الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
فتحى رضوان يدافع عن طلعت حرب!

فتحى رضوان يدافع عن طلعت حرب!

ظلت اتهامات الزعيم محمد فريد زعيم الحزب الوطنى التى سجلها فى مذكراته طى الكتمان لسنوات طويلة، ولم يعرف بأمرها أى أحد إلى أن تم نشر مذكراته كاملة بعد سنوات طويلة من وفاته فى 15 نوفمبر سنة 1919 فى مدينة برلين الألمانية. وكان المناضل الكبير الأستاذ «فتحى رضوان» وهو أحد أبناء مدرسة الحزب الوطنى الذى أسسه الزعيم «مصطفى كامل» قد قرأ هذه المذكرات، وأظن أنه فوجئ بهذه الاتهامات القاسية التى وجهها «محمد فريد» لطلعت حرب. وقرر أن يبرئه من هذه الاتهامات عندما أصدر كتابه الرائع «طلعت حرب بحث فى العظمة».



فى الفصل السادس وعنوانه «لعبة جديدة فى السياسة» يأتى دفاع الأستاذ «فتحى رضوان» الرائع عن طلعت حرب إذ يقول:

«كان طلعت حرب سياسيًا منذ شب عن الطوق وأدرك ما حوله، وكان فوق كونه سياسيًا كان وطنيًا، ولكنه انضم فى البداية إلى حزب الأمة وهو الحزب الذى كان يؤمن بمهادنة الاحتلال إقرارًا بما أدخله فى مصر من إصلاحات إدارية لا سيما فى مجال الرى والصرف، وإخراج عدد لا بأس به من مهندسى الرى والمبانى والسكك الحديدية والتدرج فى نشر التعليم ورفع السخرة عن الفلاح والحد من سلطة الخديوى!!

ولكن طلعت حرب لم يلبث حين نهض بأعباء السياسة العامة أن تحرر من هذه العقلية الضيقة التى لو تركت لألحقت بالوطن من المضاد والإيذاء الشيء الكبير وأصبح بكل ما يقول وما يفعل أقرب إلى «مصطفى كامل» و«محمد فريد» زعيمى الحزب الوطنى، بل كاد يكون صورة أخرى من «مصطفى كامل» فى حماسه لمصر والتغنى بأناشيد الحب لها». بعد ذلك يضيف الأستاذ «فتحى رضوان» شارحًا وموضحًا ومفسرًا:

«ولكنه - أى طلعت حرب - فى المرحلة الأولى من حياته السياسية كان يعمل بعقلية حسابية، وكان فوق ذلك فى خدمة أحد كبار المزارعين وهو «عمر سلطان باشا» ابن «محمد سلطان باشا» الذى خان الثورة العرابية وانحاز للخديوى والإنجليز انحيازًا لا احتشام فيه ولا تحرج!

ولذلك كان من المعقول ألا يحس طلعت حرب هول هذه المرحلة بالمعانى الوطنية فى صفائها ونقائها كما أحس بها «مصطفى كامل» وهذا فضل «مصطفى» على معاصريه ومواطنيه، فقد كان ملهمًا أشبه شيء بمن يوحى إليه يرى المستقبل الباهر، من خلال أطلال الحاضر وخرائبه، ويستمد الإيمان من بواعث اليأس ودواعى التثبيط، ومحاولة زحزحته من مكانه ضرب من الخيال لا يتفق مع العقل، أو ضرب من الحماقة التى لا تليق بكرامة الرجال. ثم ينتقل الأستاذ «فتحى رضوان» إلى الحديث عن «عمر سلطان باشا» فيقول:

«ولما كان «عمر سلطان» عضوًا فى مجلس إدارة الحزب الوطنى وأمينا لصندوقه إبان حياة مصطفى كامل، وكان قد ضمن مصطفى كامل فى دين لبنك سالونيك، وكان فى الوقت نفسه مساهمًا فى جريدة اللواء الفرنسية - الأنتدار - وكانت قد تعثرت ماليًا بعد وفاة مصطفى، فقد أدى هذا كله إلى تصادم بين طلعت حرب ومحمد فريد، إذ كان طلعت حرب وكيلا لدائرة «عمر سلطان» فنصحه بأن يقبض يده فلا ينفق شيئًا لمساعدة جريدة الأنتدار فأطاع وكيل دائرته مما أغضب محمد فريد وحمله على أن يكتب فى مذكراته ضد طلعت حرب السطور التالية:

هذا الرجل من رجال حزب الأمة الذى تشكل لخدمة الإنجليز ضد الخديوى، ومن رأى هذا الحزب ومبادئه أن مصر غير قادرة على حماية نفسها، ومادامت مضطرة للاحتماء بقوى فالأحسن لها أن يكون هذا الحامى هو إنجلترا وسياسة هذا الحزب قائمة على التخلص من سيادة الدولة العلية، ومعاداتها بل ومعاداة كل تركى، بل كل مصرى من أصل تركى، وبالتالى للعائلة الخديوية لأنها تركية الأصل!!

وطلعت حرب هذا من المشتغلين بالمال، واختاره «عمر سلطان باشا» لأن يكون وكيلا لدائرته لينظم له أعماله المختلفة، ويسوى ديونه الباهظة التى يصرفها فى القمار ومع النساء بأوروبا بكل تبجح ووقاحة.

«عمر» (بك- باشا بعد ذلك) كان من أصحاب المرحوم مصطفى باشا كامل ولكنه لم يساعده بالمال كما أشيع، واشترك فى شركة «الأنتدار» بألف جنيه مصرى دفع نصفها، ولما شكل «مصطفى» الحزب الوطنى انتخبه من ضمن اللجنة الإدارية، وعين أمينًا لصندوقها ثم استقال، وضمن المرحوم لدى بنك سالونيكا فى مبلغ 12 ألف جنيه تقريبا.

ولما مات مصطفى وسويت ديونه، وأخذنا نصفى اللواء بعشرين ألف جنيه نظير ضماناتها أصبح هو من ضمن مجلس إدارة اللواء، ولكنه لجهله وانهماكه فى الملذات، وعدم وجود الوقت الكافى لديه، أناب عنه وكيله «طلعت حرب» فكان حربا على الجريدتين، إذ أخذ يحاربهما بكل قواه خدمة لحزبه الذى كان يريد بذلك خدمة سادته الإنجليز..

ولما عدت إلى مصر فى 14 يوليو من السنة المذكورة قابلت «طلعت حرب» الوكيل وكلمته فى هذا الشأن، فلم يقبل صرف شيء، ولما عاد «عمر سلطان» أقنعه «حرب» بعدم الصرف، لأن الجريدة لا يمكنها الاستمرار على أى حال. وبذلك اضطررنا لإلغائها نهائيا من أول يوليو سنة 1909 بعد أن صرف عليها من خزينة الحزب ما يقرب من ألفين وخمسمائة جنيه!

ونسب لى أعدائى عدم القدرة على الاستمرار فى أعمال «مصطفى» ونحن حفظًا لاسم «مصطفى» لم نرد أن نقول الحقيقة وهى أن «مصطفى وأخاه» على صرفا على الجريدتين 13 ألف جنيه!

أما أعمال «طلعت حرب» فى اللواء فلم تكن نتيجتها بأقل ضررا من نتيجة أعماله المشئومة فى الأتندار!!

••

وهنا بالضبط يبدأ دفاع فتحى رضوان عن طلعت حرب فيقول:

«وليس فى هذه السطور تجن على طلعت حرب فكل كلمة فيها صحيحة بلا أدنى شبهة، فطلعت حرب فى تلك الأيام كان وكيل أعمال، وكان حريصًا على مصلحة موكله المالية! وكانت مصلحة «عمر سلطان» ألا يواصل الصرف على جرائد تخسر، ولم يكن طلعت حرب يؤمن بأن «عمر سلطان» يساهم فى هذه الجرائد  عن إيمان بمبادئها أو عن رغبة معاونتها، ولعله على أحسن الفروض اتصل بالحزب الوطنى وانتمى إليه شعورا منه بأن ماض أبيه الوطنى فى حاجة إلى ما يرد إليه الاعتبار!

ولم يكن ثمة سبيل لهذا الرد إلا أن يكون هو فى صفوف الوطنيين المتطرفين فى الظاهر، وقد تكررت هذه الظاهرة فى تاريخ مصر الحديث إذ رأينا أكثر من مرة أبناء كبار الخونة الذين دمغتهم البلاد بالخروج عليها والعمل ضدها، وقد اختاروا الجانب المتطرف فى الحركة الوطنية وإن قنعوا بالانتماء لهذا الجانب، دون أن يصدر منهم قول أو فعل يؤيد هذا التطرف.

وآخر الأمر كان «طلعت حرب» فى هذه المرحلة - كما قلنا - لم يؤمن بعد بأسلوب الحزب الوطنى، وكان يرى أن العمل الهادئ المتطور فى ظل حزب الأمة هو العمل المضمون المؤدى إلى تحقيق الغايات الوطنية العليا.

ولم تكن هذه سوى مرحلة سابقة على النضج والفهم الصحيح لكل ما يلابس الحركة الوطنية من دواعى النجاح وأسباب الفشل وسنرى آثار هذا النضج شيئًا فشيئًا، ولكن طلعت حرب فى آخر أيامه، أدرك قبل غيره بطلان مساعيه الأولى وعقم المنهج الذى وقع عليه اختياره».

وينهى «فتحى رضوان» دفاعه المجيد عن طلعت حرب بعد أن يستعرض دوره ومسيرته فى الثورة الاقتصادية التى قادها قائلا:

«هذا هو طلعت حرب السياسى، خرج من أهاب الوطنى المعتدل أو المصرى الذى يهادن الاحتلال عملًا بسياسة «حزب الأمة»  وتأثرًا بعقيدتها، إلى الوطنى المتطرف، وإن كان أخذ شكل العمل الاقتصادى، ولعله كان قد آمن بأن ما دعا إليه «مصطفى كامل» و«فريد» هو الأسلوب الوحيد لمن أراد أن يخدم وطنه وأن الإنسان يبقى معتدلا حتى يصطدم بالاحتلال ويحمل عبء العمل، فيرى أنه أمام طريقين، إما الموت والهزيمة وإما الحياد والقتال».. وفى كلمات بالغة الدلالة والعظمة ينهى «فتحى رضوان» كتابه قائلا:

«هذا رجل أحب مصر، ومصر أعظم الأوطان، فهو إذن عظيم لأنه ابن أعظم من عرفت الإنسانية من شعوب»..

وللحكاية بقية!