الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الصحة أمن قومى

الصحة أمن قومى

عرف المصريون تجربة حظر التجول ثلاث مرات فى الخمسين سنة السابقة، الأولى أثناء مظاهرات الغلاء فى 18 و19 يناير 1977، والثانية عقب أحداث شغب الأمن المركزى فى عام 1986، والثالثة أثناء ثورة 25 يناير 2011 وما بعدها، الأحداث الثلاثة سياسية بامتياز، وكان هدف السلطات من حظر التجول آنذاك الحفاظ على أمن وسلامة الدولة من شغب وعنف قد يؤثر على استقرار مؤسساتها وأمن مواطنيها. 



واليوم عرف المصريون نوعًا جديدًا من حظر التجول هو «حظر تجول الكورونا»...حظر التجول هذه المرة ليس له أدنى ارتباط بأحداث شغب سياسية، بل بإجراءات احترازية صحية للحفاظ على صحة المواطنين وحياتهم، فهل أصبحت صحة المصريين أمنًا قوميًا؟.  

الصحة أمن قومى 

يؤكد التصريح الرسمى للرئيس عبد الفتاح السيسى بأن إجراءات الدولة الاحترازية لمواجهة انتشار فيروس كورونا هدفها الحفاظ على صحة وحياة المواطن المصرى، وطالب المصريين بالالتزام بالإجراءات الاحترازية المقررة للحفاظ على سلامة مصر والمصريين. دلالة تصريح رئيس الجمهورية واضحة جلية؛ حماية صحة المواطن فى هذه المرحلة تعنى بشكل مباشر سلامة الوطن وأمنه، حيث صارت مفاهيم وأهداف الأمن القومى،لا تشمل فقط، حماية حدود الوطن وسلامة ووحدة أراضيه وتأمين مؤسساته الحيوية أمنيًا وعسكريًا، بل تتضمن حماية وتأمين البيئة الصحية والاقتصادية والاجتماعية الملائمة للمواطن/ المواطنة، وإن تحقيق الأمن القومى يبدأ من الاستقرار داخل المجتمع وركائزه: التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية. 

وغنى عن التعريف، أن صحة المواطنين لها آثار مباشرة وغير مباشرة على الأمن القومى. فمن ناحية تشكل الصحة الجسدية والنفسية أحد الحقوق الأساسية للمواطن، وركنًا أساسيًا من جودة الحياة بالنسبة إليه، وخاصة فيما يتعلق بقدرته على الاستمتاع بالحياة والعمل والإنتاج فى المجتمع، ما يساهم بشكل أساسى فى الاستقرار المجتمعى،  ومن ناحية أخرى فإن انتشار الأمراض والأوبئة يؤدى إلى تدهور الاقتصاد وانتشار الشائعات والخرافات وزعزعة الاستقرار والاضطرابات، وهو ما يؤثر سلبيًا على الأمن القومى بمعناه الشامل لأى دولة.

تداعيات أزمة فيروس كورونا على المستويين: العالمى والمحلى، جسدت أمام أعيننا الأفكار النظرية حول العلاقة بين الصحة والأمن القومى، فبين لحظة وضحاها تأثرت كل مناحى حياتنا؛ العمل وأماكن العبادة: «المساجد والكنائس»، والحياة الأسرية والاجتماعية والسياحية وحركة التنقل والمواصلات والترفيه والإعلام والرياضة...وأصبحت روايات «الكورونا» هى المسيطرة على حواراتنا اليومية وخططنا الشخصية والعملية، وكأن التاريخ قد انقسم إلى ما «قبل وما بعد زمن الكورونا»!. 

وفى تقديرى، فإن قضايا الصحة سوف تحتل مكانة متقدمة سواء فى السياسات الداخلية أو الخارجية لكافة الدول فى الفترة المقبلة.  وسوف تشكل محورًا فى العلاقات الدولية عنوانه: «أنه لا يمكن توفير الحماية الصحية الكاملة لأى مواطن حتى فى الدول الغنية دون تحقيق الحماية الصحية للمواطنين فى كافة بقاع الأرض».

أسئلة جادة حول تداعيات أزمة «كورونا» 

  أزمة فيروس «كورونا» تطرح أسئلة جادة حول قضايا الصحة والمشاركة  المعرفية والعلمية بين دول العالم، تشير كل التقارير الدولية بأن دولة الصين قد بدأت حربها ضد فيروس كورونا فى منتصف شهر نوفمبر 2019. بينما الإعلان عن حقيقة الفيروس وخطورته من قبل الصين، واتخاذ خطوات احترازية من قبل باقى دول العالم  مثل تعليق حركة الطيران والسياحة والمسابقات الرياضية وغلق أماكن الترفيه والمطاعم والأسواق التجارية قد استغرق عدة شهور!! والسؤال الذى يفرض نفسه: هل كان يمكن تجنب الخسائر الهائلة فى الأرواح والتداعيات الخطيرة على الصحة النفسية والجسدية للإنسان فى كل مكان فى العالم؟ وكذلك الخسائر الاقتصادية الهائلة الحالية والمتوقعة؟ إذا لماذا تم نشر كل الحقائق عن الفيروس والوباء وطرق الوقاية منه فى وقت مبكر؟. 

 لن نستطيع تصحيح الأخطاء العالمية التى وقعت فى هذه الأزمة،  لكننا تعلمنا عددًا من الدروس يمكن أن تصبح منهجًا للتفكير والعمل المستقبلى والتعاون بين الدول أهمها: إن سرعة تدفق المعلومات لأى وضع وبائى فى أى منطقة من العالم هى حق لجميع الدول والناس، لأنها ببساطة تتعلق بجودة صحة المواطن وحياته والأمن القومى لباقى دول العالم. 

وأن تبادل العلم والمعرفة الخاصة بأبحاث الأوبئة والتطعيمات والعلاجات بين الدول التى لديها خبرات علمية متميزة فى هذا المجال والدول النامية أصبح واجبًا لإنقاذ البشرية من الهلاك، وليس مجالًا للتنافس السياسى بين الدول والصراع التجارى بين شركات الأدوية كما هو حادث الآن. 

 وفى إطار هذه الأزمة استوعب المصريون وبسرعة شديدة الكثير من دروس الوعى الصحى، وأصبح أغلبهم خبراء فى الوقاية والنظافة والتعقيم، وهو بلا شك أمر محمود،  طالما ابتعدوا عن الشائعات والخرافات.