الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أسمهان وفريد وسهرات طلعت حرب!

أسمهان وفريد وسهرات طلعت حرب!

 كل الطرق تؤدى إلى «طلعت حرب»، ومع كل طريق حكاية وقصة وأسرار تكشف عن جوانب كثيرة من زعيم مصر الاقتصادى!!.. وكل من عرف طلعت حرب  واقترب منه احتفظ له بحكايات وذكريات لا فرق فى ذلك بين رجال السياسة والأحزاب أو رجال ونساء أهل الفن، وكان هؤلاء بالتحديد يذكرون طلعت حرب بكل الخير ولا ينكرون دوره فى مساندتهم ومؤازرتهم خاصة  عندما كانوا فى بداية الطريق الفنى!!



 

 

من هؤلاء على سبيل المثال «الموسيقار والمطرب» فريد الأطرش وشقيقته المطربة الكبيرة «أسمهان»، وفى مذكرات فريد الأطرش التى أعدها للنشر الصحفى الكبير الأستاذ «فوميل لبيب» بعنوان «لحن الخلود» يقول فريد: 

 

 «طار صيتنا وأصبحنا موضع الحفاوة من علية القوم، ودعانا طلعت حرب باشا  إلى عزبته فى القناطر الخيرية، ولم يكن طلعت باشا، أى باشا فى ذلك العهد، فقد كان مؤسس النهضة الاقتصادية، وحامل لواء الثقة بالعقل المصرى والكفاءة المصرية، وهو الذى أنشأ ستديو مصر  معقلا لصناعة السينما، وفى يده ولا شك مفاتيح المجد ووثائق الخلود لكل فنان!

 

وكان تخميننا لسر دعوته لنا صادقا، قدرنا إنه يريدنا لحفلة وهذا الذى حدث، وفاجأنى بقوله: والحفلة غدا!!

 

غدًا.. غدًا ؟! قلناها أسمهان وأنا فى صوت واحد، فاجأنا وهو يعنى ما يقول : بل وأريد أن أسمع شيئًا جديدًا!

 

وكان فى الجعبة الكثير، غير أننا استدعينا فرقة موسيقية ظلت معنا طوال الليل فى تدريبات متواصلة على قديم الأغانى وجديدها.

 

وكنا نقدر أن صداقة طلعت حرب باشا فاتحة خير وطريق مجد وليد.. ولما غنينا عنده أحاطنا بالحنان كله وعاملنا كأبناء له.. 

 

 وكان يدعونا إلى قصره كثيرًا لأنه كان قد بدأ يستسلم للمرض وعناء السنين.. وكان ثقيل الحركة ولا يتنقل من مقعد إلى مقعد إلا وهو يعتمد على أسمهان، وكان شفاف الروح عبقرى الخاطر تطيب له الفكاهة فيتبارى فيها معنا، وأيما نكتة تضحكه فإنه يدفع خمسة جنيهات!

 

والمكافأة الكبرى أن يأخذنا معه  إلى عزبته فى مطاي، فنمضى فى أحضان الطبيعة أياما هانئة، فإذا كان الليل اجتمع لطلعت باشا علية القوم من أطراف الإقليم فنغنى لهم. 

 

 وكان يسعدنى فى تلك الليالى أننى كنت أسمع فولكلور  الصعيد من أغنيات قديمة لها إيقاع عذب، ووجدت تشابها كبيرا بين فولكلور العرب فى كل مكان «إنه يتغنى دائما بالبطولة ثم يمضى إلى العشاق يكويهم الغرام أو يقتلهم قتلا».

 

 بهذه السطور القليلة للفنان فريد الأطرش يروى جانبا من القصة مع طلعت حرب لكن جوانب وتفاصيل أخرى رواها البعض من الأساتذة الصحفيين الذين اهتموا بهذا الجانب!!

 

 على صفحات جريدة الجريدة الكويتية سلسلة صحفية رائعة بعنوان «صوت الحب والأنس والطرب» عن أسمهان فى أكثر من عشرين حلقة، كان عنوان الحلقة رقم 12 بعنوان «أميرة الأحزان أسمهان تفضل أقراص الطعمية على وليمة طلعت باشا» «بتاريخ 14 سبتمبر سنة 2008»

 

تقول سطور التحقيق الرائع: «كان طلعت باشا حرب  بدأ بتشغيل استديو مصر على نطاق واسع، ومنذ بداية إنشائه ليضم عام 1939 جيشًا كبيرًا من الفنانين والفنيين  والعمال، مصريين وأجانب وأصحبت لديه مشاريع فنية كثيرة بعد المشاريع الاقتصادية العملاقة فى النواحى كافة».

 

 كانت الأيام السعيدة بدأت عندما تعرفت «أسمهان» و«فريد» إلى «طلعت حرب باشا» الذى قدمهما إلى الموسيقيين والملحنين والإذاعة وشركات الاسطوانات ومنهم «تيودور خياط» و«وبيصافون» وأخيرا «مصر فون»!

 

وأصبح منزل العائلة فى جاردن سيتى مركزا لانطلاق الألحان وأصبحت زيارات  الملحنين لا تنقطع والآمال والمشاريع تطرح على أسمهان بغزارة، إلا أنها كانت ترفض غالبية تلك المشاريع، لكن فؤاد شقيقها لم تعجبه تلك الحياة الصاخبة والأضواء ومشاريع المستقبل لأسمهان فى السينما والمسرح مع الرجال المرموقين مع منتجين ومخرجين وملحنين ويرى أنهم جميعا طامعون بها وبأنوثتها ورقتها، والأهم بصوتها الذهبى المعجزة. 

 

 ويمضى التحقيق الصحفى فيروى هذه الحكاية الغريبة بين أسمهان وطلعت حرب فيقول:  «اتسعت علاقات أسمهان بالباشوات وكبار الشخصيات فى الدولة لكن شخصيتها وتصرفاتها المتناقضة ظلت كما هى : 

 

 وكان «طلعت باشا حرب» يعتبرها مثل ابنته تماما، إلى درجة أنه كان يدعوها دائما بلقب «ابنتى أسمهان» وكان يحاول أن يقدم لها كل ما يلزمها من مساعدات كى تتسع دائرة شهرتها، فقد رأى فيها ما لم يره غيره، وتنبأ لها بمستقبل كبير تحت رعايته ورعاية استديو مصر. 

 

 وفى الوقت نفسه بنى عليها آمالا كبيرة ولم يكن يمر يوم تقريبا من دون أن يلتقيا أو يتهاتفا فيبادرها قائلا : 

 

 ثلاثة أيام لم ارك ولم اسمبع هذا الصوت الجميل ؟!

 

معك حق أنا فعلا مقصرة، لكنى  أعرف أخلاقك الكريمة فى التسامح!

 

 نعم أنت ابنتى لا يمكن أن أغضب منها، لكن ماذا أفعل فأنت توحشيننى!

 

وأنت أيضا يا باشا!

 

 - طب إيه رأيك تأتين اليوم ونتناول معا العشاء، فهناك وليمة كبيرة اليوم واجب أن تشرفيها بالحضور ؟!

 

-لا ليس اليوم، لكن إذا كان ولابد فليكن غداء وسيكون لى طلبات خاصة!

 

 نُفذت الطلبات مقدما، بقى أن نعرف ما هي؟!

 

تقول أسمهان بصراحة وحشتنى الأكلات المصرية الجميلة بامية الطاجن بلحم الضأن وورق العنب، والكبيبة الشامية وحشتنى جدا أيضا، على أن نتناول الغداء مع مجموعة من الأصدقاء المشتركين لنا ؟

 

بس كده، كل ما طلبت وأكثر فى انتظارك غدًا على الغذاء 

 

يلبى طلعت حرب باشا رغبتها ويأمر الطهاة بأن يعدوا الوليمة التى طلبتها، ويتصل بعدد من الباشوات وأصحاب السعادة الذين حددت أسمهان أسماءهم ويدعوهم إلى الغداء! ••

 

واليوم التالى حضر الباشوات وأصحاب السعادة الأصدقاء المشتركون بين أسمهان وطلعت باشا، جلس الجميع فى انتظار حضور أسمهان لكنها لم تحضر.. طال الانتظار وغضب طلعت باشا وتصور أن الموعد أحد مقالب أسمهان التى عادة ما تفعلها مع بعض المقربين منها.   اتصل ببيت الأسرة فرد عليه شقيقها «فؤاد» فسأله بعصبية :

 

أين المجنونة بتاعتكم ؟!

 

- تقصد  مين يا باشا ؟!

 

 هل لديكم مجانين آخرون، أسمهان طبعا أين ذهبت فالجميع فى انتظارها على الغداء، وقد أعد لها الطاهى ما طلبته بنفسها ولم تأت.

 

خرج «فؤاد» يبحث عنها وتذكر أنها قالت له أنها سوف تذهب إلى إحدى صديقاتها وهو يعرفها جيدا ويعرف مكانها، فذهب يبحث عنها فوجدها هناك تلعب معها ومجموعة من الأصدقاء الورق، وإلى جانبها طبق مملوء بأقراص الطعمية التى كانت تلتهمها بشهية وهى تواصل اللعب. 

 

 قال فؤاد بغضب. أنت هنا تلعبين و«طلعت باشا» ينتظرك؟!

 

ردت أسمهان بغير اكتراث، وماذا يريد منى طلعت باشا ؟!

 

رد وهو يحاول أن يتمالك نفسه: ألم تطلبى إليه بالأمس أن يعد لله أطباقا من الكبيبة الشامية وبامية الطاجن وورق العنب وأن يدعو إلى المائدة أصدقاء لكما؟!

 

ردت وهى تواصل اللعب: هذا كان بالأمس، أما اليوم فإننى أريد أن أكل الطعمية وهى لذيذة جدا كما ترى ؟

 

حاول فؤاد أن يمازحها لعلها تخجل وتقوم معه: طعمية طعمية يا سمو الأميرة آمال!!

 

توقفت أسمهان عن اللعب ونظرت إليه : أنت الوحيد يا فؤاد الذى تذكرنى دائما بأننى أميرة كما أعشق هذا اللقب!

 

ثم تنتبه إلى اللعب مرة أخرى : مع ذلك أعشق أيضا الطعمية، هل تجربها يا فؤاد؟!

 

لم يرد عليها، فقد ضاق بردودها وتصرفاتها، واضطر أن يجذبها  بقوة كى تنهض وتذهب معه إلى طلعت باشا وكى لا تحدث مشاكل وصدام مع فؤاد وهى تعرف جيدا ماذا يمكن أن يفعل أمام الحضور، فقامت معه فورا وذهبت مرغمة. 

 

 استقبلها «طلعت باشا» وبقية الباشوات والأصدقاء بالترحاب  وكأن شيئا لم يحدث على الرغم من أن الغداء كان قد تحول إلى عشاء، حاولت «أسمهان» أن تمضى الليلة ولم تأكل شيئا مما طلبته، ربما تذوقت الكبيبة الشامية فحسب كى لا يلاحظ طلعت باشا أن أمرًا حدث».

 

وللحكاية بقية!