الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

طه قرنى

يبقى السياق الشعبى هو الملهم الأكثر حيوية للمبدعين بشكل عام، سيما التشكيليون منهم، وفى هذا الإطار يتنوع التأثير بين البصرى والروحى والوجدانى، عبر الزمان والمكان ولغة المعتقد.



ولا شك أن الفنان الكبير طه القرنى هو أحد المستلهمين البارزين للتراث الشعبى على الصعيد الواقعى المباشر من خلال حيزه المرئى، وعبر هذا نجده قرينًا لفرشاة رشيقة على السطح التصويرى، قادرة على فعل أدائى انطباعى يغازل التفاصيل ولا يقع فى فخاخها، بل يعتمد دائمًا على استقطار الملامح الإنسانية والجغرافية والتاريخية المحيطة به رغم تمكنه من علم التشريح على مستوى الإنسان والطيور والحيوانات، بما يضمن له متانة البناء التصويرى وعذوبته فى آن .. وربما ما يساعده هنا انخراطه فى التفاعل مع الطبقات الشعبية الفقيرة ماديًا، الغنية بشريًا وتراثيًا، والتى تمثل له العباءة التى يحتمى بها من تمييع انتمائه وشرخ هويته المصرية، إلى أن صار الفنان طه القرنى سلطانًا لوجدان الشعبيين فى كل حالاتهم النفسية والبدنية ، حتى وهم ملتحفون بالعبوس أحيانًا وبالغبار أحيانًا أخرى ، تحت ملابس متواضعة لكنها محاكة بخيوط من الكبرياء الشعبى الذى يميز تلك الطبقات المكافحة.. وأعتقد أنه أكد هذا فى عدة تجارب إبداعية متتالية منذ عدة سنين، مثل «سوق الجمعة»، «المولد»، «الزار»، «عزبة الصعايدة»، حيث بدا فيها جميعًا قادرًا على تقمص شخوص المهن الشعبية المتنوعة من التجار والصنايعية والعمال والفلاحين والموظفين ببراعة المندمج العاشق لنسيجهم الجماهيرى بكل تجلياته، حتى إننى أجزم أنه يستمتع وينتشى أثناء أدائه التصويرى بشعوره أنهم ملح الأرض كما يحب أن يصفهم باستمرار، لذا نجد تمايزاته التصويرية بين لوحة الحامل وبانوراما الجدار كمثل عزف على أوتار الشعور الجمعى الشعبى، وهو ما يميز سمته الإبداعى بين أقرانه.. وعبر زمن ممتد لم ألحظ أبدًا أن طه القرنى قد أصابه الملل أو حاول الفرار من ذلك السور الملهم، بل كان ولم يزل متعلقًا به، حتى إنه عبر ملمح تصويرى جديد فى تجربته الأخيرة مال لتحويل شخوصه وكائناته الحية إلى ما يشبه العرائس الشعبية على مسرح الهوية الممتد، ليبقى دائمًا وليدًا شرعيًا من رحم الوجدان الشعبى.