الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
طلعت حرب لمحمد كريم :  أريد رؤية جهودك بصورة عملية !

طلعت حرب لمحمد كريم : أريد رؤية جهودك بصورة عملية !

 كان الشاب «محمد كريم» فى برلين يدرس الإخراج السينمائي، وعندما تقابل مع «طلعت حرب» الذى كان يعرف الكثير عنه قال له: «يا خويا لازم نمشى خطوة خطوة.. وعندما تعود لمصر فسترحب الشركة بك وتستعين بخبراتك».



وذات يوم كانت دهشة «محمد كريم» عندما وصلته صحف القاهرة وفوجئ  بجريدة الاتحاد تكتب عنه مقالا عنوانه «ممثل سينمائى مصرى فى ألمانيا.. رجاء إلى بنك مصر» تدعو فيه بنك مصر للاستفادة من جهده وعلمه  وخبرته !

 

 قرأ «محمد كريم» المقال وقام بكتابة مقال وضع فيه النقاط فوق الحروف وأرسله إلى جريدة الاتحاد التى نشرته له فى عدد 3 ديسمبر سنة 1925، ثم مقال آخر نشر بعدد 23 ديسمبر وكان عنوانه «شركة بنك مصر للتياترو والسينما»..

أبدى فيه عشرات الملاحظات المهمة على الشركة الوليدة وجاء فيه:

«إن البعيد عن أرض الوطن المقدس تخفق جوارحه فرحا كلما سمع بمشروع وطنى يقوم بأموال مصرية وقلوب مصرية، وإن فى مقدمة من رفع ذلك العلم الذى يفخر كل مصرى  بالانضواء تحته هو بنك مصر، ولقد قام – وكان له الفضل فى اقتراح أغلب المشاريع الحيوية التى رفعت سمعة البلاد، وحركتها من سباتها العميق. 

وآخر ما طلع به هو تأسيس شركة التياترو والسينما وأصدر لها مرسوما ملكيا، وبذلك يمكننا أن نقول إنه أصبحت فى بلادنا شركة فنية بجانب مختلف الشركات الأخرى التى كنا فى أشد الحاجة إليها، خصوصا فى تلك الآونة التى تنبه فيها الشعب ونهض وأخذ بكل ما كان ينقصه. 

إن بنك مصر قد وضع الحجر الأساسى لهذا المشروع برأس مال قدره خمسة عشر ألفا من الجنيهات ساهم فيها عدد قليل  جدا من ذوى المكانة  والنفوذ، ويحزننى أن أندد ثانية بالأغنياء، حيث لم يتقدموا للأخذ بناصية مثل هذا المشروع للشركات التى هى الأولى من نوعها وظنوها أحقر من أن يهتموا بها، أو يكونوا قد قنعوا بالمبلغ المجموع وظنوه كافيا لخلق هذا المشروع وكلا العذرين أقبح من الجُرم، لأنهم دللوا باحتقارهم  لمثل هذا المشروع على أن عقليتهم لا تزال محافظة على جمودها المعهود من أن التمثيل تسلية لصغار الأحلام إن لم يكن فيه خروج على الآداب، وأن الاكتتاب فى سهم من أسهم شركتنا مضيعة للأموال ودللوا باكتفائهم بهذا المبلغ البسيط على جهلهم المطبق بما تستلزمه أمثال هذه المشاريع التى تحتاج إلى ملايين الجنيهات لا إلى آلافها ومئاتها»!!

••

ويمضى «محمدكريم» فى مقاله المهم قائلا:

«إن بنك مصر كما قلت بدأ بهذه الخمسة عشر ألفا وقال للشعب هذه نواة  الشركة فمدها بالمال وحماها بالتضامن، وهيأ لها العقول الراجحة والأيدى العاملة لا لتلهو وتتسلى بمناظرها وزخرفها وإنما لغرض أجل وأسمى وهو نشر الدعوة فى البلاد الأجنبية لصالح مصر. 

 هنا أجد من واجبى بصفتى مشتغلا بهذا الفن واقفا  على أسراره من الوجهة الفنية والمالية أن أقرر قبل كل شيء أن رأس مال  الشركة صغير جدا وأخجل أن أقول أنه لا يساوى ثمن ملابس تلبسها ممثلة! ولذا عندما تشرفت بمقابلة  سعادة «طلعت حرب بك» هنا فى برلين وتكلمت معه فى هذا قال بأن الشركة ستقوم فى الابتداء برسم المناظر الطبيعية فقط، وهذا طبيعى ومعقول. 

 وبعد ذلك يأمل سعادته أن الأغنياء يشتركون فى المشروع لينمو  ويكبر حتى يتيسر بعد ذلك عمل روايات مصرية بالفيلم ويتحقق الغرض الذى من أجله أسست الشركة.

وأخيرًا يختتم مقاله بالقول : «رأينا الحكومة ترسل البعثات لأوروبا وأمريكا للتخصص فى العلوم المختلفة وتخصص من ميزانيتها مبالغ للصرف على تلك البعثات ومنها بعثة الفنون الجميلة مثلا «ولكنها لم تفكر مطلقا فى إرسال ولو بعثة واحدة تتخصص فى التمثيل  بالسينما حتى إذ أينعت  شركة بنك مصر  وكبرت استطاعت أن تقوم بإخراج روايات سينمائية».

ويروى محمد كريم فى مذكراته البديعة والرائعة إعداد وتحقيق الأستاذ الكبير الصحفى «محمود علي» باقى القصة بقوله:

«وتوالت رسائلى إلى الصحف المصرية وإلى أصدقائى للبحث عن طريق وكان يوسف وهبى من بين  الأصدقاء الذين دأبت على تبادل الرسائل معهم.

وفى الثامن والعشرين من أغسطس سنة 1926 وصلت إلى محطة القاهرة، أى بعد سبعة أعوام من مغادرتى لها ووجدت فى انتظارى «حسن» أخى ويوسف وهبى ومختار عثمان، وعلى مائدة أول غداء أكد لى يوسف وهبى أنه سوف يعمل على تكوين شركة سينمائية فى أقرب فرصة وبهذا اطمأن خاطرى بعض الشيء !

انضمت إلى فرقة رمسيس ووجدت فيها أصدقاء أعرفهم من قبل وتعرفت بآخرين، كانت الفرقة زاخرة بالعمالقة من أمثال «حسين رياض» و«زينب صدقي» وقمت بأول أدوارى فى الفرقة وأنا كاره لنفسى وأنا الذى تمكنت السينما من كل جوارحي، كان دورى دور ضابط فى مسرحية «تحت  العلم» وقد اختلف النقاد فى الحكم على هذا الدور فمدحته مجلات «روزاليوسف» والصباح وذمته مجلة المسرح وغيرها. 

 وقمت بأدوار أخرى «كنت أجد فى التحاقى بفرقة رمسيس فائدة وحيدة وهى أن أواصل الحديث مع يوسف وهبى فى موضوع السينما وكلما وعدنى بقرب تحقيق ما أريد أقول فى نفسى: لقد ضحك عليّ «يوسف»!!

 وانتهزت سفر فرقة رمسيس التمثيلية إلى الخارج وذهبت إلى الأستاذ «إسماعيل وهبي» المحامى وقدمت له استقالتى ! وكان خيرا لى أن أمتهن أى عمل فى السينما على أن أكون بطلا مسرحيا عالميا !!

 كان الطريق الوحيد المفتوح أمامى هو «طلعت حرب» وشركة مصر للتمثيل والسينما التى أنشأها، والتى لم أنقطع عن متابعتى لأخبارها منذ عودتي. 

أذكر أنه فى أواخر شهر مارس سنة 1927، دعت هذه الشركة كثيرًا من رجال الدولة والمشتغلين بالنشاط الفنى لمشاهدة بعض المناظر السينمائية  التقطتها الشركة وعرضتها فى حديقة الأزبكية.. ونوه طلعت حرب فى كلمته بما للسينما من تأثير فى الدعاية وأن نطاق هذا العمل سوف يتسع».. وحضرت هذه الحفلة، وعلى ضوء ما رأيت وسمعت كتبت لجريدة السياسة مقالا نوهت فيه بكلمة حرب ومقابلتى فى برلين، واستعرضت تاريخ النهضة السينمائية فى الخارج وقلت إن قصر نشاط السينما المصرية على المناظر الطبيعية والأثرية أمر لا طائل تحته ولا جدوى منه ! فالعالم مليء بالمناظر الطبيعية، أما آثارنا فيمكن تسجيلها فى فيلم وينتهى الأمر عند هذا الحد !

وقدمت فى المقابل برنامجا لبدء نشاط سينمائى واسع النطاق، يعتمد على القصة المصرية والوجوه المصرية مع العناية بإيجاد الفنيين اللازمين لهذه المهمة وهو أمر ليس بالسهل للفرق الكبير بين عمل المسرح وإنتاج السينما».

••

لقد حرص الأستاذ «محمد علي» أن ينشر فقرات من هذا المقال  المهم للأستاذ «محمد كريم» وكان مما جاء به قوله:

وأخيرا وجدت فى مصر شركة للسينما وها قد تحققت الأمنية التى كانت سرابًا فى نظر الجمهور المصرى إذا رجعنا به شعر سنوات، حققها رجال عاملون رفعوا بالأمس شأن مصر من ناحيتها المالية واليوم يرفعونها  عن طريق الفن، فأنا أهنئ كل هواة هذا الفن بل وكل مصرى على السواء بقيام شركة مصرية للسينما ستقضى على تلك الزكايب التى كان ينشرها دعاة السوء عن مصر فى الخارج ويحشون بها أدمغة العالم ونحن لا نستطيع منعها، حتى ولا نعرف مبلغ ما وصلت إليه من الانتشار، وسيعلمون الآن أن لمصر حُسنًا وبهاء وجاذبية خاصة، وأن لها مدنية وثقافة وأنها فى كل أطوارها التى مرت بها لم تكن فقط كما كانوا يتوهمون مسرحا للتماسيح. 

 ويضيف: إن نجاح الرواية يتوقف على قوة الرواية ومهارة المخرج والممثلين والتصوير وينقصنا نحن هنا الرواية والمخرج والممثل، وبما أن الشركة مصرية فلا بد أن تكون الرواية  مصرية ولأجل أن تكون روحها مصرية يلزم أن يكون المؤلف والمخرج والممثلين مصريين، فلماذا لا تعلن الشركة من الآن على تشجيع التأليف؟! إن تأليف رواية ليس بالأمر السهل كما يظن البعض، فهو عمل جديد يحتاج إلى مواد ودراسة. 

 واتجهت أخيرا إلى طلعت حرب وحدد لى موعدًا لمقابلته فى 20 مايو سنة 1927 وما كاد يرانى حتى ناقشنى فى مقال جريدة السياسة مناقشة تفصيلية  واعية، حاولت أن أعرض عليه بعض جهودى فى السينما مدة إقامتى فى الخارج، قال إنه لا يريد أن يقرأ شيئا، ولكنه يريد أن يرى هذه الجهود بصورة عملية. 

 وانتهت المقابلة بأن وجهنى لمقابلة الأستاذ «عبدالله فكري» الذى كان مديرا لشركة مصر للتمثيل والسينمأ ن فذهبت إليه ومعى مجلدات تسجل جهادى السينمائى من فترة الحرب العالمية الأولى وما تلاها وقد سميتها «كفاحي» !

وللحكاية بقية!