الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مهرجانات.. مهرجانات

«كلنا نسمع أغانى المهرجانات ونرقص عليها فى الأفراح والحفلات، وقرار نقيب الموسيقيين بمنع مطربى المهرجانات خطأ كبير جدًا» قالت زميلتى الشابة خريجة الجامعة الأمريكية، رد عليها زميل شاب متزوج ولديه طفلان قائلًا: «أنا مع قرار نقيب الموسيقيين، ابنى 9 سنوات  ويردد طول اليوم أغانى المهرجانات المليئة بالإيحاءات الجنسية والمخدرات والعنف، فماذا أفعل معه؟».



 مناقشة الزميلين عكست الحوار المجتمعى والإعلامى الدائر حاليًا حول المهرجانات بين المنح والإباحة. 

يعتمد غناء المهرجانات المصرية على نوع من الموسيقى تتم صناعته بواسطة برامج إلكترونية، مع إدخال صوت المغنى الذى يؤدى كلمات الأغنية بطريقة غليظة  أو ما يُطلق عليها طريقة «المهرجانات». وتحتوى أغانى المهرجات على كلمات الأغانى المصرية القديمة أو المواويل أو الأمثال الشعبية أو كلمات تعكس صراحة صارخة لجانب فى الثقافة الشعبية المصرية، المتعلق بالجنس والخمور والمخدرات. وقد تجاوز بعض مغني المهرجانات كل الحدود، ودخلوا فى مناطق متعلقة بالجرائم مثل التحرش الجنسى والعنف والبلطجة. 

حوارات السوشيال الميديا حول المهرجانات 

 استمتعت جدًا هذا الأسبوع بحوارات السوشيال الميديا  حول أغانى المهرجانات، لأنها تناولت جميع جوانب قصة المهرجانات، من جهة.. المؤيدون للحرية  الكاملة للغناء دون أى رقابة، من منطلق أن جمهورًا عريضًا ومتنوعًا يحب هذا النوع من الأغانى، وأن المنع فى إطار الفضاء الإلكترونى الحالى درب من دروب الخيال، ومن جهة ثانية.. المعارضون من حماة الأخلاق والقيم الذين يرون أن السماح لمثل هذه الأغانى هو نشر للفحش والفساد فى المجتمع،  ومن جهة الثالثة.. أولئك الذين يتخذون موقفًا وسطًا، ويقولون «نعم» لغناء المهرجانات، «لا» للكلمات الخارجة والإيحاءات الجنسية والعنف، ويؤيدون الرقابة على كلمات الأغانى، ومعاقبة من يغنون كلمات تروج للجرائم الجنسية أو المخدرات أوالعنف بأشكاله المختلفة.

رواد السوشيال الميديا أجروا أبحاثًا كاملة حول أغانى المهرجانات من منظور تاريخى وسياسى واجتماعى وثقافى، فسرها البعض بأنها تعكس تغيرًا كاملًا فى التذوق الموسيقى والغناء حول العالم، وإن غناء المهرجانات هو جزء من ظاهرة عالمية فى كل بقاع الأرض لأنواع مختلفة من الغناء الشعبى مثل غناء الراب وغيره الذى لا يعتمد على جمال صوت المغنى أو المغنية، بل على نبضات الموسيقى وكلمات الأغانى وطريقة أداء المغنى المتدفقة للكلمات. ويتناول هذا النوع من الغناء موضوعات شخصية خاصة أو قضايا اجتماعية وسياسية شائكة، وهو أيضًا يحتوى على إيحاءات جنسية وعنف أكثر قوة وصراحة من أغانى المهرجانات المصرية.  

الدارسون لتاريخ الفن  أثبتوا أن التراث الغنائى المصرى احتوى على العديد من الأغانى التى تتحدث عن الجنس والخمور والمخدرات منذ بدايات القرن العشرين، ليس فقط للمطربين الشعبيين والمغمورين، بل لكبار رموز الغناء والموسيقى أمثال: سيد درويش وأم كلثوم وعبد الوهاب!

وقد ذهبت التفسيرات العنصرية والاستعلائية على السوشيال الميديا إلى أن المهرجانات  تعكس انتشار ثقافة العنف والغرائز لسكان العشوائيات وسائقى الميكروباصات والتكاتك، وهو ما يتناقض مع انتشار أغانى المهرجانات فى الأفراح والحفلات الخمس نجوم!

ويحلل المفكر وأستاذ التاريخ د.شريف يونس المهرجانات على صفحته على الفسبوك بقوله: إذا كانت الطبقة الوسطى لا تجد نفسها إلا فى أغانى المهرجانات وشعراء المدونات وسينما الهزل والإثارة، فإن هذا يعنى وجود مشكلة فى التكوين النفسى والفكرى والحساسية الجمالية لديها، ومع إقراره بأن هناك قطاعًا من الطبقة الوسطى حتى فى العالم الأول، تحب الراب وأفلام الأكشن، إلا أنها فى الوقت نفسه تتذوق الموسيقى الكلاسيكية والسينما والأدب الأصيل. ويرجع د.يونس جوهر المشكلة فى مصر إلى انهيار التعليم من ناحية الاهتمام بالتكوين الثقافى الشامل، وتذوق وممارسة الفنون وتنمية الفكر النقدى، كما ينتقد بشدة الأفكار التى انتشرت بعد ثورة يوليو 1952 حول «التعليم من أجل التنمية وسوق العمل»، وقد تم بالتدريج إهمال دروس الموسيقى والغناء والتمثيل  التى تنمى التذوق الفنى والجمالى للطالب..أصبحت السوشيال ميديا تلعب دور المنتدى الفكرى الذى يُعبر عن كافة الآراء والاتجاهات الاجتماعية والفكرية المختلفة، ويقترح الحلول والبدائل، وقد كنت أتمنى أن تقوم نقابة الموسيقيين بهذا الدور، وأن تفتح أبوبها لمناقشة أكثر عمقًا للظواهر الموسيقية والغنائية المختلفة، وكيفية الارتقاء بالذوق الفنى والموسيقى للمجتمع، وخاصة أن هذه النوعية من أغانى المهرجانات تتنامى على حساب كل أنواع الغناء الأخرى الأكثر جمالًا ورصانة. 

المنع لن يرتقى بالتذوق الفنى للمصريين

منع أغانى المهرجانات قد يحد من انتشارها فى الحفلات والأماكن العامة، لكنه بالتأكيد لن يمنع وجودها على الفضاءات الاإكترونية المختلفة، ولن يرتقى بالذوق الفنى للمصريين. . تنمية الحساسية الجمالية لن يأتى إلا بالتعليم الذى ينمى العقل النقدى والتذوق الفنى والجمالى، وفتح مساحات الحرية والحوار لاحتضان المواهب  الحقيقية المنتشرة فى كل مكان فى مصر.