الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المفكر الدكتور جابر عصفور: نعيش محنة تنوير

فى روايته عن البداية «الميلاد»، عاد بنا إلى مسقط رأسه «المحلة الكبرى»؛ حيث ضفاف النهر وتحديدًا مكتبة البلدية، هذا الكيان الثقافى،  الذى ظل بطرازه الفريد وزخمه المعرفى وتنوُّعه الحاضر بين أروقته، راسخًا فى وجدان الصبى الصغير، الذى عُرف منذ نعومة أظافره بولعه بالقراءة، وشغفه بالاطلاع، وتعطشه الدائم للانفتاح على مختلف العوالم  والثقافات. فى كتاب «الأيام» للأديب الراحل طه حسين كانت الرسالة الأهم فى مسيرة كاتبنا ومفكرنا الجليل د.جابر عصفور، وكأنها بارقة الأمل، وأول الخيط لتحقيق الحلم، وكأنه القدر أراد أن يرسم خطوات «العصفور»  ذى النبرة المتمردة فى الثقافة العربية، المجدد، الذى نجح على مدار أعوام طويلة فى الارتقاء بمستوى الوعى الثقافى المصرى والعربى والسمو بمكانة المثقف المصرى ودوره فى خارطة العالم للإبداع والابتكار.



• البداية

على ضفاف النهر كان ذلك الصبى الصغير يسير كل يوم بصحبة الأصدقاء، قاصدًا مكتبة البلدية، بمسقط رأسه «المحلة الكبرى»، كان يذهب متعطشًا ومتلهفًا لإشباع الذات، التى اتسمت منذ صغره بولعها بالقراءة، وكأنها ذلك البساط السحرى،  الذى سيجوب به أرجاء العالم، ليطّلع على مختلف الثقافات والحضارات.

س: لنبدأ من ذاكرة المكان فى وجدان د.جابر عصفور وتحديدًا «مكتبة البلدية» بالمحلة الكبرى.. ماذا تبقى منها لديك؟

ج: للعلم نحن من نؤنس الأمكنة، نمنحها بُعدًا إنسانيًا، قد نعشقها وقد نكرهها، على حسب ذكرياتنا فيها، ومكتبة البلدية لعبت دورًا كبيرًا فى حياتى،   فأنا ما زلت أتذكر ذلك المبنى وهو ِغاية فى الجمال والروعة، كيف كان لأعوام طويلة المقصد، والملجأ الأقدر على احتواء أحلام وتطلعات  الصبا،  فرصتى للاطلاع على مختلف الثقافات والرؤى والإبحار فى أسرار وتفاصيل العوالم المختلفة، واكتساب المعرفة والاستفادة من تجارب أهم رموز الأدب و الفنون.

س: وماذا عن الكتاب الذى قلب حياتك رأسًا على عقب «الأيام» للأديب الكبير «طه حسين»؟

ج: على أحد رفوف مكتبة البلدية وقع فى يدى إحدى روائع الأديب الكبير طه حسين، وبمجرد قراءته  بما يحمله من تجربة حياتية حقيقية وملهمة، استطاع فعلًا أن يقلب حياتى رأسًا على عقب؛ فكيف لهذا الصبى الصغير البسيط الكفيف أن يرى ما لم يره المبصرون،  كيف لهذا الكفيف هذه القدرة على إضاءة العالم بفكره وإبداعه، كيف نجح فى عبور حدود الزمان والمكان بعطائه الأدبى والنقدى،  فقد نجح طه حسين فى أن يصنع من أجله ومن أجل بلده المستحيل ليصبح الأديب الكبير «طه حسين»، وزير التربية والتعليم، وأول من نادى بالمساواة بين التعليم والثقافة والهواء، باعتبارها حقًا لكل إنسان، وقد كان،  فمنذ تلك اللحظة وقد اتخذت من منهاج طه حسين نموذجًا أسير على أثره من أجل أن أصنع لذاتى ولبلدى «مصر» منجزًا ثقافيًا وفكريًا يستحق الخلود.

س: قد يحالفنا الحظ ويمنحنا القدر الفرصة لإدراك هدفنا فى الحياة ولكن يظل التحدى الأكبر فى حياتنا هو كيفية التخطيط الجيد والعمل من أجل تحقيق هذا الهدف.. تعقيبك؟

ج: كان أمام عينىّ هدف رئيسى،  وكانت البداية من خلال اختيارى الالتحاق بالقسم الأدبى خلال مرحلة الثانوية العامة، خلال هذا كانت القراءة أسلوب حياة، وكان الكتاب هو رفيق الدرب، فقد كنت أحرص على شراء الكتب المرتجعة القديمة بانتظام، فلا تزال تلك المنافسة بينى وبين أصدقائى للانتهاء من قراءة كتاب ما أو فيما يخص أكبر كم من الكتب فى فترة محددة،  مشهدًا راسخًا فى الوجدان، وللعلم أغلب هؤلاء الأصدقاء هم اليوم أسماء بارزة فى عالم الأدب فى مصر أمثال نصر حامد أبوزيد، سعيد الكفراوى. محمد المنسى قنديل.

س: فى كلية الآداب قسم لغة عربية استكملت مشوارك مع تحقيق حلمك، هل أشبعت هذه المرحلة تعطشك لمزيد من المعرفة؟

ج: «يا جابر يا ابنى عليك بالتحاق بقسم اللغة الإنجليزية، من خلاله يصبح المستقبل أمامك» هكذا حاولوا إقناعى عندما وقفت حائرًا لا أقوى على الاختيار، ولكن فى النهاية اتخذت قرارى بالالتحاق بكلية الآداب قسم لغة عربية، فقد ظل هدفى أمامى،  وعلى صعيد موازٍ كانت القراءة أسلوب حياة، والكتاب رفيق دربى،   بين سطور كل كتاب كان هناك عالم، إليه أسافر وأغوص فى تفاصيله، وهكذا  كتاب تلو كتاب وعالم تلو عالم، إغراء بلا توقف حتى هذه اللحظة، متعة لا نظير لها فى الحياة، لاكتساب المزيد من المعرفة من خلال ثقافات مختلفة أكثر حرية وانفتاحًا.

س: من جامعة ويسكونسن ماديسون الأمريكية إلى جامعة ستكهولم بالسويد.. إلى أى مدى كان لهذا الترحال أثره فى تشكيل شخصية وفكر جابر عصفور؟

ج: بالتأكيد هناك العديد من الفوائد والدروس المستفادة،  فنحن رغم ما وصلنا إليه من تقدُّم وتطوُّر، لا نزال فى مصر نعيش فى عالم مغلق، عالم لا يزال يرفض الانفتاح،  فقط  يبحث عن القواعد والحدود، بل وإن لزم الأمر يصنعها بذاته، فنحن لا ننفك أن نتجاوز قيودًا حتى نصطدم بقيود جديدة، أما فى الخارج فالجميع ينعم بقسط كبير من الحرية، وإن كان البعض ينعم بحرية تامة فى بعض أرجاء العالم، فى الخارج لا محل للحواجز سواء الثقافية أو العرقية أو الجنسية أو غيرها من الحواجز التى لا نزال نصطدم بها فى مصر، من هذا المنطلق بدا جليًا بالنسبة لى ضرورة اقتحام عوالم مختلفة والانفتاح عليها، والحقيقة أن كل هذا ساهم فى تكوين مشاعر الكراهية بداخلى تجاه كل وأى قيود قد تعوق الإنسان فى هذه الحياة، هذا الإنسان الذى وُلد فى الأساس لينعم بحرية تامة فى الفكر والتعبير والاختلاف.

س: توليت رئاسة المجلس الأعلى للثقافة.. ماذا عن أبرز ملامح هذه المرحلة فى حياتك؟

ج: أدركت منذ الوهلة الأولى، أن دورى فى هذا الصرح الثقافى العظيم  يحتم علىَّ التحرك فى ثلاث دوائر «المصرية والعربية والعالمية»، وضرورة العمل على خلق أكبر حوار ثقافى بين جميع المثقفين المصريين بغض النظر عن أى اعتبارات وبالفعل كنت سببًا فى تلك الشعلة من النشاط على مستوى مصر أولا ثم النشاط الآخر الذى يوازيه عربيًا من خلال قيام المجلس بدوره فى تجميع كل مثقفى و أدباء الأمة العربية وإقامة أكبر حوار عربى فيما بينهم، ومن ثم استقبال جميع مثقفى وأدباء العالم لمحاورة المثقفين المصريين والعرب، لتشهد مصر ولأول مرة فى تاريخ الثقافة المصرية حضور كبار المثقفين حول العالم للقاء مثقفى مصر فى حدث غير مسبوق النظير،  ليصبح منذ تلك اللحظة المجلس الأعلى للثقافة حديث العالم العربى بدوره الريادى المؤثر تجاه المشهد الثقافى العربى،  كمؤسسة ثقافية نجحت فى إزاحة الستار عنها وإضاءة الأنوار فى سمائها…

يضحك ويصمت قليلًا ثم يقول: «بصراحة هذه الفكرة ليست فكرتى وإنما اقتبستها من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، فقد تضمنها كتابه «فلسفة الثورة» الذى من خلاله تحدث عن فلسفة الثورة كما رآها تحقق لمصر الريادة فى ثلاث دوائر، الدائرة العربية، والأفريقية، والإسلامية.

س: ما تقييمك لأداء الحوار المجتمعى فى الوقت الراهن؟

ج: دون الحوار سوف تتحول الحياة إلى عالم يسوده الغضب والكراهية واللا حياة، وإلى حد كبير هناك حوار دائر بيننا، حتى إنه ربما تعد مصر فى الوقت الراهن هى البلد العربى الوحيد الذى يتمتع بنوع من أنواع الحوار، قد يراه البعض أنه ليس بالحوار المفتوح المرجو وليس بالقدر الكافى للتعامل مع واقعنا بكل تحدياته، ولكن فى النهاية يحسب لنا أن لدينا لغة حوار، يفتقدها الكثير من الدول الأخرى.

س: إلى أى مدى ساهم الحوار مع الشباب المصرى فى تحقيقه لدوره الذى لطالما حلم به؟

ج: مبدئيًا فالعمل على بلورة دور الشباب فى الوقت الراهن لم يعد مجرد خيار بل أصبح أمرًا حتميًا فقد حان الوقت لبروز هذا الدور وبروز تأثيره بشكل عام، والثقافة بشكل خاص،  والحقيقة أن حضور الشباب  فى الوقت الراهن من المثقفين والأدباء أمر يدعو  للفخر:  روائيات  وروائيون  وشاعرات وشعراء، هذا بالإضافة إلى إنتاج وفير من إبداع هؤلاء الشباب، وكل هذا يحتم ألا نبخل بتشجيع هذه الطاقات الشبابية، والحرص كل الحرص على توجيهها لتستمر فى إطلاق عنانها وليستفيد المجتمع من إبداعها. علينا أن نساهم بمختلف السبل فى الوقت ذاته فى أن يكون هؤلاء الشباب لديهم إنجاز له قيمة حقيقية فى مجتمعهم، ومن الضرورة أن ننتبه لهذا وإلا وقتها سنحيا فى عالم مختل، لديه قصور فى إدراك قيمة الإبداع فى النهوض بالمجتمع.

س: دافعت عن وزارة الثقافة بالقول إن تدهور الحالة الثقافية فى مصر لعدم وجود منظومة ثقافية تتعاون من خلالها وزارات الأوقاف، والتعليم العالى والتربية والتعليم والإعلام والثقافة.. ما هى رؤيتك؟

ج: وزارة الثقافة ما هى إلا عنصر من خمس عناصر، وهى كالآتى «التربية والتعليم، التعليم العالى،  الأوقاف، والإعلام»، و للأسف رغم وجود الخمسة عناصر؛ فلا توجد لدينا منظومة تنسق وتجمع هذه العناصر لأداء دور واحد من أجل هدف رئيسى. من هذا المنطلق يبدو جليًا ضرورة أن نحظى بمجموعة ثقافية، وأخرى اقتصادية، ومن المفترض أن تكون لدينا مجموعة تثقيفية يساهم من خلالها وزير الإعلام والتعليم العالى وأيضا وزير الأوقاف فى اجتماعات منفردة لازدهار الزخم الثقافى فى مصر. فنحن  دائمًا نولى الاقتصاد الصناعى جزءًا كبيرًا من تركيزنا وهو أمر ضرورى،  ولكن واجبنا أيضًا أن نولى التعليم الثقافى جزءًا من تركيزنا واهتمامنا،  وفى حال تحقق هذا، أراهن أننا  ما بين خمس وعشرة أعوام سوف نصبح قادرين على القضاء على جميع مظاهر التعصب فى مصر .

س: كيف تقيِّم ما وصلت إليه الثقافة المصرية منذ 2011 ؟

ج: هناك تراجع ملموس على أرض الواقع فى دور المثقف المصرى وذلك لأسباب عدة، فالمثقف المصرى أصبح يسير فى دائرة ضيقة، داخل هذه الدائرة هناك تغيُّر وتبدُّل فى الأدوار، فى الوقت ذاته ليس هناك متسع كافٍ من الحرية، وعلى الصعيد الآخر فقد أصبحت لدينا أدوات تثقيفية مستحدثة، التقدم التكنولوجى أتاح لنا الاطلاع على العالم من خلال جهاز فى ثوانٍ ليس أكثر، فلم تعد الصحيفة وسيلتنا للاطلاع ولا الكتابة، فقد تعددت الوسائل فى عصر التقدم التكنولوجى،  حتى إن المثقف بمعناه التقليدى غاب عنا، وحل محله مثقف من نوع جديد، أكثر اطلاعًا على جميع وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة ولديه ولع بالتكنولوجيا وأدواتها التى تحيط بنا، و للعلم فنحن الشيوخ أصبحنا على وعى تام بهذا التغيير، الذى شهده عالمنا ومدى أهميته وضرورة مواكبته.

س: توليت خلال مسيرتك رئاسة تحرير عدد من الإصدارات الصحفية.. ما هو تقييمك لواقع الكلمة والقلم فى عصرنا الحالي؟

ج:  ستظل الكلمة وسيلة مؤثرة وأداة للتغيير للأفضل والكشف عن صور العلل والخلل فى أى مجتمع،  فنحن بلا مبالغة لا يزال لدينا تلك الكلمة وطالما اتسمت هذه الكلمة بالمصداقية ومدى توافقها مع احتياجات الجميع فهى قادرة على القيام بدورها المرجو، بالضبط مثل القلم، فعلى الرغم من أى تقدم تكنولوجى فلا يزال القلم قادرًا على القيام بدوره باعتباره سلاحًا رادعًا ولكن بالضبط كما هو الحال بالنسبة للكلمة، عليه أن يتسم بالمصداقية والشفافية وأن يحترم احتياجات الجميع.

س: وماذا عن دور الإعلام المصرى والعربى فى التعبير عن واقعنا المشحون بالتحديات والصراعات؟

ج: يظل دور الإعلام أولويًا، ولكن رسالتى فى هذا السياق تتلخص فى كلمات وهى: «لقد حان الوقت ليستيقظ إعلامنا من غفلته، فلم يعد إعلامنا مع الأسف كما كان فى الماضى من حيث الكفاءة، وفى ظل المنافسة القائمة، علينا بوضع عنصر الكفاءة نصب أعيننا للقيام بالدور المرجو من إعلامنا تجاه مجتمعنا.

س: صرحت من قبل أنه رغم ريادتنا الإعلامية أصبحت هناك دول عربية أكثر تقدُّمًا سواء فكريًا أو ثقافيًا.. هل ترى أن هناك خللا ما علينا التصدى له والقضاء عليه ؟

ج: كل ما فى الأمر أننا كمصريين فى يوما كنا ننعم بمركزية مصر «الأم ولأب والموجه» وفجأة انتقلنا من عصر المركزية إلى عصر التنوع، فلم يعد هناك عاصمة ثقافية وحيدة، حتى أصبحت لدينا عواصم ثقافية مختلفة ، وهذه العواصم بما تشهده من تنافس دائم، وهو أمر صحى، يحمل الكثير والمستفيد الأول هو المثقف العربى .

س: متى يصبح لدينا خطاب ديني يواكب تحديات هذا العصر؟

ج: مع الأسف سيظل الخطاب الدينى والمؤسسة الدينية  فى مصر عائقًا، طالما استمر الحال كما هو عليه، وهو أخطر عوائق تقدمنا، فالمستقبل للانفتاح، فنحن فى تطور دائم، لقد أصبحنا نحيا عصرالأقمار الصناعية، وفى خلال ثوان نسافر حول العالم، فى الوقت ذاته لا يزال هناك خطاب ديني ينتمى بما يتضمنه إلى القرون الوسطى، ولكن أعتقد ان هذا لن يستمر طويلا .

س: ما هو تحليلك لما آلت إليه الأموربعد ثورات الربيع العربي؟

ج: أولا أنا أطلقت عليها مسمى «ثورة الغم العربى»،  والدليل ما أسفرت عنه، ولا يزال يعيش تحت ظلاله العراق وليبيا وسوريا. ولعل البلد الوحيد الذى استطاع الحفاظ على تماسكه هو مصر، ولحسن الحظ لم يصبها التخلف الذى أصاب بلدانًا أخرى، وربما ما نجح فى حماية مصر أنها بلد متجانس لا محل للفتنة الطائفية أو التمييز أو غيرهما من الكوارث على أرضها، والتى لا يزال يعانى منها بلدان عربية أخرى، والتى تعيق تحررها و تجاوزها لأزمتها واستعادة استقراراها وتماسكها .

س: «أنوار العقل» رؤية إبداعية لك.. فأيهما فى رأيك أقدر على التخطيط لمستقبل مصر..عقل حالم أم عقل محارب ؟

فى ظل ما نشهده من تحديات كبرى، مما لا شك فيه كلاهما.. فمن حق كل إنسان أن يحلم كما يشاء، و لكن حتى يستطيع أن يحقق حلمه، يظل بحاجة إلى المحاربة والنضال لتحقيقه، فهذه هى الحياة .

س: صرحت فى عام 2017  أن هناك غيابًا لدور الدولة فى النهوض بواقع الإبداع، فماذا عن واقع الإبداع المصرى فى عام 2020؟

ج: لنبدأ بالشعر، الذى ظل حاضرًا مهمًا تباينت الآراء حوله ولكن تظل الصدارة فى هذا الزمان للرواية، فمن جهتى أشعر بالرضا التام تجاه واقع الرواية المصرية، والدليل أعداد الروايات الجيدة والممتازة والجيدة جدا التى يحفل بها عالمنا فى كل لحظة، على الصعيد الآخر فأنا عاشق قديم للسينما  والمسرح أيضا، و لكن تظل السينما هى فن المستقبل، أما المسرح فيظل ازدهاره وثيق الصلة بالمناخ المحيط بنا، وحتى يتحقق هذا الازدهار  لا بد من مجتمع أكثر ديمقراطية ، ومع الأسف فمع وضع أحوالنا وظروفنا والعالم المحيط بنا فى الاعتبار يبدو واضحا أننا لم يصبح لدينا ما يسمح لنا بهذه الديمقراطية .

س: من أبرز مؤلفاتك «مفهوم الشعر» .. ما هو تقييمك لمفهوم القصيدة الشعرية فى 2020؟

ج: مبدئيًا، فالشعر هو الشعر فى كل زمان ومكان، بالضبط مثل الأنوثة التى تخطف الأنظار وتأثر القلوب، حيث الجمال الداخلى أو الشعرية، التى إذا حضرت حضر الشعر، بغض النظر عن شكله، قصيدة نثرية أو عامية، أو قصيدة فصحى  تنتمى إلى العصر الجاهلى أو العباسى،  باللغة العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية، وفى ما يخص حضور الشعر فى الوقت الراهن فهناك قصيدة شعرية حاضرة وستظل حاضرة، وينفلت من بين أيدينا الزمان، كأنه سحبة قوس فى أوتار كمان.. هذا هو الشعر . حاضر، رغم مرور الزمن، خالد بتأثير جمالياته.

س: ماذاعن الرواية و الشعر، عن الحب فى حياة د. جابر عصفور؟

ج: دون الحب لا أستطيع الحياة  فى هذه الدنيا ، فى كل زمان و مكان يحيط بنا ، يبحث عنا و نبحث عنه، بالنسبة لى فأنا لا أجالس أو أحاور إلا من أحبه، ولا أعمل إلا إذا كنت فى حالة حب . فأنا على مدار مشوارى فى الحياة كنت دائم الحرص على أن أحب ما أقوم به، فالحب بالنسبة لى يمثل كل شيء، فهو الحياة.

الترجمة ..

س: بفضل مجهوداتك تم تأسيس المجلس القومى للترجمة.. ماهو تقييمك لإنجاز مصر فى مجال الترجمة بحلول عام 2020 ؟

ج: سوف أعقد مقارنة بسيطة بين الماضى والحاضر للإجابة على هذا السؤال، فى الماضى كنت أذهب لمعرض الكتاب لشراء كتب مترجمة من المغرب ولبنان وغيرهما من البلدان، أما اليوم فقد أصبح لدينا العديد من الكتب المترجمة المصرية التى نفخر بها، والتى بلا مبالغة لا يستطيع أن يترجمها إلا مصريون، فنحن لدينا مترجمون أقوياء، ذوو ثقافة و وعى ومعرفة ، فمع انقضاء آخر لحظة لى كرئيس للمجلس القومى للترجمة كان المركز يقوم بالترجمة عن اثنين و ثلاثين لغة أى نصف لغات الكرة الأرضية .

معرض الكتاب ..

س: منذ أيام شهدت مصر فعاليات الدورة 51 لمعرض الكتاب الدولى.. ماذا تحلم به من أجل هذا المحفل الثقافى المصرى ؟

ج: أولًا أتمنى أن يتضمن برنامجًا ثقافيًا جيدًا، وفى الوقت ذاته أتمنى أن نجد حلا قاطعا للتحدى الأكبر أمام القارئ المصرى وهو سعر الكتاب، فأنا أتذكر وأنا طالب عندما قررت الذهاب لمعرض الكتاب  فى دورته الثانية وفى جيبى جنيهان، داخل المعرض قمت بجولةلاقتناء أهم الكتب وفى النهاية غادرت بصحبة حقيبتين،  تضمنت كل منهما  نخبة من أروع وأجود الكتب، سعر الكتاب الواحد بعد التخفيض كان  يصل «لثلاثة صاغ ونصف». حيث كتب وزارة الثقافة وتحديدا سلسلة أعلام العرب، وفى الحقيقة أن هذا الارتفاع فى سعر الكتاب  لا يتلاءم مع دخل المواطن المصرى . فأنا أحيانا أصادف كتبًا لى وبمجرد أن أدرك سعرها أجد أنه لا يجوز إلقاء اللوم على المواطن، حقيقى حرام أن نطالبه بشراء كتاب بهذا السعر فى ظل متطلبات الحياة الكثيرة بالمقارنة بدخله البسيط، فأنا شخصيًا لو كنت مواطنًا بسيطًا لما فكرت للحظة بشراء كتاب واحد بهذا الثمن الباهظ، فأنا كنت أتحدث عن قروش فى زمان فات.

س: من أبرز شوائب هذا العصر رفض مبدأ الاختلاف والذى  ترتب عليه العديد من التحديات التى نواجهها.. ما تعقيبك ؟

ج: للأسف حتى الآن لا نملك آليات الاعتراف بالاختلاف، فهى جزء منها تعليم ولكن الثقافة برأيى قبل التعليم، فنحن لا نستطيع مواجهة الآخر، لا نستطيع مواجهة المجتمع، الذى لا يزال يبدو لى رافضًا لحق التعددية والاختلاف.

س: «محنة التنوير» أحد أبرز مؤلفاتك.. فهل ما زلنا نعيش محنة تنوير وكيف لنا أن نتجاوزها؟

فى ظل ما يقوم به الأزهر والثقافة والمحيط العربى من تضليل، فنحن بالفعل نحيا محنة تنوير،  كفتاة تواجه المجتمع فى التعبيرعن رأيها وحبها للتعبير عن الرأى،   الاستبداد راسخ الجذور، هذه طبيعة ثقافتنا، التى من الصعب أن نتخلص منها بسهولة، وللعلم لا علاقة لهذا بالسياسة بل هو جزء من ثقافة المجتمع، فطالما هناك قيود على عقولنا فنحن فى محنة.