الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مهند العكلوك السفير المناوب لدى جامعة الدول العربية: المصالحة الفلسطينية ضرورة

ريشة: عبدالرحمن أبوبكر
ريشة: عبدالرحمن أبوبكر

«قضيتنا يفوق عمرها مائة عام، خاض خلالها الشعب الفلسطينى صراعًا ضد الاستعمار البريطانى، ثم ضد الاحتلال الإسرائيلى، الذى أصبح استعمارًا مُزمنًا غرضه الحصول على أرضنا بثرواتها ومواردها الطبيعية، ولكن كما كان قال الرئيس «ياسر عرفات»: «شاء من شاء وأبَى من أبَى فالقضية حاضرة». بهذا التشخيص للقضية الفلسطينية بدأ السفير مهند العكلوك- المندوب المناوب لدولة فلسطين لدى جامعة الدول العربية- يطرح رؤيته الشاملة لتطورات القضية الفلسطينية فى هذا الحوار قائلًا:



 «موقف بعض دول العالم القليلة، التى لم تعترف بدولة فلسطين للآن، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، ومعظم دول أوروبا الغربية، مثل فرنسا، إسبانيا، النمسا، سويسرا، بريطانيا ودول أخرى لا تزال ترفض الاعتراف بفلسطين كدولة وإنما تعترف بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، وللعِلم هذا لا يعنى أن هناك تشكيكًا فى القضية المركزية، فالقضية دائمًا وأبدًا حاضرة، منذ عام 1947، وقبل وعد بلفور، فالانتداب البريطانى على فلسطين عندما انتهى رسّخ لإقامة ما يسمَّى بدولة قومية للشعب اليهودى على أرض فلسطين، وفقًا لتصريح «بلفور».

 كيف ترى السبيل لتطبيق تقرير المصير بشأن القضية الفلسطينية؟

- من خلال إقامة دولة مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبالفعل نحن أعلنا الدولة فى 15نوفمبرعام 1987، واعترفت بنا مجموعة من الدول، وتوالت الاعترافات، واليوم هناك ما يقرب من 139 دولة من أصل 194 دولة تعترف بدولة فلسطين.

ما المطلوب تحديدًا من هذه الدول تجاه تحديد مصير القضية الفلسطينية؟

- بالتأكيد الاعتراف بدولة فلسطين كجزء من رؤية حل الدولتين، فإذا كانوا يعترفون بدولة إسرائيل، فماذا عن اعترافهم بدولة فلسطين؟! من هذا المنطلق نُلحّ دائمًا على الاعتراف بفلسطين لتحقيق السلام.

ما حجة الدول التى لا تعترف بدولة فلسطين إلى الآن؟

- رُغم مواقف دول الاتحاد الأوروبى الرائعة بشأن حقوق الشعب الفلسطينى؛ فإن  هذا الموقف يظل ينقصه الاعتراف بدولة فلسطين.. والحقيقة أن هناك حجة عامّة بالفعل تثيرها هذه الدول، وهى أن اعترافهم بدولة فلسطين مرهون بالوصول إلى اتفاق سلام نهائى بين إسرائيل والشعب الفلسطينى. من جانبنا فنحن نسعى لهذا السلام منذ عام 1991 حتى هذه اللحظة، ونحن منخرطون فى عملية سلام على مبدأ مدريد لعام 1991 «الأرض مقابل السلام»، وهناك بعض الدول اتسمت بالشجاعة مثل السويد تحديدًا، التى اعترفت بدولة فلسطين، وأيضًا الفاتيكان، ومالطا، ودول أوروبا الشرقية، إذن فالاعتراف بنا ليس ناقصًا، وتظل الدول التى تعترف بدولتنا أكثر من الدول التى تعترف بدولة إسرائيل.

ماذا عن الموقف العربى الموحّد ودوره فى التعامل مع آخر مستجدات الأوضاع بشأن القضية الفلسطينية؟

- دور جامعة الدول العربية ما هو إلا انعكاس للدول الأعضاء، ودائمًا وأبدًا أحرص على وصف القضية الفلسطينية باعتبارها الواجب الحاضر على طاولة الجامعة منذ 72عامًا، وأبدًا لم نشكك للحظة فى الدعم التاريخى للشعوب والحكومات والدول العربية للقضية المركزية، لطالما كان هذا الموقف هو المَدد والحُضن الاستراتيجى الداعم للقضية الفلسطينية.

 ولكن السؤال؛ لماذا برأيك لم يتم إنهاء هذا الواجب حتى الآن؟ 

- لايزال هناك الكثير ليتم إنجازه من قِبَل الدول العربية وحكوماتها من المحيط للخليج، بكل ثرواتنا ومقوماتنا، التى تسمح لنا أن نلعب دورًا مؤثرًا وفاعلًا بين الأمم، فكيف لأمّة بهذه القوة ألّا تنجز هذا الواجب حتى الآن؟!، يجب ألّا يكون دعم القضية ليس فقط على مستوى قرارات ومستوى وزراء خارجية أو قمم عربية وإنما يجب أن نؤثر بكل السُّبُل.

هناك مطالبة دائمة بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة.. كيف نلمس هذا التأثير على أرض الواقع؟

- باستخدام العلاقات الثنائية مع الدول الكبرى، وأدرج القضية الفلسطينية على أجندة هذه اللقاءات، ويجب أن نربط علاقتنا الاقتصادية مع الدول الأخرى بمقدار تجاوبها مع حقوق الشعب الفلسطينى، فما يخرج عن الجامعة العربية هو موقف سياسى مهم، ولكن حتى تصدّق الأقوال الأفعال يجب أن تكون هناك أفعال، مثلًا دولة مثل البرازيل كادت توشك على الاعتراف بأن القدس عاصمة لإسرائيل وغواتيمالا، التى أعلنت الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وغيرهما من الدول.. كيف يمكن أن تفهم هذه الدول أنها تخترق خطوطًا حمراء للدول العربية ومصالح حيوية للأمّة العربية بهذا الاعتراف، إلّا من خلال ممارسة إجراءات سياسية ودبلوماسية واقتصادية، لذلك نحن دائمًا نطالب أشقاءنا العرب أن نبرهن على هذا الموقف تجاه القضية الفلسطينية من خلال المصالح المتبادلة.

هناك عدة مؤشرات تضَمَّنها إعلان صفقة القرن فى هذا التوقيت.. ما تفسيرك؟

- أولًا فيما يخص المؤشر الجيوسياسى؛ فأنا أرى لإسرائيل على مدار عدة أعوام أصابع حقيقية فى افتعال هذه الأزمات، التى تمُر بها دول المنطقة العربية، ومبرّر هذا هو أن تصبح هناك أمراض لدى الدول العربية تطغى على المرض الأخطر والأساسى، فقد أصبحت هناك أولويات لدى الدول العربية وفى أثناء هذا الضعف العربى حان التوقيت الاستراتيجى لإعلان صفقة القرن، بالإضافة إلى التوقيت المرحلى حيث الانتخابات الإسرائيلية والأمريكية.

ما بين مؤيد ومعارض لصفقة القرن.. ما الأسباب والبراهين التى يتحتم علينا التطرُّق لإبرازها؛ وبخاصة فيما يخص الموقف المعارض لمضمون الطرح الأمريكى؟

- مجرد سؤال.. ماذا يمكن أن نقبل من صفقة تعطى نحو 35 % من الضفة الغربية، وكل القدس الشرقية المحتلة لإسرائيل؟! صفقة تعطى كل غور الأردن لإسرائيل وتعترف بالسيادة الإسرائيلية عليها وأيضًا جميع المستوطنات الإسرائيلية الاستعمارية غير الشرعية؟! صفقة تعترف بالقدس عاصمة لما يسمى بالشعب اليهودى، ولنا كفلسطينيين حق فقط المرور للصلاة فى أوقاتها!!.

وفقًا لقرارات اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة فالمسجد الأقصى هو وقفٌ إسلامى مِلك للمسلمين فقط، ثم تأتى صفقة القرن لتمنحنا فرصة الصلاة فيه كما تمنحها لجميع الأديان، نحن جميعًا قرأنا الحروف والخطوط والكلمات الإسرائيلية فى هذه الصفقة، التى هى بالأساس هناك الكثير من الأصوات فى إسرائيل تناهضها وتعارضها، باعتبارها ليست صفقة سلام، هناك 107 أعضاء فى الكونجرس الأمريكى وقّعوا على رسالة ترفض هذه الصفقة وتصفها بأنها صفقة استدامة للعنف والتوغل فى المنطقة، فالعالم يرفض هذه الصفقة فيما عدا نتنياهو وترامب، ومع الأسف هناك بعض الأصوات قد تكون مرتعبة أو تساندها، ولكن ينبغى أن تدرك أن بموقفها هذا تغامر بأمور استراتيجية لها علاقة بحقوق الشعب الفلسطينى، حقوق الأمة العربية والإسلامية والمسيحية.

موقف المجتمع الدولى بشأن صفقة القرن.. كيف ترى مردوده على القيادة الفلسطينية ورؤيتها للتحرك الرافض لهذه الصفقة؟

- ما لا شك فيه أن معظم المواقف الدولية والعربية التى صدرت، هى مواقف ممتازة، وسواء مرفوضة أو غير مرفوضة، فقد أكدت جميعًا أنها ليست صفقة سلام، ورُغم أنه فى كل مرّة تتخذ الإدارة الأمريكية قرارًا أحاديّا وتصبح معزولة يظل هناك القليل ممن لايزال يخشى أمريكا، التى لاتزال بالتأكيد تمارس ضغوطها.. فنحن متى كان الحد الفاصل بين القيادة الفلسطينية والإدارة الأمريكية؟! . بإعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل فى 2017، وقتها بعثنا رسائل لعدم الإعلان، من وقتها تم قطع العلاقات تمامًا ولم يحدث لقاءٌ واحدٌ بيننا طالما تقف بيننا هذه الصفقة التى لا تلبى حتى الحد الأدنى من حقوقنا.

فى ضوء مضمون الصفقة.. ماذا عن حق ومصير اللاجئين الفلسطينيين؟

- هذه الصفقة تهدف إلى عكس الأمور، تهدف إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل فى الأساس، وهو ما يُعد خرقًا لمبادرة السلام، وفيما يخص قضية اللاجئين الفلسطينيين، فمن خلال الصفقة هناك قصية أخرى لليهود، أولًا فيما يخص الفلسطينيين فهم شاكرون سوف يعملون على إيجاد حل واقعى مع حذف «متفق عليه»، أمّا القضية الأخرى فقد نصت الصفقة على ضرورة إنشاء صندوق لدفع تعويضات لليهود وتعويضات لإسرائيل لأنها أسكنتهم فى إسرائيل، فهم يريدون من مصر والعراق على سبيل المثال أن يدفعوا تعويضات وفقًا لآلية دولية.

ماذا أيضًا عن مصير الأسرَى الفلسطينيين «الشهداء الأحياء»؟ 

- تظل قضية الأسرَى مكونًا رئيسيّا من مكونات القضية الأم، فالرئيس «أبومازن» قالها «لا سلام إلّا بعد تحرير كل الأسرَى»، إنها حقّا قضية مُلحّة، فهم يموتون موتًا بطيئًا، نعم هناك صمود وأكاديمية الأسرَى لتعزيز صمودهم، لكن بالأخير فهم يتعرضون لظلم كبير، هناك ستة آلاف أسير ومعتقل فى سجون الاحتلال، أطفال وشيوخ ونساء، وهناك من قضوا أكثر من ثلاثين عامًا فى السجون، هم رموز لهذه الحركة الأسيرة، إلّا أن تحريرهم وفقًا لصفقة القرن يشترط الكثير، يكفى أنها ترفض تحرير كل من قَتل إسرائيليّا أو شارك أو خطط أو نوَى.

كيف ترى مردود قرار جامعة الدول العربية على مسيرة التحرك الفلسطينى والتحرك العربى والدولى؟

- لم أرَ تفاوضًا على اللغة كثيرًا خلال هذا الاجتماع، فالجميع أكدوا على رفضهم، فى قرار واحد كان بمثابة مرآة عاكسة لموقف عربى جمعى، فما هو راسخ أن الالتزام بالقضية الفلسطينية هو التزام قومى عربى. فإذا سألت الدول العربية: «هل تريد أن تتخلى عن القدس»؟ فالإجابة بالتأكيد ستكون «لا» فالأمر فقط يقتضى فعلًا، و«ترامب» يتوهم أنه إذا دفع 50 مليار دولار معناه تحفيزنا لقبول صفقته، رُغم أن تكلفة الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين سنويّا تقدر بـ47 مليار دولار، إذن لإفشال كل هذا نحن بحاجة إلى تطبيق القرارات، فلا بُد أن أنقل إشادة القيادة الفلسطينية باجتماع مجلس الجامعة وما أسفر عنه من موقف واضح ومهم، ولكن لا بُد أن أناشد من جديد الدول الالتزام بقرارات الاجتماع؛ لأن أى لقاءات اليوم تُمنح لنتنياهو هى أوراق فى دعايته الانتخابية لزيادة عدد مقاعده، فقد أكد نتنياهو أن حل القضية الفلسطينية لم يعد شرطًا للتطبيع، بمعنى التطبيع أولًا ثم نرى ما يمكن أن نمنحه للفلسطينيين. هذا التطبيع المجانى مع الأسف هو تآكل للدعم العربى للقضية الفلسطينية، لذلك فنحن نحذر من التطبيع ونناشد أن يكون هناك التزام بقرارات قمة تونس والظهران وعمان ووزراء الخارجية، التى تؤكد بشكل واضح على «لا تطبيع» إلّا بعد قبول مبادرة السلام العربية بجميع بنودها.

ننتقل إلى المصالحة الفلسطينية وما يمثله الانقسام الفلسطينى من نقطة ضعف فى مسار عمل الموقف الفلسطينى الموحد؟

- رُغم الانقسام يظل لدينا تمثيل واحد، وموقف فلسطينى رسمى يمثله الرئيس والحكومة ومنظمة التحرير واللجنة التنفيذية، التى عقدت اجتماعًا بحضور أعضاء من حماس والجهاد الإسلامى فور إعلان ترامب للصفقة، والذى أسفر عن موقف رافض موحد، فقد شاهدوا الإعلان فى الاجتماع وتم إعلان الرفض على الفور، فمنذ أعوام حتى الآن لايزال هناك انقسام، ساهمت مصر بالكثير لردعه وإعادة التوحيد، ولكن مع الأسف حدث الكثير من المنعطفات، من هذا المنطلق وفى ضوء حديث الرئيس عن الانتخابات ومدى تأثيرها فى توحيدنا حول ما يختاره الشعب، نجد أنه من الضرورى أن تتم الانتخابات ولكن لا بُد أن تتم فى القدس، وبالفعل هناك مطالبات من الدول الأوروبية للضغط على حكومة الاحتلال لإقامة الانتخابات فى كل فلسطين، وما نأمله هو أن تتم؛ لأنها تظل الحل الأمثل لوحدة الموقف الفلسطينى فى مواجهة صفقة القرن.

أخيرًا؛ ماذا لو تم ضم المستوطنات وضم غور الأردن، أى تم تنفيذ صفقة القرن على أرض الواقع وسُبُل تعاملكم مع هذا المشروع؟

- لن تجد القيادة الفلسطينية طريقًا آخر إلّا إلغاء كل العلاقات مع إسرائيل، التعاقدية كاتفاقيات اقتصادية أو تنسيق أمنى وأكثر من ذلك تعليق الاعتراف بإسرائيل، أساس بداية عملية السلام.. واليوم الاستراتيجية الفلسطينية يجب أن تُبنى على محاور من بينها المقاومة السلمية؛ لأنه بغير السلمية نكون قد نعرض أنفسنا للخسارة، ولكن أؤكد على المقاومة السلمية، بالتظاهر والتواجد على الأرض بصدور عارية، من خلال المجتمع المدنى والصحف؛ لفضح ممارسات الاحتلال، لذلك لا بُد من المصالحة لتكريس الجهود وعزل أى شخص لا يسعى للوحدة الفلسطينية.