الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لأول مرة فى بريطانيا:

وزيرة الداخلية متهمة بالعنصرية .. ضد رجل أبيض!

ريشة: أحمد جعيصة
ريشة: أحمد جعيصة

هل سمع أحد من قبل عن «العنصرية المعكوسة».. عنصرية من جانب شخص ملوّن ضد آخر أبيض؟!   العنصرية كما نعلم تعبير يقصد به عادة المعاملة غير المشروعة التى يسلكها الإنسان الأبيض ضد السود والملونين، هذا ما هو متفق عليه عامة، والنظم العنصرية كانت ممثلة فى جنوب إفريقيا، ما قبل كفاح نيلسون مانديلا وانتصاره.



 

عنصرية البيض ضد السود

لكن المدهش أننا هذا الأسبوع أمام قضية رفعها رجل أبيض ضد وزيرة الداخلية البريطانية، وهى من أصول هندية، يتهمها بالعنصرية ضده، حيث يعمل كواحد من أبرز قيادات الوزارة لكنه يتقاضى راتبا سنويا أقل بمبلغ 45 ألف جنيه إسترلينى عن زميلة له تقوم بالعمل نفسه فى موقع آخر فى الوزارة، وهذه الزميلة سوداء!

  والرجل هو واحد من خمسة من قيادات الوزارة الذين يتولون مهمة مراقبة عمل قوات البوليس فى بريطانيا، ويتقاضى 140 ألف جنيه سنويا بينما تحصل زميلته على 185 ألف جنيه، وهو يقول فى دعواه القضائية إن سبب هذا التفاوت فى الأجر يعود إلى عنصرية مزدوجة، لكونه رجلا أولا، وأبيض ثانيا.

الوزيرة تطلب جلسات سرية

فى البداية طلبت الوزيرة من خلال محاميها، أن يكون التداول فى القضية خلال جلسات سرية، لكن المحكمة رفضت هذا الطلب، فرفعت الوزيرة دعوى استئناف، وعندما انعقدت محكمة الاستئناف لم يجد القاضى ما يبرر طلب السرية الذى تصر عليه الوزيرة، وقال إنه طلب لا يقوم على أى أساس، فالقضية لا تتناول أسرارا تتعلق بأمن الدولة، أو مخاطر تكشف أعمال البوليس الحساسة، أو أى أمور تتعلق بحماية الأمن العام، أو حتى مناقشات خاصة حول السياسات العامة، أو أى شىء من هذا القبيل.

وعندما اضطرت الوزيرة إلى مواصلة نظر القضية بشكل علنى، قام محاموها بتقديم دفوع تنفى تهمة العنصرية، بالقول إن السبب وراء فارق الأجر بين المدعى «مات بار» وبين زميلته «ويندى وليامز» يعود إلى أنها عينت قبل عام من تعيينه، وأن السياسة الجديدة للوزارة التى تقضى بتقليص رواتب كبار الموظفين قد بدأ تطبيقها سنة 2016 التى عين هو خلالها.

  وعندما طلب من الوزارة تقديم تفاصيل المناقشة التى سبقت تعيين «ويندى» وتحديد أجرها، رفضت ذلك بدعوى عجيبة هى أن الكشف عن هذه التفاصيل سوف ينطوى على اعتداء على خصوصيات تتعلق بمفتشة البوليس!

وأرسلت المفتشة «ويندى» خطابا إلى القاضى تعلن فيه رفضها لفكرة تداول تفاصيل محادثاتها حول وظيفتها وأجرها، وأن هذه أمور تخصها ولا تسمح لأحد بتداولها!

وقالت إنها تخشى من أن الكشف عن تفاصيل تعيينها وأجرها من شأنه أن يؤذى ويهدد قدرتها على القيام بمهام عملها وهو التفتيش على قوات البوليس التى تحت مراقبتها، وقد يتسبب فى فقدانها للمصداقية لدى هذه القوات.

لكن القاضى «جريفيثز» رد على ذلك بالقول إن الأجور التى يتقاضاها مفتشو البوليس معلنة ولا سرية فيها. وهذه أمور تهم الرأى العام ومن هنا فليس هناك ما يدعو للسرية.

وأضاف: فالأجر ليس سرا، لكن فقط المناقشة حوله هى التى يقال لنا إنها «سرية».. لماذا؟.. إذا كان الأجر تقرر وأعلن فمن غير المعقول أن تبقى مناقشته سرية وتحتاج للحماية لدرجة أن «الناس لن يكونوا ببساطة قادرين على فهم الموضوع الأساسى لهذه القضية»؟.. كما جاء فى نص حكم محكمة العمل الثانية التى نظرت طلب السرية ورفضته.. فهذه المحكمة - كما يقول قاضى الاستئناف الذى أيد قرارها رفض مبدأ السرية فى تداول القضية - نظرت أمامها ألف ورقة تخص القضية. وهكذا سيتم نظر القضية المرفوعة ضد وزيرة الداخلية علنا فى محكمة العمل.

القضية الأولى فى نوعها

الوزيرة «بيتى باتيل»، وهى ابنة عائلة هندية هاجرت من أوغندا إلى بريطانيا، متهمة أمام القضاء بـ«العنصرية المعكوسة» ضد واحد من قيادات الوزارة، وهى القضية الأولى من نوعها التى تشهدها محاكم بريطانيا من مواطن «أبيض» يتهم الوزيرة «الملونة» بأنها تمارس عليه عنصرية معكوسة ومزدوجة، لكونه رجلا، ولكونه أبيض.. فتوفر أجرا لامرأة سوداء، تقوم بالعمل نفسه، يزيد 45 ألف جنيه عن أجره.

 مشكلة الوزيرة أنها لا تواجه هذه القضية فقط، فهى تعيش أزمة فى أرجاء الوزارة، حيث استقال أكثر من واحد من قيادات الوزارة احتجاجا على أسلوب عملها وتسلطها وتعاملها غير السوى والمتعنت مع مرؤوسيها. واتهمها أحدهم بممارسة الكذب.

وحتى يصدر حكم القضاء، تجد الوزيرة نفسها فى مأزق، ونشرت صحيفة «مايل أون صنداى» تقريرا عن ردود فعل الجمهور على موقف الوزيرة المتعلق بالمعاملة السيئة لمعاونيها، والتفرقة العنصرية المعكوسة، من خلال مواقع التواصل الإلكترونية «السوشيال ميديا» فقال بعض المعلقين إنها يجب أن تعود إلى الهند أو أوغندا!.. وهذا تعليق عنصرى طبعًا. 

وقال آخر إنها تستمتع بالإساءة للغير، وبلغ الأمر حد مطالبة أحد المعلقين عبر «تويتر» بأن تسحب منها الجنسية؟!.. وهناك «هاشتاج» بعنوان «فظيعة جدا» يتعرض لموقفها من الإساءة للعاملين تحت قيادتها، والتسلط الذى يتهمونها بممارسته عليهم.

تحقيق سرّى بأمر رئيس الحكومة

ومقابل هذا الهجوم، استطلعت الصحيفة رأى بعض أصدقاء الوزيرة فقالوا إنها تعيش حالة صعبة من المعاناة والتوتر، لكنها عنيدة. وتذكر أحدهم كيف واجهت من قبل مشكلة كبيرة عندما كانت وزيرة التعاون الدولى، وحوصرت بمطالبات بطردها من الحكومة، فقامت بنفسها بالتوجه إلى رئيسة الحكومة وقتها «تريزا ماى» وقدمت لها استقالتها قبل أن يتم طردها.

وقام 100 من أصدقاء الوزيرة من الشخصيات العامة ورجال السياسة والمال وأعضاء البرلمان وقيادات فى حزبها الحاكم بتوقيع عريضة لتأييدها ونفى تهم التسلط والعنصرية عنها، وقدموها لصحيفة «دايلى تلغراف» أشادوا فيها بشخصيتها وأكدوا أن هناك مؤامرة تحاك ضدها من جانب أشخاص مجهولين، فشلوا فى تقديم أى دليل على ادعاءاتهم.

وكان السير «فيليب روتنام» السكرتير الدائم لوزارة الداخلية وهو أعلى مركز فى الوزارة، قد تقدم باستقالة مفاجئة من منصبه متهما الوزيرة بأنها تقوم بحملة إساءة وتعريض بشخصيات قيادية فى الوزارة وتسىء إليهم.. كما اتهمها صراحة بالكذب، مما اضطر معه رئيس الوزراء «بوريس جونسون» إلى تشكيل لجنة مكلفة بالقيام بتحقيق سرى فى الأمر، لن تذاع نتائجه، برئاسة وزير شئون رئاسة الوزراء السير «مارك سيدويل» لاستكشاف الحقائق وتحرى الأمر فى كل الوزارات التى عملت فيها كوزيرة وهى وزارة العمل ووزارة التعاون الدولى ثم وزارة الداخلية التى تقودها الآن.

وهكذا تجد الوزيرة نفسها أمام القضاء بتهمة العنصرية، وأمام لجنة تحقيق رسمية فى تصرفاتها التى دفعت أكثر من مسئول فى وزارتها إلى الاستقالة.. وما عليها سوى أن تعيش على أعصابها فى انتظار الحكم.