الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
محمد كريم وحكاية  17 شهرًا مع طلعت حرب!

محمد كريم وحكاية 17 شهرًا مع طلعت حرب!

عندما ذهب المخرج الشاب «محمد كريم» لمقابلة «طلعت حرب» فوجئ به يناقشه فى مقاله عن السينما، وقال له إنه يريد أن يرى جهوده فى السينما بصورة عملية، وطلب منه مقابلة «عبدالله أباظة» مدير شركة مصر للتمثيل والسينما.



وذهب «محمد كريم» لمقابلته وهو يحمل معه عدة مجلدات تروى جهاده فى مجال السينما، وقد أطلق عليها اسم «كفاحى»!

وهنا تبدأ حكاية «محمد كريم» مع شركة مصر للتمثيل والسينما بكل ما فيها من حكايات وكواليس!

يقول «محمد كريم» فى مذكراته البديعة «إعداد وتحقيق الأستاذ محمود على»:

«أخذ عبدالله أباظة يومين فى دراسة هذه المجلدات، ولكنه كان رجل مال وإدارة فوافق على العمل فى الشركة بعد أن وقعت تعهدا كان أشبه بشروط الدول المنتصرة عندما تمليها على دولة منهزمة.. فقد قبلت العمل فى شركتهم تحت التمرين بغير مرتب، وأن يكون من حق الشركة تكليفى بأى عمل أصلح له، ولا يترتب على ذلك من قبل الشركة أى التزام.. ومن حقها أن تستغنى عنى فى أى وقت! وبدون تنبيه أو إنذار سابق!

ومع غرابة هذه الشروط وقعت هذا التعهد، لقد كنت واثقًا من نفسى، فلم أتردد.

وفى الساعة الخامسة من نفس اليوم عدت إلى مقر الشركة، فاستقبلنى «عبدالله أباظة بك» وصعد معى إلى سطوح مطبعة مصر فى شارع الدواوين، وكان هذا السطوح مع خمس غرف هى مقر شركة مصر للتمثيل والسينما!

كان «جاستون مادرى» الفرنسى يعمل بها رئيس الفنيين، وكان «محمد عبدالعظيم» مسئولا عن العمل بجانب اشتغاله بالتصوير السينمائى و«حسن مراد» مصورا سينمائيا، وتوثقت صلتى بهما لأنهما كانا يتكلمان الألمانية.. هذا هو الابتداء المتواضع للشركة التى نمت فيما بعد، وحملت على كاهلها مسئولية السينما فى البلاد لردح طويل من الزمن»!

••

ويمضى «محمد كريم» قائلا: كان أول الأفلام التى بدأتها شريط عن «حديقة الحيوان» وافق المدير الإنجليزى على تصويره وبعد أسبوع من الدراسة، ذهبت مع «حسن مراد» لبدء العمل، فإذا بالمدير الإنجليزى رحل وحل محله مدير مصرى هو الدكتور «قدرى» الذى رحب ترحيبًا حارًا بهذه المهمة السينمائية!

وفى 15 يونيو 1927 بدأت العمل فى تصوير «حدائق الحيوان» وكان أشق ما واجهته وجود جمهور متناسق الأزياء، وليس هذا الخليط العادى الذى يتردد على الحديقة فرحت أقنع أصدقائى ومعارفى بالتوجه إلى الحديقة!

استغرق التصوير نحو شهر وبعد إعداده تماما حضر المرحوم «طلعت حرب» وشاهده وهنأنى وزملائى، فقد جمع الفيلم الثقافة إلى التسلية، وكان هدفى من العناية بالتفاصيل أن يعرض الفيلم فى الخارج كباكورة للعمل السينمائى المصرى ويكون دعاية طيبة للبلاد. كان هذا الفيلم هو فترة التجربة التى أرادت شركة مصر للتمثيل والسينما أن تختبرنى فيها وقد دعانى المدير بعدها وقال لى:

- يا كريم أفندى الشركة وافقت على التحاقك بها كمخرج وسنعطيك 36 جنيها مكافأة عن المدة التى عملتها بغير أجر مع مكافأة شهرية ثابتة قدرها 12 جنيهًا!

ورغم ضآلة المبلغ، فقد فرحت بهذا، لقد أثبت به أننى «مخرج» وأننى فى أول الطريق للعمل، وكان هذا الابتداء وحده يساوى فى نظرى ثروة طائلة!

مضت بضعة شهور كنت أشرف فيها على تصوير بعض كبار الزوار أو تصوير عملية جراحية دقيقة فى العين أجراها الدكتور «صبحى» طبيب الرمد الشهير، كما صورت شريط دعاية لشركة الغزل والنسيج بالمحلة، أقبلت بعده شركات كثيرة لعمل أشرطة مشابهة!

وعندما طلب منى عمل فيلم لمطبعة مصر كان الشريط مظلما وسألونى عن السبب؟!

قلت: لعدم وجود إضاءة كهربائية صالحة للسينما؟ فقالوا: ولماذا لم تفتح الشبابيك؟!

ولجأت إلى القلم كعادتى وكتبت فى أواخر أكتوبر سنة 1927 تقريرًا للعضو المنتدب للشركة ذكرت فيه كيف يجب أن يكون العمل فى شركة سينمائىة!! وألحقته بتقرير ثانٍ وثالث ورابع، وفى أوائل فبراير سنة 1928 دعيت لمقابلة «طلعت حرب».

قبل دخولى إليه استعرت طربوشا، فقد كان «طلعت حرب» يكره أن يقابل أحدا بغير طربوش، ولما رآنى طلب منى بحدة أن أكف عن كتابة التقارير، لأن الشركة تعرف ما تريد، ونصحنى بعدم التسرع وعدم الكتابة فى الصحف!

قلت: حاضر!

وخرجت.. خرجت وأنا فى غاية الضيق، فلم يكن يناسبنى بأى حال جهادى السينمائى إلى سطوح مطبعة مصر.

هذا كله ليس بالشيء الذى أريده «وقررت فى نفسى شيئا» أريد إخراج قصة سينمائية كاملة.. أخرجت أوراقى ومعها نسخة من قصة زينب وعزمت العمل على أن أبدأ العمل السينمائى الذى أنشده!!.

••

بعد ذلك يروى «محمد كريم» قصة إخراجه لفيلم زينب الصفحة الأولى فى كتاب السينما المصرية للمؤلف والكاتب الكبير «د.محمد حسين هيكل باشا» الذى رحب وأعطى محمد كريم تصريحًا كتابيًا بإخراجها دون أى مقابل!

ويواصل «محمد كريم» قائلا: حتى ذلك الوقت كنت لاأزال موظفًا فى شركة مصر للتمثيل والسينما، لقد قلت إن راتبى كان 12 جنيها فى الشهر ومع ذلك فقد وجدت أننى لا أستحق مليما واحدا من هذا المبلغ! فلم يكن هناك عمل أؤديه لشركة مصر، ورأيت أن أستقيل! وفى 4 أكتوبر سنة 1928 قدمت استقالتى من الشركة، بعد أن عملت بها نحو 17 شهرا.. كانت الشركة فى ذلك الوقت مصابة بالتخمة - لا فى العمل وإنما فى المديرين! فقد تقلب على إدارة الشركة خلال السبعة عشر شهرا خمسة مديرين هم بالترتيب: عبدالله أباظة بك و«سيد كامل»، وحسن موسى وسمير ذو الفقار بك»، و«كمال سامى البارودى بك».

وفى 15 أكتوبر جاءنى الكتاب التالى:

حضرة «محمد» محمد أفندى» كريم:

نخبركم إن استقالتكم من الشركة قبلت ونأسف لاضطراركم لترك العمل وذلك لما أظهرتموه من حسن السير والسلوك والدقة فى العمل طوال مدة اشتغالكم بالشركة. كان فيلم «زينب» أول فيلم يجرى تصويره وطبعه بماكينات ستديو شركة مصر، وقد قام زملائى الفنيون فى شركة مصر بجهد مشكور فى إنجاز العمل فى الفيلم، كان لا هم لهم جميعا إلا إعداد الفيلم على خير وجه.. وبلغ من تفانيهم وإخلاصهم للعمل أن اعتقدت الصحف - خطأ - أن فيلم «زينب» من إنتاج شركة مصر للتمثيل والسينما وحين كذبت إدارة الشركة هذه الأخبار عادت بعض الصحف إلى الزعم بأن الفيلم ينتج لحساب «طلعت حرب» الخاص، والواقع أن منتج الفيلم لم يكن شركة مصر ولا طلعت حرب إنما هو رمسيس فيلم الشركة السينمائية التى أسسها «يوسف وهبي»!

بعد ذلك يروى «محمد كريم» تجربته مع فيلم أولاد الذوات بطولة يوسف وهبى والذى تم عرضه فى مارس سنة 1932 ثم الوردة البيضاء بطولة محمد عبدالوهاب وهو اللقاء الأول لمحمد كريم مع عبدالوهاب ويقول محمد كريم:

كان الاتجاه إلى إخراج الفيلم فى ستديو «اكلير» بباريس ولكن «طلعت حرب» وكان على صلة وثيقة بعبدالوهاب طلب أن يخرج هذا الفيلم فى ستديو مصر وكان شرط عبدالوهاب للموافقة هو أن يكون الاستديو كامل المعدات وخصوصا ماكينات وأجهزة الصوت وهو ما يعنيه كفنان ومهندس الصوت كان المصرى «مصطفى والي» الذى ظل يقوم بهذا العمل فى برلين عشرين سنة حتى استدعاء «طلعت حرب» وهو الذى يسجل أغانى فيلم «وداد» لأم كلثوم وكان أول إنتاج ستديو مصر وقد ارتاح «عبدالوهاب» للتجارب التى سمعها.

••

واجه «محمد كريم» عشرات الصعوبات وعلى حسب قوله: لم يكن بنك مصر يبخل على العمل بالمال ولكن الخبرة هى التى كانت تنقص العاملين فيه، ويقول إن مدير ستديو مصر وقتها «أحمد سالم» - وهو شاب ابن ذوات تعلم فى كامبريدج ولا يعرف شيئا عن السينما!! ويروى هذه الواقعة الغريبة التى تتعلق بتحميض وطبع الفيلم فى باريس ووافق عبدالوهاب على الاقتراح، ويقول «محمد كريم»:

أسرع «أحمد سالم» يبلغ «طلعت حرب» إننى أريد الاستمتاع برحلة إلى فرنسا مع زوجتى بحجة غير صحيحة وهى أن معامل ستديو مصر غير صالحة!! وحاول «طلعت حرب» أن يثنى «عبدالوهاب» عن السفر وقال إنه سيدفع من جيبه الخاص كل ما يلزم لإصلاح المعامل وعلى أن يتم العمل كله فى ستديو مصر!

وتظاهر «عبدالوهاب» بأنه سيحاول تنفيذ رغبته..»