هل شيخ الأزهر مُقدّس؟
رئيس التحرير
كثير من الأقاويل قيلت فى شخص شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بعضها ثناء كعالم كبير، والبعض الآخر نال من الرجل فى شخصه وفى الظروف السياسية التى جاءت به كشيخ للأزهر. لكننا لن نتعرض للشيخ الجليل فى شخصه. وإن كان الرجل كغيره من الشيوخ الكبار ممن سبقوه ليس مقدسًا ويمكن أن نختلف معه وننقد كثيرًا من قراراته وتحركاته؛ بل ويمكن أن نختلف مع أفكاره. بل ونزعم أن الشيخ الجليل نفسه يرفض أن يكون مقدسًا ويتقبل النقد والاختلاف معه ناتج من علمه الواسع الذى تلقاه فى مسيرته العلمية سواء داخل مصر أو خارجها.
إذًا ليس هناك قدسية دينية لأحد مهما كان مقامه. نعم اعتدنا فى مصر على احترام المقامات لكن عندما يتعلق الأمر بمستقبل أمة فلا بد وأن نثير كثيرًا من التساؤلات وندخل فى حوارات متعددة ومتشعبة حفاظًا على وجود الأمة وعلى مستقبلها. الأمة تواجه حربًا شرسة باسم الدين. وهى الحرب التى ابتدعها الغرب المستعمر لتدخل الأمة فى نفق مظلم لم تخرج منه أبدًا. لذلك علينا أن نتحاور وننقد ونتناقش ونختلف لنصل لمستقبل واضح لدور المؤسسات الدينية فى مصر وهى المسيطرة و ما زالت على كم كبير من العقول المصرية. يدور فى رأسنا كثير من الأسئلة المهمة، نريد أن نجد إجابة عليها فى ظرف استثنائى تمر به البلاد. هل الأزهر راضٍ عن نفسه وعن دوره وما هو دوره الحقيقى الآن؟ هل اكتفى بدوره التشريعى الدينى فقط واكتفى شيوخه بالفتوى الدينية عبر القنوات الإعلامية المختلفة؟ لقد تقلص دور الأزهر الروحى فى المنطقة نتيجة حروب شرسة تمت ضده؛ كان على رأسها المد الوهابى الكبير الذى بدأ منذ بداية السبعينيات من القرن الماضى. مد جعل من الأزهر تابعًا للفكر الوهابى وموجهًا حسب رغبات من يدفع لبعض الشيوخ ويسهل لهم الظهور الإعلامى المدفوع ومن يهب المال ليقيم المنشآت الجديدة، ما جعل شيوخه يطلقون أسماء بعض القاعات والمبانى على أسماء الرجال المتبرعين لتجديد الأزهر معماريًا. فتقلص دور الأزهر الروحى وبهت دوره تمامًا وهو اليد القوية فى قوة مصر الناعمة فى العالم العربى والأفريقى والآسيوى. فالمؤسسة الدينية فى مصر – مسلمة أو مسيحية - لها تأثير كبير فى ذلك المحيط المهم لأمن مصر القومى. لها تأثير ساحر فى وجدان تلك الشعوب. وصل فى يوم من الأيام إلى أفغانستان حيث وجد الأمريكان عند غزوهم لتلك البلاد وجود إذاعة محلية تابعة للأزهر. بل قام عبدالناصر بطباعة المصحف من خلال المشيخة وقامت أجهزته بتمريره إلى البلدان المسلمة فى الاتحاد السوفيتى. بل وتخرج من الأزهر كثير من الدارسين الأفارقة والآسيويين عادوا وتقلدوا مناصب مهمة فى بلادهم وبداخلهم روح التعليم من الجامع العريق. وظل وفاؤهم ممتدًا حتى غادروا مناصبهم وهو ما عاد بالنفع على الدولة. اختفى هذا الدور أو تقلص وعلى المشيخة أن تضع خططًا جديدة لاستقطاب عدد كبير من الأفارقة تحديدا والآسيويين بل والأوروبيين ليعود لدوره الطبيعى فى السيادة الروحية كما تفعل الكنيسة فى روما. لا بد أن يتخلص الأزهر من العناصر الإخوانية المحمية من أطراف كثيرة داخل المشيخة وهم معروفون بالاسم لأنهم ومهما أظهروا من حياد، إلا أن الفيروس الإخوانى يسير فى جسدهم وروحهم والولاء الإخوانى هو من يحركهم وهم كما يعلم الجميع ضد فكرة الدولة بمفهومها الحضارى. لا بد للأزهر أن يطهر نفسه ويجدد من مفهومه تماشيًا مع روح العصر ويتخلص من أعباء الماضى ويكون صريحًا مع نفسه وناقدًا لأوضاعه ويتخلص من الفكر الوهابى المتجذر فى فكر بعض شيوخه وواضعًا خططًا استراتيجية لمصلحة الأمة يلعب هو فيها دورًا قياديًا لا يقل عن الدور السياسى للدولة. تمدُّد الأزهر خارجيًا مطلوب بشدة هذه الأيام على وجه التحديد وتجديد خطابه وتحديد دوره وتوجيه تأثيره وتكثيف تحركاته الخارجية ليعود دوره كما كان فى الماضى. فالأزهر كما يخيل لنا أصبح مؤسسة تدار وكأنها خارج منظومة الدولة ويحرم الاقتراب منها. للدولة استراتيجية واحدة وطريق واحد ولا بد على كل مؤسساتها أن تتبع خطوات الدولة التى تسير نحو التقدم وبناء دولة قوية حديثة لمواجهة الأخطار التى تدور حولنا. الأزهر لا بد أن يراجع نفسه سريعًا فالوقت ليس فى صالحنا ولا فى صالحه. هل بذلك تجاوزنا فى الحوار مع المشيخة ومع الشيخ؟ نتمنى أن يكون الصدر رحبًا للنقد والعقول مفتوحة للنقاش.