الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

طعنة الخرطوم

«سنبدأ ملء سد النهضة اعتبارًا من يوليو المقبل.. الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذى يُبنى به سد النهضة مالنا ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه».. هذا ما أعلنه وزير الخارجية الإثيوبى غيتداحشو اندراجو فى مؤتمر صحفى، منذ أيام، متحديًا كل الحقوق التاريخية لمصر فى نهر النيل، وهو ما يؤكد أن أديس أبابا لا تريد التوقيع على أى اتفاق للتعاون، وترغب فى استكمال تشييد السد، ثم التصرف فى ملئه وتشغيله، بزعم أن ذلك أمر سيادي. . وفى المقابل، ردت القاهرة على لسان سامح شكرى وزير الخارجية، برفض البيان الإثيوبى، وأكدت أنه يتجاوز قواعد القانون الدولى، ويخالف ما تعهدت به إثيوبيا فى اتفاق المبادئ من عدم بدء ملء السد، إلا عند الوصول إلى اتفاق مع مصر والسودان حول قواعد التشغيل.



وتابع شكري: «لا يمكن لإثيوبيا بأى حال من الأحوال أن تقدم على الملء من دون اتفاق. ومصر تؤكد باستمرار على رغبتها فى الوصول للاتفاق ويجب على الجانب الإثيوبى الانخراط فى هذا المسار».. لغة شكرى «القوية» واستخدام لفظ «لا يمكن لإثيوبيا» مثلت تغييرًا كبيرًا فى لغة الخطاب الدبلوماسى المصرى، تجاه القضية وهو يعنى أن القاهرة لن تسمح بأى مساس بحقوقها تحت أى ظرف.. وفى أعقاب ذلك، تحركت القاهرة فى دائرتها العربية، ولجأت إلى جامعة الدول العربية بحثًا عن دعم عربى فى مواجهة التعنت الإثيوبى فى مفاوضات سد النهضة، وكان لها ما أرادت حيث أصدرت الجامعة قرارًا داعمًا لحقوق مصر التاريخية لكن جاءت الطعنة من الشقيقة الجنوبية السودان بالتحفظ عليه. 

ماذا حدث؟ 

نص قرار الجامعة العربية على «رفض أى مساس بالحقوق التاريخية لمصر، ورفض أى إجراءات أحادية تمضى فيها إثيوبيا، وأكد على ضرورة التزام إثيوبيا بمبادئ القانون الدولى» وذلك فى ختام الدورة الـ153 لمجلس الجامعة، ورحب القرار باتفاق ملء سد النهضة الإثيوبى الذى أعدته الحكومة الأمريكية، مشيرًا إلى أن مشروع الاتفاق الذى طرحته أمريكا والبنك الدولى «عادل ومتوازن ويحقق مصالح البلدان الثلاثة»، لكن تحفظت الخرطوم على مشروع قرار مجلس وزراء الخارجية العرب. 

ورغم أن مصر أبلغت السودان مسبقًا بمشروع القرار للتشاور وأكدت أنه يدعم موقف دولتى المصب «مصر والسودان» لكن الخرطوم لم تبد تحمسًا للقرار خلال المناقشات رغم التأييد العربى الواسع له من مجمل الأطراف العربية، ولم تكتف بذلك ولكنها أصرت على عدم إدراج اسم السودان فى القرار، بل وأكدت الخرطوم أن القرار ليس فى مصلحته ولا يجب إقحام الجامعة العربية فى هذا الملف، وأبدى تخوفه مما قد ينتج عن هذا القرار من مواجهة عربية إثيوبية» بحسب قوله.. ويمكن القول أن الخرطوم سعت «لإفراغ مشروع القانون من مضمونه»، حيث تمسكت بموقفها المتحفظ من مشروع القرار، وقصر مشروع القرار على حماية المصالح المائية لمصر، ونجحت مصر فى نهاية الجلسة فى اعتماد مشروع القرار دون تعديل، مع تسجيل السودان تحفظه رسميًا.

 لماذا السودان؟ 

قبل الإجابة تتوجب الإشارة إلى دعوة الخرطوم يوم الخميس الماضى  إلى التنسيق والتعاون العسكرى وتبادل المعلومات مع إثيوبيا، لضمان الاستقرار والأمن ومكافحة الإرهاب وتأمين الحدود، وذلك خلال لقاء جمع وزير الدفاع السودانى، الفريق أول جمال الدين عمر، بالعاصمة الخرطوم، وفدًا عسكريًا إثيوبيًا برئاسة نائب رئيس الأركان الجنرال برهان جولان.

جاء ذلك بعد أن  سلم المسئول العسكرى الإثيوبى رسالة تضامن ومؤازرة إلى رئيس الوزراء السودانى عبدالله حمدوك، مع نظيره الإثيوبى آبى أحمد، عقب تعرض «حمدوك» لمحاولة اغتيال الاثنين قبل الماضى .. وفى أغسطس الماضى، أعلن السودان وإثيوبيا التوصّل لاتفاق ثنائى لنشر قوات مشتركة على حدود البلدين، لمنع النزاعات والتوترات.. وعلى صعيد موازٍ للعلاقات العسكرية القوية، يرى الخرطوم أن سد النهضة لا يمثل أى ضرر عليه بل ربما يكون له منافع، والسودان تبحث عن الاستفادة من الجميع، ومن وجهة نظرها فالسد يحقق مزايا عديدة لها، ولا يؤثر عليها فى شىء مهما كانت أبعاده من حيث الحجم وسعة التخزين، ومن ثم فالسودانيون دائمًا يؤكدون تقبلهم لأى مفاوضات بين مصر وإثيوبيا.. وبكلمة أخرى، ترى السودان أن مصر هى دولة المصب الفعلية وليست السودان التى يمر بها النهر، ومن ثم فهى تحصل على نصيبها كاملًا من المياه، كما أن سد النهضة يحقق منفعة للسودان مماثلة لما يحققه السد العالى لمصر، حيث إنه يبعد 15 كيلو من الحدود السودانية، ناهيك أن الزمام الذى تتم زراعته على النيل الأزرق، والذى كان يزرع عليه محصول واحد سنويًا لعجز تدفق المياه، سيتم زراعته بمحصولين بعد بناء السد، لأن المياه ستتدفق فى النيل الأزرق طول العام، إضافة إلى الطمى الذى يتراكم أمام السدود السودانية والذى سينخفض للغاية، دون أى أعباء مادية، حيث تتكبد السودان 12 مليون دولار سنويًا لعملية التطهير أمام السدود، ومن ثم سيتم توفير هذا الرقم».  ولا يقتصر الأمل السودانى على التعاون المائى مع إثيوبيا حيث تتطلع الخرطوم إلى أن يكون الاتفاق على السد مدخلًا للتعاون الإقليمى فى مجالات الصناعة والطاقة والأمن الغذائي،  لكن يبدو أن الجميع لم يفكر فى احتمال انهيار السد وهو ما ينذر بكارثة لأن الماء المقرر تخزينه يعادل 76 مليار متر مكعب، وهو ضعف المياه الجارية على حوض النيل الأزرق، وقد يمسح هذا الانهيار كل المدن والقرى على ضفاف النيل الأزرق والنيل الرئيسى وأجزاء من قرى النيل الأبيض.. وتتمثل النقطة الخلافية الرئيسية حاليًا بين إثيوبيا والصياغة الأمريكية للاتفاق الذى عقد مؤخرا فى واشنطن، ووقعته مصر بالأحرف الأولى وغابت إثيوبيا ولم توقع السودان، فى اقتراح ضمان تمرير 37 مليار متر مكَعَّب من المياه لمصر فى أوقات الملء والجفاف، كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا وهو 32 مليارا وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث. وهنا يأتى الشرط الذى يغضب الإثيوبيين، فمن وجهة نظرهم يتطلب تمرير 37 مليار متر مكعب فى أوقات الجفاف الصرف المباشر من بحيرة سد النهضة وعدم تمكنها من الحفاظ على منسوبها عند 595 مترًا لضمان التوليد المستديم وغير المنقطع من الكهرباء لمدة 7 سنوات على الأقل.

كما أن هناك اتفاقا فنيا بين السودان وإثيوبيا على ضرورة إبقاء منسوب المياه فى بحيرة سد النهضة أعلى من 595 مترًا فوق سطح البحر، لتستمر قدرته على إنتاج الكهرباء، وهو ما ترى القاهرة أنه غير عادل إذا انخفض مقياس المياه فى بحيرة ناصر عن 165 أو 170 مترًا. وشكّل هذا الأمر مصدرًا لخلاف آخر بين مصر من جهة والسودان وإثيوبيا من جهة ثانية، لأنهما لا يرغبان فى الربط بين مؤشرات القياس فى سد النهضة والسد العالى،وسط تأييد الخزانة الأمريكية للطلب المصري.