السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

البيوت حكايات

أيام حسين عسر فى فيلا جوليا

تصوير: شريف الليثى
تصوير: شريف الليثى

فى منطقة حدائق شبرا، بالحى العريق الذى سكنه الكثير من نجوم الطرب والتمثيل، ومازال أبناء وأحفاد الكثير منهم يعيشون فى فيلاتهم وبيوتهم المميزة، ينحدر بك شارع شبرا بصخبه وازدحامه، إلى شارع جامع أبوالفضل، الشارع الهادئ ذو المبانى المنخفضة والفيلات، التى يعود تاريخ بعضها إلى أربعينيات القرن الماضي، وربما أقدم، أصل إلى الفيلا التى سكن فيها الفنان القدير حسين عسر، أخو الفنان عبدالوارث عسر، والذى لاتزال ابنته سنية وأسرتها، تسكن شقة فيها. 



ظلال الأشجار الكثيفة ورائحة النباتات والزهور، تملأ الشارع مدللة على تاريخ اسم المنطقة، ذات الحدائق الغناء، التى مازالت تمتد داخل أسوار الفيلات المنتشرة فى الشارع، والتى قد لا يتخيل العابر لشارع شبرا وجودها على بعد أمتار قليلة هنا.

فيلات لاتزال بحالة جيدة، يسكنها أصحابها أو مؤجرون،  بعضها أوروبية الطراز، بواجهات مزخرفة وأعمدة يونانية وعقود نصف دائرية، أشهرها فى الشارع فيلا اليونانى «لوكاهيدس» الذى كان يمتلك فى الماضى مصنعا لقطع غيار السيارات.

أتوقف أمام «فيلا جوليا»، التى لم تعرف الطريق إليها بعد لوحات مشروع «عاش هنا» الذى يتبناه الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، لتوثيق المبانى التى عاش فيها المشاهير، حيث تسكن «سنية» ابنة الفنان حسين عسر، بالطابق الثانى مع أسرتها، فى الفيلا التى انتقل للعيش فيها الأب مع أسرته، منذ نهاية الخمسينيات وحتى وفاته فى الثمانينيات. 

 وفى الطابق الأرضى «ورشة ميكانكيا سيارات» لابن مالك الفيلا  الحالى، الذى اشترى الفيلا من مدام جوليا فى السبعينيات، كما يؤكد عادل يونان، صاحب الورشة، التى تسكن والدته الطابق الأول، وفى الطابق الثانى تسكن الحاجة سنية عسر، فى الشقة المكونة من 4 غرف وصالة. 

الفيلا مكونة من طابق أرضى وطابقين علويين، وعبر مدخلها أصعد سلمًا طويلًا بدرابزين حديدى ينتهى بإطار خشبي، تصاحبنى نسمات الهواء، القادمة من نوافذ المنور المطلة على واجهتى الفيلا، نوافذ طويلة مستطيلة من الخشب والزجاج، بعضها كبير وأخرى صغيرة الحجم.

 يرتفع سقف كل طابق 4 أمتار، وإذا وصلت للطابق الثانى سيلفت انتباهك أعلى السلم «شخشيخة» كبيرة من الخشب والزجاج الملون بألوان الأخضر والأحمر والأصفر تنتهى بشكل مخروطى مدبب، تنير السلم بألوانها الزاهية وكأنها صنعت بالأمس القريب.

على لافتتى الباب الخشبى لشقة الطابق الثاني، كتب على الأولى «حسين عسر» وتحتها لافتة تحمل اسم «على حسين عسر»، أطرق الباب فتفتح لى «بيداء»حفيدة الفنان حسين عسر، الثلاثينية ذات العيون الخضر، وملامح تشبه كثيرًا أخو جدها الفنان «عبدالوارث عسر»، وتعلق بيداء على دهشتى من الشبه الكبير بقولها «طبعا ما احنا عيلة واحدة».

 تعتذر الحاجة سنية عن الحديث لمرضها، فأتحدث إلى خال بيداء، ابن حسين عسر، الدكتور محمد حسين عسر، أستاذ التصوير بالمعهد العالى للسينما بأكاديمية الفنون، ومدير تصوير العديد من المسلسلات منها، «أرابيسك، الشارع الجديد، قلب ميت، قصة الامس لأنعام محمد علي»، وفيلم طأطأ وريكا وكاظم بيه.

يحكى لى د. محمد عن والده الشقيق الأصغر للفنان عبدالوارث عسر، قائلا: «كان إدارى شاطر جدا، والإدارة أخذت من وقته الكثير، فلم يقدم أعمالا فنية كثيرة، مثل عمى عبدالوارث، فقد أمضى أبى وقتا طويلا فى إدارة فرقة رمسيس المسرحية، التى كلفه بإدارتها صديقه المقرب «يوسف وهبى». 

مع بداية ثورة يوليو 1952 أنشأ وزير الثقافة وقتها «ثروت عكاشة» المسرح الشعبى، للنهوض بالفن والثقافة، وكلف «حسين عسر» أيضًا بإدارته.

يكمل د. محمد: «كان والدى المسئول الأول عن إدارة المسرح الشعبي، وكان تواجده فى القاهرة قليلا، بسبب تجول فرقة المسرح الشعبى فى كل محافظات الجمهورية، والتى توقفت عام 1958، ليبدأ والدى مرحلة جديدة فى الإدارة فى عام 1959 مع افتتاح المعهد العالى للسينما، ليصبح مسئولا عن ادارة المعهد وتأسيسه، فقد كان الرجل الثانى فى المعهد بعد رئيسه المخرج الكبير محمد كريم».

رغم هذه المسئوليات الإدارية الضخمة، قدم الفنان حسين عسر العديد من الأدوار الفنية، فشارك فى مسرحية على بابا مع بشارة واكيم عام 1926، وشارك بأدوار فى عدد من الأفلام المهمة فى تاريخ السينما المصرية، منها فيلم زينب عام 1930، و«أولاد الذوات» عام 1932، و«الدكتور» 1939، و«ليلى بنت الأغنياء» 1946، و«جنون الحب» 1954، وفى عام 1958 شارك فى فيلم «إسماعيل يس فى مستشفى المجانين»، وفى حسن ونعيمة.

 وفى عام 1959 قام بدور المأمور فى فيلم «دعاء الكروان» وفى نفس العام شارك فى فيلمي «الزوجة العذراء» و«أنا بريئة»، وفى عام 1963 شارك فى فيلمى «الأيدى الناعمة» و«شقاوة بنات»، وفى 1965 شارك فى أفلام «هارب من الأيام» و«طريد الفردوس» و«المراهقة الصغيرة»، وفى 1967 «أدهم الشرقاوى»، وفى 1969 «حكاية من بلدنا»، و1971 و1972 «طريق الانتقام» و«حب وكبرياء»، و1975 «الظلال» و«على الجانب الآخر» و«حبى الأول والأخير» و«انتهى الحب»، وفي1977 «أفواه وأرانب». 

من الحسين للعباسية..وإلى شبرا

  حسين على عسر، تعود أصوله إلى الدلنجات بمحافظة البحيرة، من مواليد حى الحسين فى 9 مارس 1903، وبحسب د. محمد، كانت عائلته تسكن فى منزل ذى ثلاثة طوابق، مبنى على الطراز العربي،  ويطل على مسجد الحسين ،مكان مشيخة الأزهر القديمة حاليا.

«كان والدى كثيرا ما يأخذنا أنا وإخوتى ونحن صغار، لزيارة سيدنا الحسين وكان يشير لنا إلى مكان البيت الذى نشأ فيه، وهوبيت جدى الشيخ على عسر، أحد رفقاء سعد زغلول فى ثورة 19، والذى كان دائم التردد على بيت الأمة، وعمل بالمحاماة». 

فى هذا البيت تعلم حسين عسر القرآن وتجويده، «كان والدى حنونا جدا، وطيبا وعاشقا لآل البيت، وعلمنا حب الحسين، والاحتفال بالأعياد الدينية مثل النصف من شعبان وأول رجب».  

بعد زواج حسين عسر، سكن حى العباسية لأن زوجته من العباسية، وبعد فترة وتحديدا عام 1957، كما يحكى الابن محمد «اختارت عمتى منزلنا الأخير الذى عاش فيه والدى إلى أن توفاه الله بشارع جامع ابوالفضل، لكى نسكن بجوارها فى منطقة حدائق شبرا». يوضح الابن محمد أن فيلا  شارع أبو الفضل، كانت ملكا لسيدة مصرية تدعى جوليا، كانت تسكن بالطابق الأرضي، أما الأبناء الخمسة «4 أولاد وبنت» والأم والأب حسين عسر، يسكنون الطابقين الأول والثانى، فبكل طابق شقة واحدة، مكونة من 4 غرف وصالة وحمام ومطبخ، «عندما توفى الوالد تركنا الشقة التى بالطابق الأول». 

يصف دكتورمحمدعسر، فيلا جوليا «كانت تحفة جميلة، لها سور به بابان الأول جهة اليمين يفتح على حديقة الفيلا، والباب الثانى جهة  الشمال وهو مدخل ساكنى الفيلا، يأخذك إلى ممر طويل كان مبلطا ببلاط أحمر، اشتهرت به الفيلا».

تبدل حال الدار الآن، بعد أن بنى المالك الجديد، الحديقة بطابق أرضى وأول فى الثمانينيات، ومع هذا البناء ضاعت الكثير من جماليات الفيلا.

«كان بشقتنا بلكونة تطل على شارع أبو الفضل، وأخرى خلفية تطل على الجيران، مليئة بالنباتات كان والدى يحب الجلوس، فيها خاصة بعد أن تقاعد وترك المعهد وابتعد عن التمثيل، كنت وإخوتى نهتم بنظافة الفيلا، وتوليت تنظيف الشخشيخة، تلك التحفة المعمارية، التى تنير صحن سلم الفيلا فى الظهيرة، عندما تسقط عليها أشعة الشمس، فيتلون السلم بألوانها، كما كان من اختصاصى تنظيف سطوح الفيلا، الذى لا يمكن الوصول إليه  إلا من خلال بلكونة من شقتنا بالطابق الثانى».

أكثر زوار شقة حسين عسر فى شبرا، الفنانون الذين سكنوا بجواره فى شبرا، كالفنان عبدالغنى قمر ومحمود فرج «الشهير بمجانص»، عمادرشاد، وأحمد ماهر، كما كان ملتقى لطلبة وخريجى المعهد العالى للسينما، منذ أول دفعة تخرجت فيه عام 63، ومنها المخرجان محمد عبدالعزيز ورمسيس مرزوق وحتى وصل عسر للمعاش.

«الخريجون والطلبة كانوا يأتون كل عام فى يوم عيد ميلاد والدى حاملين معهم «التورتة»، منهم المخرج كريم ضياء الدين، ووجيه رياض ومحمود الجندي، الذى كان يزورنا فى البيت بشكل دائم، والممثلة «إنجيل آرام ووالدها ووالدتها، وأيضا المخرج على بدرخان ووالدته، التى كانت صديقة والدتى».

 وظل بيت عسر ملتقى الفنانين والطلبة حتى توفى يوم 21/1/1987 ودفن بمقابر «الشيخ على عسر» مع عبدالوارث عسر وأخته سنية بمنطقة المجاورين عن 83 عاما.