الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

نافذة على التواصل الثقافى

قارة من ذهب

«إن مصر هبة النيل للمصريين، وهبة المصريين للإنسانية، مصر العربية بعبقرية موقعها وتاريخها قلب العالم كله، فهى ملتقى حضاراته، وثقافاته، ومفترق طرق مواصلاته البحرية واتصالاته، وهى رأس إفريقيا المطل على المتوسط، ومصب أعظم أنهارها النيل» كما ورد فى دستور 2014- وتتمتع قارة إفريقيا وهى قارة من ذهب بالثروات الطبيعية، والموارد الاقتصادية الغنية، وتشتهر القارة بمواردها المائية حيث يجرى فيها 13 نهرا هى : زامبيزى، شيرى، بونجولا، لونجوا، أوجوى، ساند، ليبمبوبو، روفيجى، أوكافانجو، مارا، فكتوريا، النيل، أوليفانتيس»، وأطولها نهر النيل، إضافة إلى ارتفاع معدلات سقوط الأمطار فى بعض مناطقها المناخية المتنوعة ومخزونها الضخم من المياه الجوفية. 



 

تاريخ وإرث حضارى

وتشير الدراسات إلى قوة وأهمية العلاقات المصرية الإفريقية استنادا إلى هوية مصر الإفريقية – الموقع الجغرافى لمصر شمال وشرق إفريقية، التاريخ والإرث الحضارى المشترك، وقد بدأت العلاقات المصرية الإفريقية منذ زمن الفراعنة، وتشير النقوش الأثرية على جدران المعابد الفرعونية إلى عصر الملكة المصرية «حتشبسوت» التى أرسلت البعثات التجارية إلى بلاد بونت «الصومال» حاليا، وإريتريا، وبلاد الحبشة ثم جاء «بطليموس» وقام برحلة استكشافية رسم خلالها خريطة لمجرى النيل حتى مدينة «مروى»، كما وصف فى رحلته هذه نهر «عطبرة»، والنيلين الأبيض والأزرق، وتواصلت هذه الاستكشافات فى عهد محمد على باشا فوصلت إلى خط عرض 4 جنوب خط الاستواء. 

التواصل الثقافى 

ويمثل البعد الثقافى للعلاقات المصرية الإفريقية بعدا مهما له تاريخ فقد عاش فى رحاب الأزهر الشريف العديد من علماء القارة الإفريقية أمثال «ابن خلدون» «تونس»، والجبرتى «إريتريا»، والزيلعى والهررى «الصومال»، والتكرورى «غرب إفريقية»، كما حملت أروقة الأزهر أسماء بعض الجاليات الإفريقية مثل رواق «التكرور» ورواق «المغاربة»، ورواق «البوروندية» ورواق «الجبرتة»، ورواق «الزيالعة»، ورواق «الغور»، ورواق «السنارية»..

وفى العصر الحديث هناك العديد من البعثات من الأزهر إلى إفريقية بلغ بين عامى 2011 -2012 حوالى 641 مبعوثا.

وتمثل مدينة البعوث بالأزهر مكانا مهما يعبر عن التواصل المباشر مع الطلاب الأفارقة. كما تم افتتاح معهد الدراسات الإسلامية فى الصومال عام 1953.

وتشير الأدبيات السودانية إلى أن أكثر من 40 من مشايخ أول القرن العشرين الذين كانوا يقودون الحركة العلمية الدينية بالسودان قد تخرج فى الأزهر. 

ويشير الدارسون كذلك إلى الروابط التاريخية التى تجمع بين الكنيسة المصرية ونظيرتها فى كل من السودان وأثيوبيا وإريتريا علاوة على دورها التاريخى فى ربوع القارة عبر قرون عدة، وذلك من خلال البعثات والزيارات الرعوية، ومن خلال ترجمة كتب الصلوات والقُداسات إلى 17 لغة إفريقية وترجمة أعمال الكنيسة للغات الإفريقية. 

 وهناك إسهامات مصرية عديدة فى مجال التعليم والبحث العلمى فقد أسهمت مصر فى تأسيس جامعة «أم درمان» بالسودان، وفى عام 1953 افتتح فرع جامعة القاهرة بالخرطوم وضم كليات الآداب والحقوق والتجارة، كما تم افتتاح جامعة «سبخور» الإفريقية عام 1990 كمنارة ثقافية وعلمية فى إفريقية.

كما أن هناك العديد من مراكز البحث المعنية بالشئون الإفريقية فى مصر مثل معهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، وبرنامج الدراسات الإفريقية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومركز التنسيق والتعاون مع إفريقية بالهيئة العامة للاستعلامات. 

رمضان قرنى «آفاق التعاون الثقافى والإعلامى بين مصر وقارة إفريقية»، مجلة «آفاق إفريقية»، العدد 43 -2015، ص 143-ص155».

كما يذكر فى مقالته دور شبكة الإذاعات الموجهة فى دعم العلاقات المصرية الإفريقية وقد بدأ عمل الإذاعات الموجهة فى الرابع من يوليو 1954وذلك بافتتاح إذاعة صوت العرب، والتى بدأت بعد ذلك بالبث باللغات الإفريقية المحلية، خاصة منطقة شرق إفريقية، واللغة التيجرينية عام 1954، ثم اللغة الأمهرية عام 1955 والصومالية عام 1957 ثم تلا ذلك الإنجليزية والفرنسية، والعربية، والعبرية، والهوسا، والفولانى.

كما قامت مصر عام 1965 ببث إذاعة بلغة «الزولو» للمتحدثين بها فى جنوب إفريقية لمكافحة الاستعمار، ومواجهة سياسات الفصل العنصرى، وتغطى الإذاعات المصرية عموم قارة إفريقية حيث تبث لمدة 19 ساعة يوميا فهناك برامج موجهة تذاع لغرب إفريقية بخمس لغات وطنية وهى «الهوسا والفولانية» إضافة إلى الإنجليزية والفرنسية والعربية، وفى شرق إفريقية توجه البرامج لتلك المنطقة بأربغ لغات وطنية وهى «السواحيلية، والأمهرية، والصومالية، والعفرية» إضافة إلى اللغة الإنجليزية.

إذاعة وادى النيل 

وجاءت إذاعة وادى النيل امتدادا لإذاعة ركن السودان التى بدأت بثها فى أكتوبر عام 1948، حيث تعد إذاعة وادى النيل التى تعبر عن ثقافة شعبين، كونها تمثل خصوصية العلاقات بين شعبى وادى النيل «مصر والسودان».

أما إذاعة «ركن السودان»فقد أسسها أحمد توفيق البكرى «سودانى»، ومحمد المعتصم سيد «مصرى»، ثم الإذاعى إيهاب الأزهرى، والإذاعية ثريا جودت ثم الإذاعى يوسف بدير، وفؤاد عمر الذى كان آخر مدير لإذاعة ركن السودان، وأول مدير لإذاعة وادى النيل. 

«الطيب قسم السيد : «إذاعة وادى النيل – الماضى والحاضر ورؤى المستقبل»، مجلة «آفاق إفريقية، عدد 43 لسنة 2015، ص 163

 الأثر المصرى فى أدب دول حوض النيل

ويشير الدارسون إلى الأثر المصرى فى الأدب السواحيلى، كما أن أقدم مخطوط سواحيلى مكتوب بالخط العربى، وهو عبارة عن ترجمة قصيدة «الهمزية» للشاعر المصرى أبى عبدالله محمد بن سعد البوصيرى وأن السواحيليين من أهل الساحل من ممباسا، ومالينندى، ولامو لا يزالون مولعين بسماع القرآن الكريم من الشيوخ المصريين، أمثال عبدالباسط عبدالصمد، والحصرى، إلى جانب حبهم للغناء المصرى؛ خصوصًا لصوت أم كلثوم، وصوت عبدالوهاب.

وقد أشار إلى ذلك كل من د.محمد على نوفل، وأيمن الأعصر فى بحثهما عن الأثر المصرى والعربى فى دول حوض النيل.

(على عبده محمود: « مؤتمر اللغة والهوية فى إفريقية فى ضوء المتغيرات الراهنة»، مجلة آفاق إفريقية، عدد 2015،43،صـ163 صـ182)

 بوابة مصر إفريقية

وقد أطلقت هيئة الاستعلامات فى مصر بوابة إلكترونية بعنوان : «بوابة مصر – إفريقية» بتسع لغات من بينها لغات إفريقية، وكذلك بالعربية، وبالإنجليزية، والفرنسية، والسواحيلية، والهوسا، والأمهرية «لغات إفريقية»، وكذلك تبث بالبرتغالية، والإسبانية، والصينية وتنشر البوابة قاعدة معلومات واسعة – يتم تحديثها على مدار اليوم عن جميع الدول الإفريقية فى السياسة والاقتصاد والمجتمع والأخبار والرياضة والثقافة والفنون والآداب، وأبرز الشخصيات فى كل المجالات، وكذلك هناك باب عن الاتحاد الإفريقى ومؤسساته ودراسات عن القضايا والشئون الأفريقية، وكذلك تصدر الهيئة العامة للاستعلامات دورية «آفاق إفريقية» وتعنى بالشأن الإفريقى فى جميع المجالات. 

(عبدالمعطى أبوزيد: «مصر فى إفريقية»، مجلة «آفاق إفريقية» عدد 48، 2019)

 إبداع أبناء النيل 

وقد تألقت على صفحات المجلات الأدبية المصرية منذ ستينيات القرن الماضى أصوات شعرية فذة تغنت بإفريقية، ومصر فى القلب منها، فنشرت هذه المجلات للطيب صالح واحتفت بكتاباته، وقصصه، واستلهم هو قصة حياة شخصية مصرية عرفها فى لندن فى روايته «منسى إنسان نادر على طريقته» وكان الطيب صالح محبًا لتفاصيل الحياة المصرية اليومية والتى تبدت فى هذه الرواية، وقد حصل الطيب صالح على جائزة الرواية من المجلس الأعلى للثقافة عن مجمل أعماله.  كما نشرت المجلات الأدبية المصرية منذ الستينيات للشعراء: محمد الفيتورى، وجيلى عبدالرحمن، ويحيى النور عثمان «من السودان». وقد كان من بين هؤلاء الشعراء محمد الفيتورى الذى ولد فى السودان، ودرس فى مصر فدرس بكلية العلوم بالأزهر الشريف وقد لُقب محمد الفيتورى بعاشق إفريقية فهو شاعرها الذى أصدر عدة دواوين فى محبة قارة من ذهب. وقد حصل أبناء النيل بإبداعهم المتألق جوائز نوبل للآداب فقد حصل «وول سوينكا» من نيجيريا عام 1986 عليها، وكان يكتب الرواية والدراما والشعر من منظور ثقافى واسع، وذى صبغة شعرية مهمة.  وحصل عليها نجيب محفوظ عام 1988 من خلال أعماله التى أثرت فى فن السرد العربى ووصلت به من المحلية إلى العالمية. 

كما حصلت عليها «نادين جورديمر» من جنوب إفريقية وهى تكتب – بالإنجليزية كتابات مناهضة لنظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقية، ومن كتاباتها: «ابنة بيرعز»، و«شعب يوليو»، و«لا وقت كالوقت الحاضر».

جائزة نوبل للسلام

كما حصلت إلين سيراليف رئيسة ليبيريا السابقة على جائزة نوبل للسلام عام 2011 تقديرًا لدورها فى تعزيز السلام والديمقراطية، وتعزيز وضع النساء، ودعم المساواة، وتوقيعها قانون حرية الصحافة والإعلام، وكانت قد تولت الحكم من عام «2006-2017»، وفى عهدها عملت على إعمار ليبيريا، ومحاربة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادى للبلاد. 

ومن الجدير بالذكر أن المرأة فى بعض البلاد الإفريقية قد وصلت إلى أرفع المناصب القيادية بل حكمن بلادهن، ومنهن جويس باندا رئيسة مالاوى السابقة التى تولت الرئاسة بأغلبية ساحقة عام 2012 بعد مسيرة مشرفة من الدفاع عن حقوق المرأة. 

كما تولت كاترين بانزا رئاسة دولة إفريقية الوسطى خلال الفترة الانتقالية ما بين عامى 2012-2014، واستطاعت استعادة السلام والاستقرار فى بلادها مدافعة عن حقوق الإنسان. 

«إفريقيةت فى سُدة الحكم»، الأهرام 

«هدير الزهار : 5 مارس، 2020»

ولا يزال التعاون والتواصل الثقافى وجهين لتنمية العلاقات المصرية الإفريقية، ومنها برامج عديدة تحت رعاية مجلس الوزراء فى مصر لزيادة الوعى الإفريقى داخل الجامعات بالتعاون مع جامعة حلوان، والمنظمات الإفريقية الممثلة فى مفوضية الاتحاد الإفريقى بأديس أبابا، واتحاد الشباب الإفريقى. 

وفى الصفحات القادمة إطلالة على الأدب الإفريقى الذى يتميز بالغزارة والصدق إذ يُعد منبعا ثريا، وخصبًا مُعبرًا عن الحياة الثقافية والاجتماعية، ومنه المكتوب باللغة العربية، والمترجم عن الإنجليزية حيث تمثل الترجمة محورًا مهمًا فى التواصل الأدبى والثقافى.