الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عن عشرينية المجلس القومى للمرأة

مارس 2000، كنت وقتها أصغر بعشرين عاما طبعا، سعيدة مثل كثيرين بهذا الوليد الجديد، الذى دشن أول حضور قوى له بعد أيام من تأسيسه، بمؤتمر قومى للمرأة فى عيد المرأة المصرية بحضور رئيس الجمهورية وقتها حسنى مبارك وقرينته. عشرون عاما مضت، كبر فيها الوليد الذى أحدث صخبا واسعا، وثار حوله الكثير من الجدل، اعتبرته الكثيرات - والكثيرين أيضا - سندا وعزوة، واعتبره آخرون «خرّاب بيوت»، ووصفه بعض ثالث بأنه مجلس الهوانم، الذى لا يعرف نساء القرى والنجوع، بينما حارب وجوده تيار قوى كشّر عن أنيابه خلال حكم الإخوان لمصر، وخاض المجلس صاحب الاثنى عشر عاما - وقتها - حربا ضد مصالح سياسية واجتماعية متجذرة منذ عقود طويلة فى المجتمع المصرى،  وخاض المعركة التى خاضها معه الشعب، وانتصر كما انتصر الشعب المصرى كله على الحكم باسم الدين.



ولد المجلس قويا بفضل تبعيته لرئاسة الجمهورية، ورئاسة قرينة الرئيس له، وأحدث خطابه فى التمكين السياسى والاقتصادى والاجتماعى للمرأة، دويا إعلاميا ونقاشا حادا داخل البيوت المصرية، مع تداول تعبيرات مثل «العنف ضد المرأة والتحرش، الحق فى التمثيل السياسى أو الكوتة، الحق فى الميراث، تكافؤ الفرص، النوع الاجتماعى،  الجندر.. وغيرها»، وتوقع كثيرون خفوت صوته عقب ثورة يناير، التى لم تود فقط بالنظام الحاكم فى 2011، بل أتت على المقر الرئيسى للمجلس، بحريق هائل اندلع فى مبنى الحزب الوطنى «المنحل» أو كما كان يطلق عليه فى الستينات مبنى الاتحاد الاشتركى،  المطل على النيل خلف المتحف المصرى،  بقلب القاهرة. ذلك الحريق الذى شب أثناء أحداث الثورة، وأحرق الكثير من أوراق المجلس ومكتبته الكبيرة، مثلما نال الكثير من المجالس القومية المتخصصة التى كانت تشغل المبنى العتيق، الذى أصبح أثرا بعد عين، وهدم بعد الحدث بسنوات قليلة. انتقل مقر المجلس مؤقتا إلى منطقة المهندسين، وعانى العاملون فيه من تطاولات لفظية وتهديدات، واستطاعت وقتها رئيسته الصلدة، ميرفت تلاوى،  العبور بالمجلس إلى بر الأمان، وإلى مقر دائم يليق به فى مدينة نصر، على أرض خصصتها الدولة له.. فى الاحتفال بعشريات المؤسسات والكيانات القومية تطرح الكثير من الأسئلة، من قبيل هل كان وجوده حتميا؟ ماذا إذا لم ينشأ المجلس القومى للمرأة؟ وماذا تحقق من الأهداف، وما الذى لم ينجح المجلس فى إحرازه، وما الذى يحتاجه لتحقيق الأهداف أو تغييرها مثلا، وماذا عن طرق القياس والتقييم، والعائد بين المدخلات والمخرجات أو النتائج وما إلى ذلك.. غير أن حنينى يغلبنى، لترك الإجابة عن هذه الأسئلة قليلا، لأتذكر يوميات متابعتى لعمل المجلس ولملف المرأة، طوال عشرين عاما، كصحفية من بين إعلاميين وإعلاميات حرص المجلس على أن يشركهم فى متابعة عمله يوما بيوم، ليس للكتابة عن أخباره وأنشطته، بل للمشاركة فى النقاشات ومتابعة ورش العمل التى تتم لأول مرة على مستوى الدولة المصرية. لأول مرة.. ميزانية للنساء وتكافؤ فرص بعض ورش العمل والندوات أظهرت الطلب على إحصائيات وتقييمات لم تكن موجودة من قبل، مثل الميزانية المستجيبة للنوع الاجتماعى،  ميزانية مؤسسات أو وزارات يتم فيها -لأول مرة- الفصل ما بين احتياجات كل من المرأة والرجل وما ينبغى أن تحققه له ميزانية وزارة مثل الصحة مثلا لكل من المرأة والرجل كل على حدة، بحسب نسبة المرأة ووضعها الاجتماعى الذى يعرضها فى الكثير من الأحيان والأماكن إلى مخاطر ومشكلات صحية أكثر من الرجل، وكيف تلبى الميزانية هذه الاحتياجات وتستطيع الوصول بخدماتها إلى هؤلاء المستفيدات.. ولأول مرة أيضا يسهم المجلس فى إنشاء وحدات لتكافؤ الفرص، تعمم على الوزارات، يلجأ إليها الرجل كما تلجأ إليها المرأة، فى شكاوى التمييز فى العمل أو الخدمات. زاد إنسانى أتذكر خلال الشهور الأولى من عمر المجلس كيف كنا نتجمع فى الصباح الباكر، لنركب ميكروباص المجلس إلى العريش والإسكندرية والمنيا وغيرها، لنحتفل بافتتاح فروع المجلس فى مختلف محافظات مصر، ولنلتقى بالنساء والرجال هناك، نستمع لمشكلاتهم ونسمع طلباتهم، غنيمة من المادة الصحفية والزاد الإنسانى والخبرة الحياتية، وأيضا الصداقات المهنية، تستحق تحمل مشقة السفر والعودة فى نفس اليوم. وفى مارس ننتظر المؤتمرات القومية للمرأة التى كانت تعقد سنويا فى القاهرة أو فى إحدى المحافظات، وتزحف إليها النساء من كل المحافظات، فنلتقى بعاملات وأستاذات جامعيات ومهندسات ومعلمات، وننتظر مكتسبا جديدا للمرأة فى كل مؤتمر، يعلنه رئيس الجمهورية وقتها.. داخل القاعة الرسمية تدور نقاشات البحث عن قوانين وبيئة ودراما منصفة للمرأة، يشارك فيها أعلام أمثال جابر عصفور ومصطفى الفقى وفؤاد عبد المنعم رياض رحمه الله، وآمنة نصير وحسن شاه رحمها الله، وفردوس عبد الحميد وإنعام محمد على، وغيرهم.  وخارج القاعة تكون النقاشات الإنسانية، وحكايات البيوت ومعاناة الأمهات ومشكلات تعليم الأبناء والبحث عن وظيفة، وأسعار الشقق، فسيفساء  من  يوميات  الأسر المصرية، كانت بالنسبة لنا زادا لتناول إعلامى متجدد عن قضايا المرأة. فى 2003تبنى مركز بحوث ودراسات المرأة بكلية الإعلام مشروعا إعلاميا لتوعية الإعلاميين بقضايا المرأة، بالتعاون مع المجلس وبدعم من مؤسسة فريدرش ايبرت، استمر حتى 2009، وكان شكلا فريدا لمشاركة الإعلاميين فى قضايا المرأة، لأنه ركز على زيارات ميدانية لقرى 3 محافظات مختلفة فى كل عام، يرى فيها الإعلاميون خلال ثلاثة أيام، المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التى تقدم من الجهات المختلفة للنساء لتغيير حياتهن وإخراجهن من دائرة الفقر، بمشاركة الجمعيات الأهلية.. مكننا البرنامج من الاطلاع على أحوال النساء فى القرى، والاستماع إلى أحلامهن الصغيرة وطريقة تفكيرهن والظروف المفروضة عليهن ومحاولات الخروج عن التقاليد البالية، خاصة بالنسبة للأجيال الشابة، وكان من بين نتائج البرنامج أن تبنى مركز كلية الإعلام تمويل جائزة سنوية دائمة بالتعاون مع نقابة الصحفيين، ضمن جوائز التفوق الصحفى،  تحت اسم «جائزة قضايا المرأة» لأول مرة.. شجعت الجائزة الكثير من الصحفيين على تناول حديث وجاد وحقوقى لهذه القضايا، من واقع خبرات ميدانية، وشجع المناخ الثقافى والسياسى الذى أحدثه المجلس، الكثير من مسئولى الصحف على افساح مساحات لهذه القضايا، والتى كانت قبلها تجد صعوبة فى النشر، وكانت من قبل تحتاج إلى حدث أو سبب لإعادة تناولها كل مرة «عشت ذلك قبل وبعد إنشاء المجلس».