الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حرب الشيخ والأستاذ

مساء الأربعاء 19 فبراير الجارى أعلن رئيس الحكومة التونسية المكلف، إلياس الفخفاخ، رسميًا، تشكيل حكومته التى قدمها للرئيس قيس سعيّد، مُنهيًا أزمة سياسية ظلت لنحو 4 أشهر، فيما أكدت حركة النهضة «الذراع السياسية لجماعة إخوان تونس» المشارَكة فى الحكومة، ودعت نوابها فى البرلمان للتصويت لها.  



 حكومة «الفخفاخ» التى ضمت وزراء الخارجية والداخلية والدفاع من المستقلين، تضمنت 32 عضوًا بينهم 6 سيدات، إذ سُلمت وزارة العدل إلى ثريا الجريبى، ووزارة الداخلية لهشام المشيشى، فى حين أُسندت وزارة الدفاع إلى عماد الحزقى، ووزارة الخارجية لنورالدين الرى، ووزارة المالية لمحمد نزار يعيش.

 ورغم إبداء تحفظها على «التشكيل» وتركيبته أعلنت النهضة مشاركتها فى الحكومة وقالت: «نثمّن ما عبَّر عنه رئيس الحكومة المكلف، من استعداد للانفتاح على قوى سياسية أخرى، لتوسيع وتمتين الحزام السياسى، «معتبرة أن التعديلات الحاصلة فى التشكيلة المقترحة، باتجاه مزيد من النجاعة والتوازن»، بحسب قولها.

 استبعاد «قلب تونس»

 أعلن «الفخفاخ» الذى كلفه الرئيس التونسى بتشكيل الحكومة بعد فشل الحبيب الجمالى مرشح النهضة فى مهمته، أن هدفه هو تشكيل حكومة تستند لكتل سياسية ثورية، أيدت الرئيس فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وهو ما يعنى استبعاد حزب قلب تونس، الذى أسسه نبيل القروى، منافس الرئيس بالانتخابات، لأنه محسوب على النظام السابق، فى حين كانت النهضة تريد تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة النطاق تضم قلب تونس، وخصوصًا أن الأخير ممثل لمصالح مالية وسياسية كبيرة بالبلاد، إضافة إلى تشابه أجندة الحزبين الاقتصادية الليبرالية، مقابل تخوفات النهضة من شعبوية أحزاب يسار الوسط والناصريين، التى تعد شريكًا أساسيًا فى الحكومة.

 الموافقة الإخوانية على الحكومة أتت فى ظل خلافات سياسية جمة وتعثر اقتصادى لا تخطئه عين، وفسرت النهضة الموافقة بما وصفته بـ«تقديرها للظروف الإقليمية المعقدة لا سيما من جهة مخاطر الحرب فى الشقيقة ليبيا، والأوضاع الداخلية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، التى تستوجب تعجيلًا بتسليم إدارة البلاد إلى حكومة جديدة قادرة على إنفاذ الإصلاحات».

وجاء ذلك عقب إعلان الحركة الإخوانية الانسحاب من الحكومة قبل أن تعدل عن قرارها وتعود للمشاركة، عقب تدخُّل أطراف اجتماعية ونقابية لتقريب وجهات النظر، وتواصلت المشاورات إلى الساعات الأخيرة قبل الإعلان عن الحكومة.

 وسبق أن أعلن «الفخفاخ» أن انسحاب حركة النهضة من تشكيلة «حكومته الأولى» يضع البلاد أمام وضعية صعبة، وأشار إلى أن الحركة انسحبت من الحكومة، بسبب عدم إشراك حزب قلب تونس  فيها‎، فيما أعلن عبدالكريم الهارونى، رئيس مجلس شورى الحركة آنذاك أن النهضة لن تمنح الثقة لـ«الفخفاخ» بداعى أنه يصر على رفض مطلب الحركة تشكيل «حكومة وحدة وطنية لا تقصى أحدًا».

 ماذا حدث؟

 قبل انتهاء المهلة الدستورية حسم الحزب الإسلامى الحائز على أكبر عدد من مقاعد البرلمان التونسى «النهضة» قراره بدعم الحكومة الجديدة عقب سجالات «خلف الأبواب» مع الرئيس المنتخب قيس سعيد» رغم عدم مشاركة «الحليف» قلب تونس الذى أسهم فى فوز راشد الغنوشى برئاسة البرلمان، وفى المقابل أعلن الناطق الرسمى باسم حزب قلب تونس، الصادق جبنون، أن حزبه لن يصوت لـ«الفخفاخ» بداعى أنها ليست حكومة وحدة وطنية.  والحقيقة أن الإخوان الذين هاجموا «القروى» فى انتخابات الرئاسة لصالح الرئيس الحالى قيس سعيد، هم من تحالفوا معه للوصول لرئاسة البرلمان، وحاولوا الضغط على «الفخفاخ» لإشراك قلب تونس أملًا فى فرض شروطهم عليهم وضمان حليف داخل البرلمان يمكن أن يساندها فى بعض مقترحات القوانين.  وبكلمة أخرى سعت الجماعة إلى الفوز بأكبر المكاسب الممكنة من حكومة الفخفاخ، لكنها رضخت فى النهاية لتفادى سيناريو الانتخابات المبكرة خشية منح فرصة لرئيس الجمهورية لتوسيع صلاحياته ونفوذه فى الحكم، كما أنها تخشى صعود أحزاب لا يمكن التوافق معها حول عدد من المسائل، مثل تشكيل الحكومة ورئاسة البرلمان، وخاصة الحزب الدستورى الحر (المحسوب أكثر على النظام)، ناهيك أن الغنوشى لن يجازف بخسارة منصب رئاسة البرلمان، لأنه سيكون غير مرشح لرئاسة الحركة خلال مؤتمر النهضة المقبل إذا أن القانون الداخلى للحركة يمنعه من الترشح للمرة الثالثة لمنصب الرئيس.

 وعلى صعيد مواز استطاعت حركة النهضة رفع تمثيلها فى الحكومة من حيث الحقائب الوزارية، إذ تم منحها 7 حقائب وزارية (الصحة والرياضة والشؤون المحلية والفلاحة والنقل والتعليم العالى والبحث العلمى والتجهيز والإسكان)، بالإضافة إلى تحييد وزارات العدل والداخلية وتكنولوجيا الاتصال، بمنحها لمستقلين أو تكنوقراط.

 صدام النهضة والرئيس

شهدت علاقة حركة النهضة برئيس الجمهورية قيس سعيد تحولًا كبيرًا منذ الدور الثانى للانتخابات الرئاسية، وبالرغم من أن الحركة دعمت أستاذ القانون الدستورى فى هذا الدور أمام منافسه رئيس حزب قلب تونس نبيل القروى، توترت العلاقة، واتّسمت بكثير من الاضطراب والتوتر، طيلة 4 أشهر تقريبًا، منذ تسلم سعيد مقاليد الحكم رئيسًا للجمهورية، وكانت أولى الأزمات رفض راشد الغنوشى لوساطة رئيس الجمهورية، التى حاول من خلالها تجاوز خلافات تشكيل حكومة الحبيب الجملى،حيث أنهى رئيس الحركة الاجتماع الذى دعا له قيس سعيد بالإضافة إلى الغنوشى، رئيس حزب تحيا تونس يوسف الشاهد، ورئيس حزب التيار الديمقراطى محمد عبو، والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوى، بعد نحو 5 دقائق من بدايته، مؤكدًا أن عرضه للتحالف مع هذه الأحزاب قد انتهى بسبب ما وصفه بـ«مواقفها المتقلبة».

 وأضاف مؤتمر برلين شرخًا أكبر فى العلاقة بعد الانتقادات التى وجهها الغنوشى لرئيس الجمهورية، بسبب أداء الدبلوماسية التونسية الضعيف والمهتز، وفق تقديره، بعد إصرار قيس سعيد على رفض دعوة ألمانيا المتأخرة للمشاركة فى مؤتمر برلين، وغيابه عن عدد من المؤتمرات الدولية الأخرى، قبل أن يُشعلها اختيار سعيد لإلياس الفخفاخ لتشكيل الحكومة، وهو اختيار اعتبر رئيس حركة النهضة أنه لم يكن صائبًا.

 وشيئا فشيئا اتسعت الهوة بين «سعيد والغنوشى» وحاول الإخوان التلويح بورقة سحب الثقة من حكومة تصريف الأعمال (يوسف الشاهد) واختيار شخصية يتم التوافق حولها داخل البرلمان لتشكل الحكومة بدل الفخفاخ، وهو ما رفضه قيس سعيد بشدة، حين أكد لرئيس حركة النهضة أن هذا التحرك غير دستورى، وأنه هو الضامن لتطبيق الدستور واحترامه.  صراع الشرعية

 بعيدًا عن الحرب الإعلامية يبدو صراعًا خفيا بين الرئيس المنتخب، الأستاذ الجامعى وحركة النهضة التى يتزعمها الشيخ «الغنوشى» خلف الأبواب المغلقة يختص بمحاولة الطرفين فرض «خيارات محددة» حيث سعى قيس سعيد إلى تشكيل حكومة إلياس الفخفاخ وفق رؤيته وخياراته السياسية، وهو ما تجلى فى إعلان الفخفاخ إقصاء حزب قلب تونس من المشاورات، وتكوين حزام سياسى ثورى يدعم حكومته، وهو ما رفضته حركة النهضة، بداعى أنه يجب الاستناد لشرعية الانتخابات التشريعية التى فازت فيها ونالت منصب «رئيس البرلمان»، وهو ما يمنحها الحق فى فرض خياراتها فى تشكيل حكومة الفخفاخ، بعيدًا عن خيار الاستناد إلى شرعية الانتخابات الرئاسية التى فاز بها سعيد.

 وبحسب مراقبون قد يؤدى الصدام فى النهاية لمحاولة تحرك رئيس الجمهورية الذى كان أستاذًا للقانون الدستورى فى الاتجاه لحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، رغم أن الوصول إلى هذه المرحلة سيكون له كلفة سياسية، سيدفعها رئيس الجمهورية، لأنه اختار شخصية فشلت فى تشكيل الحكومة، كما ستُوجه له انتقادات لفشله فى تجميع الأطراف السياسية، وهو ما لم يحاول إخفاءه عند لقائه بالغنوشى، مشيرًا إلى إمكانية العودة للشعب (إعادة الانتخابات)، فى حالة عدم منح الثقة لحكومة الفخفاخ، رغم أنه يملك خيارات أخرى غير حل البرلمان.

 والحقيقة أن حل البرلمان سيمنح قيس سعيد الفرصة لتنفيذ مشروعه السياسى، حيث يهدف للمشاركة فى الانتخابات التشريعية المقبلة، من خلال قوائم مستقلة تمنحه حزامًا برلمانيًا ينهى عزلته فى القصر، وتدعم مشروعه الذى يهدف لتكوين ما يشبه اللجان الشعبية كأساس للحكم وخصوصًا أنه لا يمتلك غطاء حزبيًا، وفى المقابل ترى النهضة فى «قيس» تهديدًا كبيرًا وتصنفه باعتباره «شعبوى» لا يمكن التعامل معه سياسيًا، ولا يمكن التنبؤ بمواقفه وخياراته، ولا يمكن جره لطاولة المفاوضات والمساومات كبقية الأحزاب والأطراف السياسية، والأهم أن مشروعه السياسى للحكم المحلى عبر لجان شعبية تعوض الأحزاب يهدد مستقبل الحركة التى تستند إلى «المركزية» بما يضرب خطتها الاستراتيجية للحكم فى مقتل.