الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

البوليس وراء انتشار الجريمة!

مع أن مهمة البوليس فى أى مكان فى العالم هى مكافحة الجريمة وحماية المجتمع، إلا أن تقريرا رسميا أعلنه منذ أيام المفتش العام المسئول عن مراقبة عمل قوات البوليس فى بريطانيا يفيد بما هو عكس ذلك تماما، إذ أصبح البوليس، هنا، سببا فى انتشار الجريمة!وهذا شىء لا يصدقه عقل، لكنه واقع مؤسف مرصود بالتفاصيل الدقيقة فى هذا التقرير المثير.. وقال المفتش العام المكلف بمراقبة عمل جهاز البوليس على امتداد المملكة المتحدة أن هناك خطرا على الأمن العام فى البلاد نتيجة لهذا الحال، وأنه لابد من تدارك الأمر حالا.. محذرا من مخاطر لا أول لها ولا آخر.



 

 وصدرت صحف الصباح، يوم الجمعة الماضى،  وقد تصدرت صفحاتها الأولى عناوين مثيرة ومخيفة تقول إن المواطن البريطانى فقد الثقة فى قدرة البوليس على مواجهة ومكافحة وحل ألغاز الجريمة التى تنتشر فى هذه البلاد.

وقال المفتش العام «مات بار» إن فشل قوات البوليس فى تحرى جرائم مثل السرقات المسلحة للبيوت والممتلكات، وسرقة السيارات، تسبب فى فقدان الثقة بين الجمهور والبوليس. مضيفا أن قوات البوليس اهتزت صورتها لدى الرأى العام بسبب تدهور قدرتها على تحرى الجرائم، وأن هناك ضحايا كُثرًا لمختلف أنواع الجرائم لم يعودوا يجدون جدوى فى الإبلاغ عن تلك الجرائم!

وفى جرائم مثل السطو المسلح أو مهاجمة البيوت والممتلكات بغرض السرقة، أو سرقة السيارات، أو حتى جرائم بسيطة مثل التعرض للاعتداء البدنى أو اللفظى،  أو التحرش الجنسى،  يقوم البوليس بالتحقيق فى نسبة محدودة جدا فقط منها، ولا يتم التوصل إلى الجناة والقبض عليهم فى معظم الحالات.

ويضيف التقرير أن أعدادا متزايدة من الجمهور فقدت الثقة فى نظام مكافحة الجريمة نتيجة لذلك.

أمر معقّد ومثير للقلق!

وقال المفتش العام فى تقريره: إنه لأمر معقد ومثير للقلق خاصة فيما يتعلق بالجرائم الكبيرة، وأنا أرى أن الجمهور يشعر بأن قدرة البوليس على حل هذه الجرائم أصبحت محدودة جدا! ويضيف: إذا كنت من ضحايا جرائم السطو على بيتك أو أملاكك أو سرقة سيارتك، أو حتى التعرض للأذى البدنى أو اللفظى،  أعتقد أن الناس الآن وصلوا لمرحلة تجعل توقعاتهم هابطة جدا وأن البوليس سوف يتجاهل الأمر، لأن قواته- ببساطة- لم تعد تملك القدرة والإمكانيات اللازمة للتصدى لهذه الجرائم. وهناك أرقام وبيانات مذهلة عن جرائم مثل سرقة السيارات، لكن معظم الجمهورلا يبلغ عنها، وببساطة يسلم أمره للقدر، لاعتقاده من واقع التجربة، أن البوليس لن يتصرف تجاهها بطريقة إيجابية إلا فى حالات نادرة!

وهذه مسألة خطيرة فى حياة المجتمع، فمستوى الجرائم الخطيرة يكشف عن أزمة فى العلاقة بين الجمهور والبوليس، فبينما يركز البوليس جهوده وإمكانياته على جرائم تشمل ضحايا مستضعفين، يكون أغلب الضحايا الآخرين، قد وقعوا تحت وطأة خدمة بوليس ضعيفة وأقل جودة. وهذا الحال لا يمكن أن يسمح بالاستمرار فيه لما يترتب عليه من إفساد للعلاقة بين الناس والبوليس.

هذه هى أقوى تصريحات رسمية حتى الآن تكشف عن الأزمة القائمة فى أوساط قوات البوليس البريطانية، وتأتى من المفتش العام المكلف بمراقبة أعمال هذه القوات، وهو أدميرال سابق فى البحرية وقيادة الغواصات تسلم عمله الحالى كمراقب عام لقوات البوليس والدفاع المدنى والإطفاء منذ أربع سنوات.  

مزيد من التفاصيل الفاضحة

  ويواصل التقرير الكشف عن المزيد من التفاصيل الفاضحة، فيقول إن بيانات الأداء لقوات البوليس تؤكد تباين الاهتمام من جانب القوات بملاحقة الجرائم وخدمة ضحاياها اعتمادا على أين يعيشون. أى أنه اتهام صريح لهذه القوات بالتمييز بين المواطنين وعدم المساواة فى توفير خدماتها للجميع! ويتضمن التقرير بيانات تفصيلية عن المناطق التى تلقى عناية خاصة وتلك التى تهمل ولا تحظى بالخدمة والعناية الأمنية الكافية. ويعلق المفتش العام على ذلك مستنكرا هذا التمييز غير العادل.

وينتقل إلى بيانات بالأرقام فيرصد أنه خلال السنة الماضية وحتى شهر سبتمبر، لم يتم التوصل إلى مرتكبى جرائم السرقة وتقديمهم للمحاكمة وإصدار أحكام ضدهم إلا فى 5.4 ٪ من هذه الجرائم فقط. وفى جرائم الإيذاء بلغت النسبة4.9 ٪ وفى جرائم العنف 7.4 ٪.

وفى سرقة السيارات، انهارت خدمة مطاردة البوليس للمجرمين وتوقيفهم وتحويلهم إلى المحاكم لتصل إلى التمكن من مطاردة جريمة واحدة فقط من كل 400 عملية سرقة سيارة! ولم يتم الحكم بالسجن على لصوص السيارات إلا بنسبة ضئيلة جدا تعادل ليس واحدا فى المئة من المجرمين بل ربع الواحد فى المئة!

ويختتم المفتش العام تقريره بتحذير الحكومة من مخاطر أخرى قادمة، فبينما أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون عن نية حكومته تعيين 20 ألف رجل بوليس جدد، قال «مات بار» إن هذا لا يكفى.. فقد سبق لحكومة المحافظين بقيادة ديفيد كاميرون أن استغنت عن أكثر من 22 ألفًا من قوات البوليس منذ سنوات بسبب التقشف وضعف الميزانية، وهو ما ترتب عليه كل ما تقدم الإشارة إليه من خلل وانهيار فى خدمات البوليس، مما تسبب فى زيادة معدلات الجريمة، فبدى أن البوليس، بضعف إمكانياته وقلة موارده، والنقص الشديد فى عدد قواته، كان وراء انتشار الجريمة بدلا من أن تكون مهمته هى مكافحة الجريمة ومطاردة المجرمين والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة وضمان أمن وسلامة المجتمع وكسب ثقة الناس واحترامهم.

والتحذير يشمل ضرورة تعيين عدد أكبر من الـ20 ألف رجل بوليس المعلن عنهم، فهذا العدد الموعود لن يحل كل المشاكل التى يشهدها قطاع البوليس.

إنها كارثة!

وفى تعليقها على هذا التقرير الخطير قالت جريدة «دايلى تليغراف» فى افتتاحيتها ان غضب الناس بسبب فشل قوات البوليس فى تحرى ما يعتبره كثير من الناس جرائم خطيرة، تم رصده فى الصحافة بانتظام، ويشمل القوات التى لا تتحرى جرائم السطو على البيوت إلا فى مناطق معينة، هذا إذا أبدت أى نوع من الاهتمام بصفة عامة.

أما جرائم سرقة السيارات وسرقات المحال العامة والسوبر ماركت، وجرائم تخريب الممتلكات العامة والخاصة، فهى لا تلقى أى اهتمام من قوات البوليس فى أى مكان.  ويضيع وقت ثمين على هذه القوات فى تحرى مشاكل العنف المنزلى،  والتعريض بالأشخاص عبر الإنترنت، والنصب الإلكترونى،  بينما يقل الاهتمام بجرائم أخرى كالسرقات والسطو على البيوت، وفى بعض مراكز البوليس لا يتم التحقيق أبدا فى حوالى نصف البلاغات والجرائم.

وهكذا فقد الناس الثقة  فى البوليس وأصبحوا لا يبلغون عن الجرائم ليأسهم من تجاوبه فى حلها. وهذا خطر داهم على مجتمعنا.. إنها كارثة.