السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ضحايا السجون الأمريكية

فى الرابع عشر من ديسمبر 2017 تم الإفراج عن ريتشارد فيلبس عن عمر يناهز 71 عامًا بعد قضاء ما يزيد على 45 عامًا فى السجن المشدد بولاية ميتشجان الأمريكية عن جريمة لم يقترفها قط، ظل «فيلبس» يجاهد طوال تلك السنين لإثبات براءته ولكن بلا فائدة، ورُغم ضعف الأدلة؛ فإن القضاء لم ينصفه.



بدأ كل شىء فى الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 2 يونيو 1971، حينما خرج جورجى هاريس من منزله ولم يعد، فى اليوم التالى وجدت زوجته سيارته مهجورة بأحد الشوارع القريبة والدماء تتناثر على المقعد الأمامى، اتصلت الزوجة بالشرطة التى قامت بمصادرة السيارة إلا أنهم لم يهتموا بفحص السيارة كما ينبغى، لم يحصلوا على عيّنات للدماء، كما تغافلوا عن تصوير السيارة من الداخل والاحتفاظ بهذه الأدلة كما يجب أن يكون، كان هاريس أحد الأشقياء المدانين سابقًا بالسطو المسلح ولم تهتم الشرطة بالقضية، رُغم استدعاء أخ الزوجة فريد ميتشل مرّتين للاستجواب لكونه أحد الأشخاص الموجّه لهم أصابع الاتهام، لكونه مجرمًا هو الآخر عتيد الإجرام، حُكم عليه سابقًا بالسجن  فى قضية قتل غير متعمد،  كما صادروا سلاحًا ناريّا غير مرخص من ميتشل فى وقت لاحق بعد اختفاء هاريس، إلّا أن هاريس كان لديه حجة غياب لم يسعَ المحققون للتأكد منها، وهى أنه كان برفقة صديقين فى تلك الليلة، ريتشارد فيبلبس 25 عامًا وريتشارد بالمبو 23 عامًا بأحد البارات، وأنه قد فقد الوعى فى تلك الليلة بسبب الإفراط فى الشراب، وهو ما اقتنع به المحققون وسجلوها كقضية اختفاء لا جريمة قتل محتمل؛ حيث لم يروا أى مؤشرات أو دلائل تؤكد قتل هاريس.

علاقة ميتشل ببالمبو بدأت بالسجن حينما كان الاثنان يقضيان محكوميتهما، ميتشل عن جريمة قتل، وبالمبو عن سطو مسلح، توطدت العلاقة بينهما، وأصبحا أصدقاء.  بعد مرور تسعة أشهُر على اختفائه، وجد بعد العمال جثة ملقاة خلف الشجيرات بغابة قريبة، الجثة كانت فى حالة تعفن كامل ولكن تم استدعاء زوجة هاريس للتعرف على الجثة، وهو ما حدث بالفعل، تمكنت الزوجة من التعرف عليه من ملابسه، فى حين انتهى الطب الشرعى إلى وفاته نتيجة لطلقتين فى الرأس من الخلف، ما غير كل شىء. بعد أسبوعين من العثور على الجثة، ألقى القبض على ميتشل أثناء محاولة السطو المسلح، وحينما أدرك ميتشل أنه من الممكن أن يتم الحُكم عليه فى هذه الجريمة، بل قد توجّه له تهمة قتل هاريس بعد العثور على جثته، وهو ما كان سيحدث بالفعل؛ حيث اكتشف المحققون أن الطلقات التى عثر عليها فى رأس هارى تطابق السلاح المصادَر من ميتشل فى وقت سابق، رأى أن أفضل ما يمكن أن يقوم به هو التفاوض مع المحققين حول صفقة اعتراف والإدلاء بمعلومات، وهو ما وافق عليه المحققون. اتهم ميتشل بالمبو وفيلبس بالتأمر لقتل هاريس، وبتهديده بالقتل إذا ما حاول أن يفتح فمه، وبتسليمه أداة الجريمة لإخفائها وإنه حينما أراد استخدام المسدس فى سطو مسلح قبض عليه وصودر السلاح، وعن الدافع للجريمة أفاد بأن بالمبو المنتمى لأسرة من المافيا كان مستاءً من هاريس لتعدى الأخير على منطقة نفوذ ابن عمه زعيم المافيا وقيامه بجرائم سطو مسلح، ما أعدته عائلة بالمبو إهانة وعلى الفور قرروا قتل هاريس، بمساعدة فيلبس، ورُغم عدم وجود ابن عم لبالمبو يطابق ذلك الوصف، وعدم انتماء عائلة بالمبو للمافيا؛ فإن المحققين قرروا تقديمهم للمحاكمة.

فيلبس فى أثناء توريطه بتلك الجريمة من قبل ميتشل، كان بالسجن، يقضى فترة سجنه فى جريمة سطو مسلح أدين بها رغم تأكيده على براءته منها مرات كثيرة، ولكن بالنهاية استسلم وقرر أن يقضى فترة سجنه ويخرج سريعًا للعالم.

استفاض ميتشل فى وصف الأحداث وكيف أنهم جميعًا كانوا معًا فى الحانة وقرر بالمبو وفيلبس الذهاب لقتل هاريس، وإنهم أكدوا أن عليه أن يتأكد من موته فى حالة تحدث لأحد بهذا السر، وكانت مكافأته على صمته السماح له بالعمل مع المافيا حتى لا يتعرض للقتل مثل هاريس.

تم الحُكم على بالمبو وفيلبس بالسجن المشدد مدى الحياة، رفض فيلبس أن يعترف بهذه الجريمة وأصر على براءته وعدم علمه بأى من تلك الادعاءات وعدم معرفته نهائيّا بميتشل أو بالمبو أو حتى المغدور هاريس، إلّا أن الحكم قد صدر بالفعل بناءً على شهادة هذا المجرم، ورغم عدم وجود أى أدلة فعلية تربط فيلبس بالجريمة.

حاول عدة مرات فيلبس أن تعاد محاكمته ولكن قوبلت بالرفض فى كل مرة، كما حاول بالمبو أن تعاد محاكمته عدة مرات بناءً على معرفته بالصفقة التى قام بها ميتشل مع الادعاء لإخراجه من القضية مقابل الزج ببالمبو وفيلبس إلّا أن كل ذلك لم يضمن لهم إعادة المحاكمة.

فى عام 2020 بعد مرور 40 عامًا من إنكار بالمبو للجريمة، قرر أخيرًا الاعتراف بالحقيقة أملًا فى العفو،  ويا لها من حقيقة مفجعة، أثناء سجن بالمبو وميتشل ونمو صداقتهما، كانت والدة ميتشل مستاءة من هاريس لقيامه بسرقة مبلغ مالى منها، وحينما أبلغت ابنها توعد هاريس بالقتل، واتفق مع بالمبو على مساعدته فور خروجهما من السجن، وفى يوم الجريمة، أقنع ميتشل القتيل بالخروج معه للقيام بسطو مسلح لأحد المتاجر، ومرّا على بالمبو الذى جلس فى المقعد الخلفى فى السيارة التى يقودها هاريس، وبعد وصولهم لمنطقة هادئة قام ميتشل بإطلاق النار على هاريس وبعد تأكدهما من موته قاما بإخفاء الجثة فى الغابة.

حينما سأله المحقق عن فيلبس ودوره فى هذه الجريمة قال، لا دور له، لم يكن أبدًا صديقًا لنا ولا نعرفه، اتهم فيلبس فى جريمة سطو مسلح قام بها ميتشل؛ حيث أخطأ المجنى عليه واختار فيلبس من بين المعروضين فى طابور العرض بدلا من ميتشل، وهكذا عرف ميتشل بأمر فيلبس.

تمت إعادة محاكمة فيلبس وخرج من السجن فى 2017، حُكم له بتعويض قدره مليون ونصف المليون دولار نظير بقائه فى السجن طوال هذه المدة، ولاتزال قضية التعويض بخصوص الاتهام الخاطئ فى قضية السطو المسلح لم يحكم فيها حتى الآن.

فيلبس، كان فنانًا مفعمًا بالإحساس، حول فترة وجوده بالسجن إلى رسومات جميلة، كان يرسم لوحات يبيعها للمساجين لإهدائها لعائلاتهم، والآن هو من أشهَر الرسامين الأمريكيين إبداعًا، ويتهافت على شراء لوحاته الكثيرون.