الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

إلى كل أم فى عيدها.. الحب والإبداع يلتقيان

تحية من الشمس والطيور وزهور اللوتس

  للأم مكانة كبيرة فى الحضارات القديمة من أول التاريخ.. ومع تطور المجتمعات فى كل مكان فى العالم يرجع إليها.. فهى الحب والعطاء والتضحية والإيثار ونبع الحنان والمشاعر الصادقة.. ومن هنا كتب لها الخلود  على مر العصور فى الإبداع.. بين الأدب والفن  التشكيلى.  وعرف المصريون القدماء الاحتفال بالأم فى عيدها قبلنا بآلاف السنين وهناك إحدى البرديات تقول: «اليوم عيدك يا أمى.. أجمل الأعياد لقد دخلت الشمس من النافذة.. لتقبل جبينك الطاهر وتبارك يوم عيدك.. واستيقظت طيور الحديقة مبكرة لتغرد لك فى عيدك وتفتحت زهور اللوتس المقدسة على سطح البحيرة لتحيتك..».. و فى العصر الحديث كما قال شوقى: الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعبا طيب الأعراق.



 زهرة البرسيم

خلد الأدب العالمى الأم فى أعمال أدبية عديدة حمل بعضها اسمها  مثل: «الأم» للكاتبة الأمريكية» بيرل بك «التى حصلت عنها على جائزة نوبيل عام 1938وقد قضت حياتها بين موطنها والصين التى تدور معظم رواياتها على أرضها.. و«الأم» للأديب الروسى مكسيم جوركى.. الذى يعد رائد  الواقعية الاجتماعية  حول حياة ومعاناة  أم روسية.. وهى التى حركت الثورة على الأوضاع هناك حتى قامت الثورة عام 1917.. والرائعة الإنسانية أيضا « أحبك.. أمى»  للكاتب الأرمينى الأصل الأمريكى الجنسية «وليم سارويان».. تحكى  صداقة بين أم وابنتها الصغيرة.. وكان طموح الابنة أن تصبح نجمة فى عالم الفن.. وظلت الأم تدفعها بحنانها ووعيها وتبث فيها الطموح حتى وصلت إلى ما أرادت. الرواية تحكيها الابنة ببساطة وبهجة تجرى جريان الماء.. تقول الأديبة جاذبية صدقى مترجمة الرواية: «أن موضوع القصة بسيط ولا تعقيد فيه كزهرة البرسيم التى تتمايل تحت عيوننا  جميعا ولكن من يستطيع خلقها؟».

تمثال الحنان

ومثلما احتفى الأدب بست الكل.. نجد احتفاء الفن التشكيلى بها أيضا فى مصر وفى الفن العالمى شرقا وغربا.. فى فن النحت والتصوير.

وهناك لوحة  للفنان «حامد عويس».. صور فيها أما تتجول فى حديقة  بين الأشجاروالزهور مع طفلها الصغير داخل عربة أطفال.. بمساحة من البهجة والإشراق وألوان دافئة.. يغلب عليها الأحمر والأخضر مع الأصفر.

 وقد جسد المثال «عبدالمنعم الحيوان» أستاذ النحت بكلية الفنون الجميلة الأمومة فى تمثالين يمثلان قطعتين  من الحنان.. أحدهما لأم جالسة ترضع طفلها  فى اختزال  وتلخيص  شديد.. الوجه بلا تفاصيل ويبدو الرأس فى انحناءة  خفيفة.. فهى ترنو إلى صغيرها الرضيع.. أما التمثال الثانى فهو لأم تحمل طفلها الصغير.. تبث  فيه الحنان والحب. 

وفى النحت العالمى نتذكر تمثال الفنان اليابانى «الأم والأبناء فى العاصفة» بمدينة هيروشيما  للفنان اليابانى «شين هونغو» نرى فيه  تبادل الحب بين الأم وأبنائها خاصة وقت الخطر وفيه صور الأبناء يحتمون بأمهم.. وهى بدورها تحنو عليهم.

«أم بيكاسو»

  قد جاءت أعمال بيكاسو - معجزة القرن العشرين - فى الأمومة مساحة مختلفة فى تنوع وثراء.. خاصة فى المرحلة الزرقاء، بداية مراحله الفنية.

فى إحدى اللوحات صور أما وطفلها تضمه إليها ملفوفا بدفء ردائها وتبدو مغمضة العينين فى حالة حلم بالسعادة وأن تراه يافعا. وفى لوحة أخرى لبيكاسو أيضا نطالع أما تحمل طبق الشوربة.. تقدمه لابنتها الصغيرة بحيوية وشفافية وصفاء الأزرق. ولكن من بين أروع أعمال بيكاسو لوحة «أم بيكاسو».. العجيب أنه صورها عام 1896وعمره 14 عاما.. وهنا بدت عليه ملامح العبقرية من البداية.. فقد صورها بألوان الباستيل على ورق  وهى خامة صعبة تحتاج لمن يروضها.. أودع فيها ملامح الجلال والوقار.. كانت أم بيكاسو مدركة لقدراته وعبقريته، ولم تكن تتصور أنه سوف يكون فنانا.. قالت له ذات يوم: «إذا كنت جنديا فستصبح جنرالا.. وإذا كنت راهبا فستصبح البابا».. يعلق على ذلك بقوله: «كنت رساما وأصبحت بيكاسو!».

العجيب أن بيكاسو.. جسد شخصية والدته فى لوحة أخرى زيتية عام 1923 بعد 27 عاما من اللوحة الأولى.. إلا أنها ليست فى حرارة تعبير اللوحة الأولى.. لقد كان بيكاسو شديد الارتباط بأمه  «ماريا بيكاسو» فى طفولته  وانتسب إليها وحمل اسمها.. وكان حبه لها متوهجا فى ذلك الوقت فتألق  فى لمساته.

العاطفة والاحترام والجلال

وللفنان  الأمريكى «هويسللر» لوحة لوالدته صورها بمسحة من العاطفة والاحترام والجلال.. فيها الأمومة فى اسمى معانيها واللوحة معروضة بمتحف «أورسيه» بباريس بعد أن اشترتها الحكومة الفرنسية وكانت قد طافت متاحف العالم لقيمتها الإنسانية والفنية.. ولجمال اللوحة وقيمتها التعبيرية.. اختارها الرئيس الأمريكى «فرانكلين روزفلت» عام 1934لتصدر فى طابع بريد.. تحت عنوان «فى الذاكرة وتكريم للامهات الأمريكيات».

كان ويسللر فى انتظار الموديل ليرسمها فى مرسمه.. لكنها تأخرت فكان أن جلست والدته» أنا ماتيلدا «أمامه.. واستغرق فى رسمها ثلاثة أشهر على مدار صيف 1871.. حتى جاءت بقدراته التعبيرية وإحساسه الشاعرى وعاطفته ناحيتها.. رمزا للأمومة والتعاطف وأيقونة للمحبة والقيم العائلية الرفيعة.  وتعد أعمال الفنانة الأمريكية «مارى كاسات»  فى الأمومة من أروع وأجمل اللوحات فى تاريخ الفن.. وقد صورت تلك العلاقة الحميمة بين الأمهات وأبنائهن.. ومعظم لوحاتها  فيها أطفال وأمهات فى لحظات من الحب والسلام.. تشع بالنور والبريق وعمق  التعبير. 

وركزت على تلك الثنائية من  المرأة والطفل.. بمساحات من الحنان فى فضاء التصوير.. فى أعمال تفيض بمرح الطفولة ودفء الأمومة.. كما ألقت الضوء بفرشاتها على الشئون اليومية.. فى حياة الأسرة التى عاشت فى القرن التاسع عشر.. مع مشاهد لنساء يتناولن الشاى أو يطالعن بهدوء أو يكتبن الرسائل.. العجيب أن «مارى كاسات» لم تتزوج ولم تنجب أطفالا ورغم هذا أخرجت مشاعر وحنان الأمومة فى لوحاتها، وكانت صاحبة تجربة متفردة.. وغلب على ألوانها مايؤكد نقاء لمستها وبراءة شخوصها من الأبيض والوردى.. ورغم أنها مولودة بأمريكا إلا أنها استقرت بباريس، وارتبطت برواد المدرسة التأثيرية وكان «ديجا» صاحب لوحات فراشات الباليه الأقرب إليها.. ومن شدة انتمائها لزملائها كانت تحث رجال الأعمال الأمريكان على اقتناء أعمالهم.. هكذا كانت «كاسات» صاحبة قلب كبير فى الفن والحياة.

 فى عيد الأم نقول عيد سعيد وكل الحب والاحترام والتقديرلكل أم فى مصرنا.. الأم الأولى لنا جميعا.•