
ريشة: أحمد جعيصة

الصدفة.. والضرورة، وطبعا التطورات التى يشهدها عالم «الواقع الافتراضى» الذى نشأ فى أحضان الإنترنت، كانت وراء ظهور هذه المهنة الجديدة التى لم تعرفها أجيال سابقة:  مهنة «بودى جارد للحماية من الجرائم الإلكترونية».. أو الحارس الشخصى للفنانين والمشاهير من نجوم الرياضة ورجال المال والأعمال وأيضا السياسيين، من جرائم انتهاك الخصوصية أو التشهيرأو نشر الشائعات، أو التحرش الجنسى.. والتهديد بالقتل! فكثير من هؤلاء يمتلكون حسابات شخصية تحمل أسماءهم على مواقع التواصل المسماة «سوشيال ميديا» كما أن لهم عناوين بريد إلكترونى.



.. وبعضهم يفضّل الحياة الهادئة بعيدا عن ضجيج «فيس بوك» و«انستغرام» و «يوتيوب» و«تويتر» وغيرها، فلا حساب شخصى له فى أى منها، لكنهم جميعا يشتركون فى صفة مشتركة هى أنهم – فى أحيان كثيرة - يقعون ضحايا لعمليات إساءة واتهامات وإشاعات، وما يسمى قانونيا «اغتيال معنوى للشخصية»..ويتعرضون لهجمات وأحيانا حملات منظمة لتشويه سمعتهم أو توجيه الاتهامات لهم أو التعريض والسباب، وأحيانا ما يصل الأمر إلى حد توجيه التهديدات المباشرة أو غير المباشرة، بالاعتداء، أو القتل!

وبسبب هذا النوع الجديد من الجرائم ظهرت مهنة «أونلاين بودى جارد».. أو الحارس الشخصى الإلكترونى للمشاهير.

يروي  «فيليب جريندل» كيف وجد نفسه وقد تحوّل من محقق بوليس، إلى واحد من أوائل من يحملون صفة «حارس شخصى للحماية الإلكترونية» فيقول إن ذلك حدث سنة 2016 بعد واقعة قتل «جو كوكس» إحدى عضوات البرلمان، وكانت قد تلقت تهديدات بالقتل عبر مواقع الإنترنت.. وقد أطلق المعتدون النار عليها.. ثم قاموا بطعنها!

أصاب الفزع نواب البرلمان، فطلبوا الحماية فاتصل به رئيس مكتب مكافحة العمليات الإرهابية فى وزارة الداخلية الذى يعلم أن «فيليب» يعد رسالة ماجستير عن «إدارة حماية الشخصيات العامة»بمن فيهم السياسيون، وطلب منه تشكيل فريق لحماية البرلمانيين، يقول «فيليب»: كان هدفى هو منع تكرار قتل نائب أو نائبة أخرى,

شخصية عالمية  تطلب الحماية

لم تكن لديه أى خبرة سابقة فى التعامل مع الجرائم الإلكترونية والتهديدات عبر مواقع الإنترنت، بالرغم من أنه كان محققا نشطا فى قضايا الإرهاب وجرائم القتل.

فكان عليه أن يستغرق فى فهم هذا النوع الجديد من القضايا والجرائم التى تتم فى ما يسمى بـ« الواقع الافتراضى».. وعمل طوال ثلاث سنوات فى هذا المجال حتى قرر فى أواخر العام الماضى وفى عمر 52 سنة أن يتقاعد من الخدمة فى البوليس ليتفرغ للشركة التى أسسها لحماية الشخصيات العامة والنجوم والنجمات ومشاهيرعالم الرياضة والإعلام ورجال المال والسياسة وغيرهم.

فقد حدث أن طلب منه أحد الشخصيات الشهيرة عالميا - لا يمكنه إعلان اسمه لدواعى الحماية الأمنية ـ أن يتحرّى ويصل إلى من يكون وراء التهديدات التى يتلقاها عبر مواقع الانترنت، وتمكن «فيليب» بتحرياته وخبرته من التعرف على الشخص الذى يوجه التهديدات للشخصية المشهورة عالميا. وتبين أن هذا الشخص لاينوى القيام بأى اعتداء جسماني، فقط يلقى بالتهديدات على «السوشيال ميديا».

يقول «البودى جارد أونلاين» إن أى شخص مشهور يمكن أن يكون هدفا للاعتداءات والشائعات والتهديدات على الإنترنت، لكن النساء يتعرضن لهذا أكثر من الرجال، والاعتداء عليهن يتخذ طابعا شخصيا، بنشر صور مفبركة أو عارية.. وبعض عضوات البرلمان اللاتى عمل معهن كانت الواحدة منهن تتلقى 200 رسالة أو أكثر تشمل شتائم أو تعريضاً بالسمعة وتصل عبر عناوينهن الإلكترونية، والغريب أن الضحية تواصل قراءة كل هذه الرسائل، كما لوكانت فى حالة إدمان شديدة.  التأثير النفسى له قوة العدوان الجسدى!

ويكشف «فيليب» أن بعض الضحايا من البرلمانيات تولين مناصب كبرى مثل «أمبر رود» وزيرة الداخلية السابقة التى تلقت تهديدا بالشنق فى ميدان عام!

ويقول إن التأثير النفسى لمثل هذه الرسائل له قوة العدوان الجسمانى، فقد رأيت نائبات يبكين ويعانين من التوتر والقلق والرعب. واحدة منهن تلقت رسالة تقول» جو كوكس ـ النائبة التى قتلت ـ كانت الأولي، وانت ستكونين..الثانية»!

وكانت مهمته هى تحليل الرسائل واستكشاف ما وراءها، وهل تنطوى على خطر حقيقى أم لا.. فإذا تبينت خطورة ما، يتم القبض على المرسل. وهذا لم يحدث إلا فى 8 حالات فقط تعرضت لها نائبات فى البرلمان.

لكن كيف يستطيع «البودى جارد الإلكترونى» التعرّف على المجرم الذى لا يترك اسمه على رسالته ويكتفى باسم وهمى؟

يقول «فيليب»:  كل رسالة تأتى من مصدر، ويقوم فريق شركتى بمتابعة نشاطات الراسل الإلكترونية الأخرى ومنها يتم التعرف عليه وجمع بيانات كثيرة عنه. بالإضافة إلى قراءة رسائله التى تتيح التعرف على حالته النفسية ونواياه العدوانية، ويمكن تقسيم أصحاب التهديدات عبر البريد الإلكترونى أو على مواقع الإنترنت، إلى نوعين، الأول خطير وشرير، والثانى مجرد شخص يستعرض عضلاته وعدوانيته بالكلام فقط، ولا يخشى من أن يرتكب جرما جسديا.

 عالم بلا حدود ولا قانون يحكمه

والمشكلة أن الفضاء الإلكترونى عالم لا حدود له، ولا قانون يحكمه، ويعتمد مرتكبو هذه الجرائم على السرية والغموض وبعد المسافات، وهذا ما يشجعهم إذ يعتقدون أن أحدا لن يصل إليهم، وهذا ما يرفع من سقف تهديداتهم وعدوانيتهم، كمن يعمل فى الظلام مطمئنا أن أحدا لن يراه، فيغالى فى وحشيته وعدوانيته، وقلة أدبه. 

وتتبع هؤلاء يتم من خلال تتبع رسائلهم، فكل من يستخدم الكمبيوتر «أونلاين» له بيانات وأرقام يرصدها فريقنا حتى نتوصل إلى المجرم.

سؤال آخر: بماذا تنصح الضحية التى تطاردها الرسائل العدوانية والتهديدات؟

يجيب «فيليب»: نصيحتى هى ألا تقرأ هذه الرسائل، ولدينا قدرة على «حجب» هذه الرسائل عن موقع الشخصية التى تلجأ إلينا لحمايتها، وإزالتها من بريدها الإلكترونى، لنقوم نحن بدراستها وتحليلها، للتوصل إلى نوايا المرسل، ونتعقبه فى مواقع أخرى، فإذا تبين لنا أن لديه دوافع عدوانية قد تتحول إلى سلوك إجرامى بدنى، يكون القبض عليه بواسطة البوليس أمراً لا مفر منه.زوتحذير آخر، لا تنسوا أنكم عندما تستعملون الكمبيوتر أو مواقع مثل «فيس بوك» أو «ماسنجر» وغيرها، فأنتم تلقائيا تتركون معلومات خاصة بكم باستمرار، وهذا ما يستغله هؤلاء الأشرار.

يبقى سؤال عن تكاليف قيام «البودى جارد الإلكترونى» بعمله لحماية من يستنجد به من المشاهير؟ الإجابة هى أنها تبدأ من ٢٥٠٠ جنيه إسترليني، وتشمل عقد  لقاء مع الشخص طالب الحماية، ثم مراجعة لنشاطاته  الإلكترونية على الإنترنت والمحمول، وعناصر الحماية لبياناته الشخصية، ثم تبدأ عملية تحرّى الرسائل المشتملة على التهديدات أو الإساءة للسمعة أو حتى التحرش، والسباب ونشر الشائعات.

سؤال أخير: ماذا نفعل لو لم نكن نملك القدرة على الاستعانة بخدمات «البودى جارد الإلكترونى»؟

يجيب «البودى جارد» بنفسه قائلا: اعتمد دائما على إحساسك. لقد تعاملنا مع نساء تعرضن لتهديدات بالاغتصاب أو الاعتداء الجنسي، وكنا نلاحظ دائما من تقول «كان هناك شيء ما غلط».. فإذا أحسست بالغريزة، أن «شيئا ما غلط» وخطر، أبلغ البوليس.