الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الدكتور مدبولى..

ريشة: عبدالرحمن أبوبكر
ريشة: عبدالرحمن أبوبكر

«ليكن اهتمامك بمنصب الوزارة كبيرًا وكن يقظا بكل ما يتعلق بها من أمور.. واعلم أن العدالة تأتى فى المقام الأول ضمن مسئوليات الوزير وأن المحاباة والتمييز من أبغض الأشياء عند الإله وعليك أن تعامل الشخص الذى لا تعرفه بنفس الطريقة التى تعامل بها الشخص الذى تعرفه وأن تقابل الشخص البعيد عنك كما تقابل الشخص القريب منك انظر إلى صديقك كأنه غريب وانظر للغريب كأنه صديقك لا تصرف صاحب المظلمة دون أن تسمع مظلمته لا ترفض ما يقوله بفظاظة وإذا رفضت وضح له سبب الرفض لا تدع للغضب سبيلا عليك حتى لا تحكم على إنسان ظلمًا كن مبجلًا فى مهنتك وتصرف بحزم وفق العدالة».



هذا جزء من خطاب تكليف الملك تحتمس الثالث لرئيس وزرائه رخمى رع والذى نقش على جدران مقبرته.. حسب التاريخ الأثرى لمصر القديمة فإن منصب رئيس الوزراء كان الأهم والأخطر بعد الملك الجالس على العرش وحسب النصوص الدينية فهذا المنصب فى مصر تولاه نبى مرسل.

 كل ما نراه من قواعد البروتوكول فى العالم الحاضر عند تكليف وتولى رئيس الوزراء لمنصبه قامت به الدولة المصرية قبل آلاف السنين وفق إجراءات إدارية غاية فى الدقة ولم يختلف كثيرًا تشكيل ومهام الوزارة المصرية القديمة عن تشكيلها فى العصور الحديثة.

لا يعتبر هذا الأمر غريبًا على مصر لأن حضارتها التى صنعت التاريخ هى من أنتجت وأهدت العالم فكرة الدولة ومن أبجديات الدولة الإدارة لشئون البشر وتنظيم حياتهم ومن يقوم على الإدارة والتنظيم أيضا بشر فى مناصب قيادية يتاح لهم هذا الحق بسلطة الدولة وليس بأى سلطة أخرى.

يبدو أن قدر هذا المنصب المحورى فى الدولة المصرية جعله بين قوسين من المحاسبة فهو مسئول أمام الدولة التى كلفته وأمام من يدير شئونهم، أى الشعب. 

داخل هذا القوس يصبح قرار رخمى رع وأحفاده غاية فى الحذر والدقة ودائمًا ما يبحث عن نقطة توازن فى القرار لأن الدولة تريد من المواطن مزيدًا من الواجبات والمواطن يريد من الدولة مزيدًا من الحقوق، بين معادلة الحق والواجب يصبح القرار الناجح هو القائم على التوازن فى إرضاء الطرفين. فى الدولة المصرية الحديثة التى تأسست على يد محمد على باشا عاد هذا المنصب ليأخذ دوره المحورى سواء فى مصر الملكية أو الجمهورية بعد طول انقطاع تسببت فيه دويلات المماليك والاحتلال العثمانى وأصبح لقب دولة الرئيس هو لقب رئيس وزراء مصر.

 رغم فخامة اللقب فى مصر الحديثة إلى الآن فإن حجم تبعات  المنصب وحجم إدارة أعمال الحكومة اليومية فى بلد يتجاوز تعداد سكانه الـ 100مليون نسمة تجعل هذه الفخامة أمرًا يصعب على رئيس وزراء مصر الاستمتاع به 

هل حجم أعمال الحكومة المهول والـ 100 مليون مصرى هما فقط ما يحرما دولة الرئيس من الراحة والاستمتاع بالمنصب المحورى فى الدولة المصرية؟ 

هناك إجابة يعرفها كل رئيس وزراء تولى المنصب متعلقة بنا نحن المصريين.. تتلخص الإجابة فى إننا من الصعب أن نرضى على أداء حكوماتنا وقراراتها وهو أمر موغل فى التاريخ منذ رخمى رع وما سبقه وما بعده.

عندما نجلس فى المقاهى أو على المقاعد المريحة بالأندية أو نجعل وسائل المواصلات العامة برلمانات صغيرة أو تصبح مشاهدتنا لبرامج التوك شو فى منازلنا اجتماعًا سياسيًا عاصفًا لا نكتفى بكل ذلك بل نتحول جميعنا إلى خبراء تخطيط وإدارة واقتصاد وسياسة ونرى بثقة شديدة أن الحكومة ودولة الرئيس كانا يجب أن يفعلا كذا وكذا وأين هذه الحكومة ورئيسها من خبراتنا ودرايتنا بكل بواطن الأمور التى تخفى عن الحكومة قليلة الحيلة.

ظهرت السوشيال ميديا فأعطتنا مساحة لا نحلم بها من التعبير وتضاءلت أمامها المقاهى والأندية والمواصلات العامة وجلسة المساء أمام جهاز التليفزيون.

جعلت السوشيال ميديا من كل واحد منا دولة الرئيس أمام موبايله الشخصى ومجموعتنا الوزارية نلتقيها كل لحظة فى اجتماعات لا تنقطع على الفيس بوك وتويتر وواتس آب وأصبح فى مصر على أقل تقدير 50 مليون حكومة ترأس العالم الافتراضى وتصدر القرارات السوشيالية الحازمة بضغطة زر وتطالب دولة الرئيس وحكومته فى العالم الواقعى فى شارع قصر العينى بتنفيذها فورا. . فى حالة عدم التنفيذ ستتحول البلاغة التعبيرية المبهرة والآراء السديدة دون أى خبرة إلى كومكسات سخرية واتهامات بالتقصير ثم مطاردات لحكومة العالم الواقعى حتى نجعل أيامها مزعجة ونبدأ فى المطالبة بحكومة جديدة نمارس معها لعبتنا السوشيالية التى لن تنتهى. 

هذا ما نفعله نحن.. أما عن أعدائنا الفاشيست الإخوان ومن ورائهم فهم لا يتوقفون عن إطلاق الشائعات فى كل لحظة على الحكومة وعلى أى موضوع من أسعار الطماطم إلى المفاعلات النووية وللأسف تجد من يصدق هذه الحملات المغرضة.. بين عدم رضائنا الدائم وشائعات الأعداء لم يعد هناك وقت للفخامة وأصبح منصب دولة الرئيس يحمل الألم لصاحبه أكثر ممايحمل الراحة اختفت الراحة تماما أمام 50 مليون حكومة سوشيالية افتراضية تطارد دولة الرئيس غير الأعداء المتربصين ليل نهار بالدولة ككل وليس الحكومة فقط أنتج الصدام الدائر بين حكومات السوشيال ميديا والحكومات الواقعية حالة من الكر والفر؛  بل إن أحداث يناير 2011 كان جزء كبير من مكونها قائمًا على توجهات حكومات السوشيال بالإضافة إلى الدعاية السوداء للفاشيست وفى سنوات الفوضى أصبحت حكومة الواقع تحت رحمة حكومات السوشيال ودعاية الفاشيست السوداء.

بين الإرث العريق للدولة المصرية فى الإدارة وتوغل حكومات السوشيال ميديا وصل الدكتور مصطفى مدبولى رئيس وزراء مصر الحالى إلى منصب دولة الرئيس.

ففى نوفمبر من العام 2017 تم تكليف الدكتور مصطفى مدبولى وزير الإسكان كقائم بأعمال رئيس وزراء مصر لحين عودة المهندس شريف إسماعيل رئيس الحكومة من رحلة علاج فى ألمانيا.. لم يلقى الخبر اهتماما كبيرا فى أوساط حكومات السوشيال ولم تتابعه وانشغلت بمعاركها اليومية حول فيديو جديد ظهر هنا أو مطاردة شخصية عامة شاء حظها العاثر الوقوع فى ذلة لسان هناك وبعدها يتم تناول الوجبة اليومية من شائعات الفاشيست بتلذذ شديد وبلاهة.

الظهور الأول والهادئ للدكتور مدبولى على ساحة منصب دولة الرئيس جعل المواطن البسيط قبل حكومات السوشيال يمنحونه تصريح بقاء لا يتجاوز الشهور كفترة انتقالية يأتى بعدها صاحب منصب دولة الرئيس.

الحقيقة أن تاريخ مصر ودولتها العريقة يعطينا دائمًا درسًا خاصًا أن هؤلاء الهادئين الذين نظنهم عابرين هم من يصنعون التحولات المؤثرة على هذه الأرض ولعل المثل الأقرب يتلخص فى فلاح مصرى داهية اسمه السادات 

لحظة وصول الدكتور مدبولى إلى منصب دولة الرئيس هى لحظة خاصة فى التاريخ المصرى الممتد لا تتكرر كثيرًا، ففى يونيو 2018  عندما تولى المنصب رسميًا كانت قيادة الدولة المصرية بالتفويض الثورى من الأمة فى الـ 30 من يونيو بنت قواعد تثبيت الدولة بعد أن أنهت سنوات الفوضى وحان وقت جنى ثمار هذه اللحظة الخاصة عن طريق الإدارة وفق أساسيات الدولة الحديثة.

هذه كانت الأجواء التى تحيط بلحظة الوصول أمام الشخصية التى اختارتها القيادة وكلفتها بالإدارة فتحتاج إلى بحث ليس من أجل تعظيم رجاحة الاختيار أو التقليل منه ولكن لفهم مقومات الاختيار ذاته واتساقه مع لحظة الوصول. 

يأتى تاريخ ميلاد الدكتور مدبولى فى العام 1966 ليعطى دلالات كثيرة وراء حكمة الاختيار فهو من المرتحلين، أى من الأجيال التى ولدت قبل ثورة المعلومات ولكنهم تفاعلوا معها وأصبحوا من مستخدميها.

 تعطى الخلفية العلمية للدكتور مدبولى فى علوم الهندسة ميزة سرعة التفاعل مع هذه الثورة فلا يستشعر اضطرابا من جموحها أو يقلل من شأن تأثيرها.. يمتلك نفس هذا الجيل أعلى درجات الإحساس بقيمة الدولة الوطنية لأنه كان فى لحظة نضوجه بين إرث تاريخى مجيد لهذه الدولة يتمسك به مقاوما تشويهه نتيجة لهجمات الهويات البديلة خاصة الفاشية منها وكارثية ضياع هذه الدولة بتسلل الفاشيست إلى السلطة فأصبح عليه إما أحياء هذا الإرث أو الاستسلام.. فكان قراره فى 30 يونيو الأحياء 

سمحت المسافة الزمنية المناسبة لهذا الجيل التى تتيح دقة الحكم واكتساب الخبرة دون الوقوع تحت تأثيرالانبهار أو المرور السريع بأن يدرس جيدا مقومات عقل حرب أكتوبر المجيدة هذا العقل الذى صنعته الأمة المصرية بالعلم وانتزعت نوره بقوة جيشها من ظلام الهزيمة. 

تصادم هذا الجيل أيضا فى وقت نضوجه مع أشرس ما واجهته الأمة والدولة المصرية على مدار تاريخها من هجمات الإرهاب الذى صنعه الفاشيست وأرادوا به محو الدولة وإفناء الأمة، هنا كان التصميم على معركة وجود تتلخص فى إزالة أسباب الإرهاب وليس آثار الإرهاب  تعطى كل هذه المقدمات العلامة الكاملة لحسن اختيار القيادة للدكتور مصطفى مدبولى وتوليه المنصب المحورى.. منصب دولة الرئيس لكن طليعة الأجيال والمقدمات تختبر فى الأزمات والمحن فماذا كانت النتيجة؟ 

واجه الدكتور مصطفى مدبولى رئيس وزراء مصر ابن جيل استوعب كل هذ الدروس أزمة العاصفة والوباء الذى يجتاح العالم فعبر بنجاح الأزمة الأولى ويقاتل بشراسة وعلمية عقل أكتوبر للعبور بسلام من الأزمة الثانية.

فى قتاله لم يضطرب أمام جموح حكومات السوشيال ميديا.. لم يخش الفاشيست وإرهابهم ودعايتهم السوداء.. جعل بوصلته الدولة الوطنية المصرية.

هذه السطور ليست فقط تمجيدا لقيادة أحسنت الاختيار أو لرجل فى أهم مناصب الدولة المصرية ولكنها عرفانا لجيل حمل الأمانة بشرف ودافع عن الأمة والدولة المصرية فى وقت السؤال الصعب نكون أو لا نكون.