الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«الحشاشين» بين الترفيه والتنوير.. ملحمة استثنائية

«من يملك ناصية التراث يملك ناصية السرد»... هذ المقولة التى أقر بها نقاد مدرسة الإسكندرية حينما عاد إليهم أبولونيوس الرودسى بملحمته الشهيرة أرجونيتكا.. بعد أن أثبت أن السرد الطويل أو بمعنى أدق الملحمة تستحق كل هذ العناء وهو ما يمكن أن ينطبق على عمل عبدالرحيم كمال، الملحمى «الحشاشين».



الكاتب من البداية أقر بأنه ليس بصدد نقد وتدوين التاريخ؛ لكنه بالفعل يعامل مادته على أنها فانتازيا تاريخية أو ربما فانتازيا مستلهمة من التاريخ.

وحتى كل من تخيَّل أن هدف العمل هو الإسقاط التاريخى على ما نراه من تطرُّف مذهبى وخداع سياسى سلطوى تحت قناع التمذهب الدينى.. كل من تخيل هذا بشكل مطلق قد جانبه الصواب أيضًا.. فكيف نخضع عملًا دراميًا بحجم ملحمة الحشاشين للنقد إذن؟ 

أولًا منذ نشأة علم النقد أخبرنا النقاد الأول مثل أرسطوتاليس وهوراتيوس أن الهدف من العمل الفنى -سواء كان ملحمة أو عملًا مسرحيًا أو غيرهما- تعليمى أو ترفيهى وأكمل الأعمال الفنية هى ما تحمل الشقين؛ أى الترفيهى والتعليمى معا.

 وهذا ما قد يتكشف لنا فى ملحمة الحشاشين منذ الحلقات الأولى ولا ننكر أن بعض الالتباس قد يدخل لنفس المتفرج المثقف فى البداية لأنه بشكل فطرى يحاول إيجاد إطار تاريخى معقول يشترك فيه الصباح مع الخيام مع غيره من الشخصيات فلا يجد أو بالكاد يصل لحدود التلميح.

لكن فى الواقع حينما يعود المتفرج نفسه وعقله الباطن أنه ليس بصدد عمل تاريخى، لكنه بصدد عمل أدبى ملحمى مصور دراميًا بحنكة وإتقان سوف يجد ذاته تكتشف تلك المتعة الرائقة مع رسالة تعليمية جليلة هى فى الواقع أثمن ما نجده فى الدراما المصرية فى العشرين سنة الماضية.. هذا دون أى مبالغة.

لكن دعنا نوضح بعض الوشائج النقدية فى العمل حتى تنجلى لنا بعض المفاتيح السردية للعمل.

أولى هذه الوشائج هى أن عبدالرحيم كمال كاتب مفعم بالتراث ومطلع على دقائقه... مما جعله يستلهم هذا التراث برؤى تتناسب والمشاهد العادى الذى لم تشغله قضايا التراث ومن ثم لم يبحث فيها.. مع العلم أن عبدالرحيم كمال فى بعض الأحيان أعياه الفصل بين المذاهب الباطنية وبين الحركات الصوفية.. هذه نقطة تحسب وهو فى الوقت نفسه أنه لم يأخذنا للتورط فى متاهات التشيع ونواقصه.

النقطة الثانية أن كمال لم يحك لنا حكاية الحشاشين تاريخيًا وتقنيًا لأنها ليست الهدف، لكنها مجرد رمز يخوض من خلاله معركة حامية الوطيس ضد التمذهب السياسى ووهم الباطن الدينى؛ بل هو يثبت من خلال الدراما المرتبة والمتأنقة أيضا نظرية كنا طرحناها فى سيمنار جامعة لايدن منذ عدة سنوات وهى أن مذاهب الباطن والجماعات التحتانية تنحو إلى الحلول والغنوص، وهما صفتان من شأنهما منح التأليه لقادة هذه الجماعات ومن ثم وقوع الهرطقات مما لا شك فيه كنتيجة نهائية.

فحسن الصباح فى دراما الحشاشين هو شخصية غنوصية بحتة قادها جنون السلطة إلى أكذوبة الحلول، أى حلول شخصية مقدسة فى ذاته هو. 

لم تكن الأمور دائمًا بهذه السهولة أمام الكاتب والقائمين على العمل الدرامى فلا بد من الحذر الشديد سواء فى كتابة الشخصيات أو أدائها ضمن السياق الدرامى حتى لا يقع ما يعرف بالتشبيه.

 وهذه نقطة تحسب للكاتب وكل القائمين على العمل حتى نرى فى النهاية مجرد شخصيات بشرية تصيب وتخطئ بعيدًا عن المساس بقداسة الدين أو النص الدينى مثلًا.

لقد تشرب الكاتب أعمالًا تراثية وحوادث من هذه الأعمال وصنع منها هذا المزيج الرائع فخرج فى رؤية إخراجية سليمة وشيقة ومبهرة أيضًا وليس أصدق من أنه حوَّل وقائع من تلك الأعمال مثل جنة صاحب الإمام الجنيد مثلا لتتحول لجنة مجاهدى الحشاشين المخدوعين مثلا.

تستحق ملحمة الحشاشين أن يطلق عليها «عمل عالمى»، من أول استخدام السينوجرافيك مرورًا بتعدد أماكن الأحداث ومن ثم تقبلت هذه التقنيات على أنها تخدم الحدث الدرامى.

فى النهاية.. لقد حقق العمل الهدف الأسمى المرجو من الفن وهو الترفيه والتعليم من خلال نقد فانتازى تاريخى ورسم احترافى للشخصيات سواء كان كتابة أو أداء.

ولا ننسى أن نشيد بإداء كريم عبدالعزيز وأحمد عيد والفنان سامى شيخ وكل من شارك فى العمل وبالطبع المخرج بيتر ميمى الذى ما زلت أراه متفوقًا فى إخراج المعارك.